"الإلغاء الثقافي للفلسطينيين"

ما الذي يحدث في ألمانيا؟ الصياغة الزمنية للثقافة والجامعة والحداثة المبعثرة (ترجمة)

2024-02-08 03:00:00

ما الذي يحدث في ألمانيا؟ الصياغة الزمنية للثقافة والجامعة والحداثة المبعثرة (ترجمة)
Palestine Helmet, Mothanna Hussein. freepalestineproject . com

لم يخلُ التعريف من الانتقاد من قبل الأكاديميين والعديد من الهيئات اليهودية بسبب التحيز والالتباس فيما يتعلق بما هو معادٍ للسامية والصهيونية أو "ما معنى مجرد انتقاد دولة إسرائيل؟"، هذا وغيره من الأحداث التي أدت إلى  "إضراب ألمانيا الكبير". 

كتبتها آنا مينا، ونشرت في ١٠ يناير ٢٠٢٤، في صحيفة "elsaltodiario" الإسبانية.

سياسة الإلغاء

يمتد تاريخ قمع وإلغاء النشاط الداعم للقضية الفلسطينية في ألمانيا لفترة طويلة. كذلك تاريخ فهم سياق أحداث السابع من أكتوبر، فهو يحتاج إلى نظرة عميقة تتخلل هيكلية السياسة الإسرائيلية في الاستيطان والإبادة الممنهجة للشعب الفلسطيني. كما أن التصاعد القمعي في هذا البلد لا يفعل سوى تكثيف سياسة واضحة وحازمة، موجودة بالفعل. "إنها عاصفة التقدم، سياسة الإلغاء" تماماً كما قال والتر بنيامين، حيث أن الاهتزاز الحاصل في أساسات الحضارة الألمانية الحديثة يؤدي إلى زلزال يُقدّر بست درجات على مقياس ريختر. 

في آذار/مارس 2023 منعت السلطات الألمانية فعالية تضامنية تناقش أهوال النكبة وضحاياها كانت قد دعت إليها منظمات حقوقية فلسطينية ويهودية معاً. الرد على هذا الحظر كان تجهيز فني احتجاجي في حي (نويكولن) صار بعدها مسرحاً للاحتجاجات منذ الثامن من أكتوبر الماضي، فقامت السلطات بتوقيف 170 شخصاً وفرض غرامات كبيرة على العديدين بسبب رفعهم للعلم الفلسطيني، مما أدى إلى إنشاء مبادرة "علينا أن نتحدث" بين العاملين في مجال الثقافة والفنانين، تلك المبادرة قامت بنقل خطابات نقدية لها تأثير عالٍ على المجتمع من مدينة برلين نفسها.

في مثال آخر يعود تاريخه إلى عام 2017 حيث قام البرلمان الألماني بالتصويت ضد حملة الـ BDS الناشطة على صعيد دولي تتلخص بسحب الاستثمارات الرأسمالية وفرض العقوبات على القطاعات الاقتصادية والتجارية المرتبطة بالنظام الصهيوني. لحسن الحظ أن حظرها لم يتم ولكن الكثير من نشطائها واجهوا محاكمات بتهمة معاداة السامية. وبسبب تمتع ألمانيا بصحافة سيئة حتى بين الجماعات اليسارية نفسها فإن حملات المقاطعة أو النشاطات الفنية لم تستطع الحصول على دعم حكومي، بل عانت جداً عند تقدمها بطلب مساحات عامة للحشد الشعبي. شهدنا كيف قام الجهاز الإعلامي والسياسي والأمني بعد السابع من أكتوبر ببذل كل الجهود لإدانة وقمع وتصفية المظاهرات وبدأ الحظر المعلن والصريح بمنع أي احتجاج، بالإضافة إلى حظر الأعلام الفلسطينية والكوفية والكثير من الشعارات. على الرغم من ذلك فإن تظاهرات حي "سونينلالي" لم تتوقف، فقد قرر المحتجون تنظيمها دون موافقات أمنية، حيث يتجمعون بشكل فجائي وتلقائي كل يوم في نفس الوقت ونفس المكان. بعدها بدأت تتشكل مجموعات أخرى تقوم بتنظيم تظاهرات جماهيرية قانونية لها دور بارز في التأثير والضغط، منها تنظيم "فلسطين تتكلم"، "التحالف العالمي لليهود" و"صوت اليهود"، تجمعت كلها من أجل تجاوز محاولات قمع وتفكيك المظاهرات. حيث أنها استطاعت أخيراً فرملة اعتداءات الجهاز الأمني في تظاهرة 28 أكتوبر، فقد تجمع آلاف الأشخاص في العاصمة الألمانية للتنديد بالعنصرية ووقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وبدأت بالفعل التجمعات تُنظم احتجاجات أسبوعية، في المقابل، صار صمت السكان الألمان ذوي البشرة البيضاء مربكاً. 

على الرغم من تلك الحشود التي كسرت حاجز الصمت، وخروج الملايين في العالم للمطالبة بوقف إطلاق النار إلا أن وسائل الإعلام الألمانية  تستمر في إنكار وتجاهل الاحتجاجات ضد المجازر المرتكبة. سنعود للحديث عن التنظيم الذاتي للاحتجاج في وقت لاحق، ولكن دعونا نتوقف الآن عند قطاعين رئيسيين في هذا السياق: القطاع الثقافي والجامعي، حيث يُعتبر كلاهما حالتين نموذجيتين لتصوير الطابع القمعي (الإنكاري والرقابي) للعملاق الأوروبي. مع استمرار المظاهرات الجماهيرية وانتقال العبارات الاحتجاجية بشكل خجول إلى القطاعات الثقافية والتعليمية، لا يتأخر الرد عبر سياسات الإلغاء والقمع الممنهج عبر وسائل الإعلام والقوانين نفسها.

حال القطاع الثقافي المضطرب في ألمانيا

في الأسابيع الأولى من شهر أكتوبر، دخلت المؤسسات الثقافية والتعليمية في ضبابية إدانة الإرهاب ودعم إسرائيل، في انتظار أن تمر العاصفة قريبًا بينما كانت القنابل ما تزال تتساقط على غزة. لكن العاصفة لم تتوقف، وبدأ ذهول الناس يتحول، بشكل خجول، إلى أصوات احتجاج. هذا الخجل الذي بالطبع أساسه "الخوف"، مرض من أمراض عصرنا الحالي كرسته ثقافة الطاعة. تجاوز طلاب الجامعات حاجز الرؤية الأولى، وبدأت أقنعة نظام التقدم الديمقراطي (تلك التي كانت تحملها المؤسسات الجامعية والثقافية كراية خاصة بها) بالسقوط. 

بدأت الوقفات التضامنية والنشاط الداعم والمتضامن، أيضاً نشطت الاجتماعات والمحاضرات، وبقيت الفعاليات الثقافية غائبة، على الرغم من كسر الحصار على التظاهرات في الشوارع. ولكنّ الخوف من الانتقامات كان يسيطر على المشهد الثقافي الألماني. وبدأ منظمون ذاتيون من طيف الحركات الاجتماعية في تنظيم فعاليات الدعم، والعروض، واللقاءات. في حين ظلت القطاعات الثقافية وعالم الفن في صمت. باستثناء مبادرتين تجاوزتا هذا الصمت. وهما المبادرة التي ذكرناها أعلاه "علينا أن نتحدث"، والمساحة "عيون".

تتألف مبادرة "علينا أن نتحدث" من فنانين ومثقفين أخذوا على عاتقهم قرار التجمع للحديث عن مشاكل "الرقابة والتهديد والإلغاء" التي يواجهها قطاع الثقافة في مدينة برلين. بعد الكثير من التضييق، قرروا تنظيم تجمع آخر يسمى " لا زلنا بحاجة إلى الحديث". تمت المظاهرة في 10 نوفمبر. سلطوا الضوء فيها على سلسلة من التدخلات والاختراقات كالرقابة والعنصرية مقابل حرية التعبير في الدولة الألمانية. وقبل كل شيء، عدم التزام الثقافة والمؤسسات الثقافية بالدفاع عن حقوق الإنسان. بالرغم من أنه احتجاج عام، إلّا أنه أيضًا فعل رعاية للذات الثقافية ومواجهتها وبهذا نقد للقطاع الثقافي الذي تم تفتيته بفعل منطق السوق المبعثر.

أما بالنسبة لمساحة "عيون"، فهي مساحة ثقافية مستقلة وغير ربحية تعرّف نفسها بأنها "مكان للنقاش النقدي والتجريب التفكيري والتضامن الراديكالي من منظور مثليي الجنس والنسوية والمجتمع المهاجر"، وقد تعرضت، ما قبل أكتوبر 2023 إلى هجمات قمعية بسبب تنظيمها لفعاليات ونشاطات حول العنصرية المعادية للفلسطينيين. وفي بداية شهر نوفمبر تصاعد تحرش السلطات نحو "عيون". حيث اتخذ مجلس ثقافة برلين إجراءات نقابية في رسالة مفتوحة تقتضي بإغلاق المركز الثقافي. السبب في ذلك فعالية: "الرثاء والحداد"  التي نظمتها مؤسسة "صوت يهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط"، تلك المؤسسة التي فازت بجائزة "جوتنجن" للسلام. طلب مجلس برلين من "عيون" بإلغاء الحدث بحجة "العبء السياسي الكبير". لم تتوقف وسائل الإعلام عن مضايقة المكان، واستمر مجلس برلين محافظاً على موقفه حول ما هو "مسموح به"، ولم يتردد في غض النظر عن كل محاولات الشفافية والانفتاح على الآخر متناسياً بنيته  الألمانية المكونة من الذاكرة والصدمة والرثاء والحساسية تجاه العنصرية والأمن، ماشياً عبر نفق المصالح السياسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال. 

في شهر ديسمبر، وعلى الرغم من كل التضييقات الحاصلة، دعت مؤسسة "عيون" إلى سلسلة من الفعاليات الداعمة لفلسطين ونادت بالدفاع عن المكان الجامع للكثير من النشطاء والناشطات، وصل الحضور إلى أكثر من ثلاثمئة شخص. في أحد الخطابات العفوية، صرح بعض المثقفين من جنسيات مختلفة : "إن من ندافع عن ديمقراطيتهم هم من الأشخاص المهاجرين"، مبرزين أن الغالبية الساحقة للمشاركين في الحراك هي من المهاجرين، وليسوا هناك فقط من أجل دعم فلسطين، إنما وجودهم يقتضي أيضاً الدفاع عن حرية التجمع والتعبير. لعبت وسائل الإعلام بالتحديد دوراً مهماً في التضييق على الحراك المناصر للقضية الفلسطينية وخاصةً في قمع إضرابات الطلاب في الجامعات الألمانية. وبسبب تعليق المساعدة من مجلس برلين فغالباً سيتعرض الـ  32 موظفاً الذين تضمهم مؤسسة "عيون" لخسارة وظائفهم. هذا ليس إلّا مثالاً على الضغط الذي يتعرض له قطاع الثقافة في ألمانيا. وأشهر مثال على ذلك هو إلغاء جائزة الكاتبة عدنية شبلي في معرض فرانكفورت من قبل مؤسسة هاينرش بول.

المؤسسات التعليمية

بعد السابع من أكتوبر أعلنت جامعة الفنون في برلين دعمها لإسرائيل ونددت بهجمات حماس. إعلان أحادي الجانب يتضمن نشر صورة علم إسرائيل على موقعها الإلكتروني. لم يمر يومان حتى بدأت رسائل الدعم والتشديد على إعلان وخطاب مجلس الجامعة في رسالة واضحة وصريحة مؤكدة على الوقوف بجانب حكومة الاحتلال. لم يتفاعل الطلاب بعد. فبعضهم من أصل فلسطيني وسوري، يرتدون الكوفية ويشعرون بالخوف، فلم يمر يومان على هجوم 7 أكتوبر والجامعة ومجلسها كانوا قد اتخذوا قراراتهم بفصل كل من ينادي باسم فلسطين. في 27 أكتوبر، أصدرت الجامعة رسالة موجهة إلى جميع عمداء الجامعات الحكومية في برلين، تحمل عنوان "تحديات الجامعة أمام الصراع في الشرق الأوسط". يتناول موضوع الرسالة اتخاذ التدابير القانونية لمكافحة معاداة السامية في الجامعات استناداً إلى قرارات التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست.  

لم يخلُ التعريف من الانتقاد من قبل الأكاديميين والعديد من الهيئات اليهودية بسبب التحيز والالتباس فيما يتعلق بما هو معادٍ للسامية والصهيونية أو "ما معنى مجرد انتقاد دولة إسرائيل؟"، هذا وغيره من الأحداث التي أدت إلى  "إضراب ألمانيا الكبير". 

على ما يبدو أن "الخطاب السلمي" للجامعة، لم يتأثر بالهجوم العنصري للجيش الإسرائيلي على السكان المدنيين أو لم يُقم اعتباراً لوجود طلاب من أصل سوري أو فلسطيني يستشعرون التهديد من البيئة العنصرية واتهامات معاداة السامية. بناءً على رأي الإدارة العليا، تتأثر "ديناميكية الجامعة" بـ "تعليقات معادية للسامية". لا نقلل هنا من مشكلة معاداة السامية في العالم ولكننا ننتقد الاستخدام الضار للمصطلح في التفسير الألماني للسياسة والذاكرة والقانون وحقوق الإنسان. هناك حساسية انتقائية، وتفوّق أخلاقي مزعوم، وعنصرية متجذرة تمامًا فيما يُقدم كمقرر للتفكير النقدي في جامعة الفنون.

في 30 أكتوبر، قامت مبادرة طلابية بصياغة بيان حول تداولات الموقف الرسمي لجامعة الفنون في برلين واستجابةً للبيان الصادر عن الإدارة العليا. أحد بنود المبادرة: "أولاً، أن تعترف الجامعة بوضوح بإنسانية الفلسطينيين، وأن تعترف علنًا بالضرر الذي تسببت فيه مواقفها والذي قد تتسبب به في المستقبل على الطلاب الفلسطينيين والعرب. ثانياً، أن تقدم جامعة الفنون في برلين نداءً إلى الحكومة الألمانية، برئاسة المستشار أولاف شولتس، بالمطالبة بالتوقف الفوري لإطلاق النار، مطالباً إسرائيل برفع حصارها عن غزة، مما يسمح بوصول آمن وبلا عوائق إلى الموارد الأساسية مثل المياه والطعام والوقود والإمدادات الطبية".

تمّت صياغة هذا البيان وهذه المطالب من قبل نشطاء جامعة الفنون المتقاطع مع بيان حركة "اللا عنصرية" التي تأسست عام 2020 من أجل حراك "حياة السود مهمة". احتفظ مجلس الجامعة بحق الرد ولم يُناقش أياً من هذه المطالب واعتبرها ملغاة. 

أمام هذا القلق الناشئ عن عدم الرد، بالإضافة إلى تزايد نبرة الكراهية المستمرة  تجاه المسلمين داخل وخارج الجامعة، بدأ الطلاب في تنظيم أنشطة تضامن واحتجاج دون الاكتراث بقرارات تعليق دراستهم أو حتى فصلهم من الجامعة. معظم هؤلاء الطلاب من أصل عربي (فلسطينيين ومن دول أخرى) وبنسبة أقل طلاب من أصل يهودي وألماني. كانت الفعالية الأولى في 13 نوفمبر، حيث قامت مجموعة من الطلاب بالجلوس في الممر الرئيسي للكلية مرتدين اللون الأسود وأيديهم مغطاة باللون الأحمر كناية على تواطؤ الحكومة الألمانية مع جرائم إسرائيل يقرأون  أسماء آلاف الضحايا المدنيين في غزة. بعد أسبوع من هذا الحدث، قدم "نوربرت بالز"، رئيس الجامعة، مقابلة أثارت موجة من الاهتمام الإعلامي، حيث تم اتهام الطلاب المشاركين في الفعالية بأنهم معادون للسامية وذو نزعة عدائية وعنيفة بسبب انتمائهم إلى اليسار المتطرف. وقد تم التشديد في بعض الصحف على عدم تسميتهم حتى كطلاب، بل كـ "معادين لإسرائيل". وأُطلقت نحو عشرين مقالة للرد على حراكهم، تسلط الضوء على الكراهية المزعومة لإسرائيل. تبرز منها مقابلة في مجلة "زايت"، حيث اتهم طلاب ومدرسين ألمان زملاءهم وطلابهم (غير الألمان) بمعاداة السامية.

في حالات أخرى، اتهم البعض الذين لا ينتمون إلى الجامعة بأنهم مثيرون للشغب ومشاركون أو حتى منظمون للفعاليات؛ ولم يتم نشر أي تقرير إعلامي يعبر عن موقف الطلاب المنظمين. على العكس من ذلك، زادت الاعتداءات على مجالات الدراسات المتعلقة بمكافحة العنصرية وتاريخها وجذورها المتأصلة في ثقافة الحروب، وأيضاً تم تضييق الخناق على مفهوم "ما بعد الكولونيالية" من قبل رئيس الجامعة، واتهم جميع تلك الدراسات بأنها "مناهضة للديمقراطية ومتعصبة"، في إشارة واضحة تُعلن قرب صدور بيان تحت عنوان: "في الجامعة الألمانية، تُعرض هذه الدراسات الآن للتشكيك بالرؤية غير الألمانية للعالم". لم تتردد وسائل الإعلام بلعب الدور الأكبر في التضييق على حملات المقاطعة والإضرابات والمبادرات التي تؤيد حق الفلسطينيين في التعبير عن سخطهم. على الرغم من قتامة المشهد وبشاعته تستمر الإضرابات التصاعدية، ويتمكن طلاب جامعة الفنون  في برلين بتنظيمها كل يوم أربعاء. حيث تمكنوا من التشبيك والتواصل مع طلاب منظمين من جامعات أخرى في مدن ألمانية مختلفة للتخفيف من عبء دولتهم عليهم وتغيير فكرة التضامن أحادي الجانب. نشأت بذلك حسابات: notinourname_fu \ notinourname_huberlin \ notinourname_udk.

يظهر الرد على الفور على شكل قرار يُصدر خطة للعمل ضد معاداة السامية وعداء إسرائيل من قِبَل مؤتمر وزراء التعليم. يبقى قراراً مُحافظاً على موقفه من "الصدمة والاستياء" تجاه الشعارات المعادية للسامية و"الدعم" لحماس ضد "أصدقائهم الإسرائيليين"، فهو تأكيد مُكرر على دعمه الغير مشروط لإسرائيل و"برامج البحث المرتبطة بإسرائيل". قرار بطول أربعة صفحات. يتألف نصّه من ثماني فقرات، سبعة منهم يتصدرها عنوان "معاداة السامية"، بينما تتحدث الفقرة الثامنة عن "تهيئة فضاء للحوار السلمي" و "إنشاء منابر للمناقشة بين الثقافات والأديان".

هكذا في الرابع عشر من ديسمبر، تنظم حملة "ليس باسمنا" وقفة احتجاجية تحتل فيها قاعة المؤتمرات الألمانية، تنتهي بدخول الشرطة لقمع لطلاب بطريقة عنيفة وإخلاء القاعة. بعدها بيومين نفّذت أنشطة مُنسّقة من قبل "تحالف الطلاب في برلين"، تشمل حركة "تحرير الجامعات، الطلاب المتحدون من أجل فلسطين الحرة". بالإضافة إلى مبادرة "إضراب ألمانيا" الذي شمل جميع القطاعات الأكاديمية والفنية والثقافية، تعبيراً عن العصيان ضد رقابة المؤسسات الثقافية الألمانية.

هذا ليس سوى سرد مجرد لبعض الأحداث في الجامعة الألمانية فمنها ما يثير الدهشة والرعب خاصةً عندما يتزايد تحرش الطلاب الألمان المؤيدين للصهيونية بالتظاهرات. إنه أمر مربك ومرعب. ففي الوقت الحالي، يسود في ألمانيا تدجين فكري يشبه تماماً الذي كان سائداً في عام 1933، يشير إلى اليمين المتطرف الذي نجح بحشد أصواته وتياراته، والذي يصف بشكل جيد الوضع الحالي لأوروبا الفاشلة. مثيرٌ للاهتمام رؤية الإبادة الجماعية التي أشعلتها إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر واعتبارها نقطة اللاعودة لشق الشمال العالمي ضد الجنوب العالمي، أي ضد التفوق الأبيض في مواجهة الكيان المتنوع الذي يشكله الأخير. وماهية الممارسات الدولية التي تستحق التأمل والتفحص، تلك التي يمكنها أن تنقذنا من الرعب، من انعدام مسؤولياتنا الذاتية والتقاعس الإنساني تجاه كل ما يحصل.