مع اقتراب السنة السابعة.. الخبر الثقافي بأهمية خبر الحرب

2017-02-16 09:00:00

مع اقتراب السنة السابعة.. الخبر الثقافي بأهمية خبر الحرب
من لوحة للفنان السوري لؤي كيالي

تدخل الثورات العربية عامها السابع، مع شعور بالإحباط ينهش الجميع، حيث أن ما تطالعه العين بشكل مباشر هو حمام الدم المفتوح في سوريا، ومهزلة تربع السيسي على عرش مصر، وتمترس طاغية اليمن باحتراب أهلي وأقليمي، واقتتال ليبي على السلطة، وما يرافق كل ذلك من أوضاع مأساوية على جميع الأصعدة. وعلى الرغم من أن دولة كتونس بدأت تجني ثمار ثورتها رويداً رويداً، إلا أن الواقع لا يتطابق مع الأحلام التي بنيت على أساس تحسين الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي في الدول الثائرة. وبدأ الثوار مؤخراً يدركون أن الواقع المؤذي يرفض الانصياع بالسرعة التي تتطابق مع أحلامهم. ولو أن تغيراً تدريجياً بدأ.

لكن الصراع مع الزمن لا بد أن ينتصر فيه الزمن دائماً، وما أن يمضي بطيئاً، حتى تبدأ التغيرات على الأفراد والجماعات بالظهور، تغيرات تكاد ترى ملامحها هنا أو هناك، فخلال الزمن تحدث تغيرات لا تؤخذ أحياناً بعين الاعتبار إلا أنها تكاد تكون جوهرية وهي الهدف الرئيسي من الثورات في بعض الأحيان.

الكثير من الشبان العرب بعد مرور سنوات على الثورة غادروا بلاد القمع التي ثاروا على أنظمتها، ومن استطاع منهم التجأ إلى أماكن خارج مستنقعات الدم، أكثر حرية، يستطيع التفكير بما أراد لبلاده وما الذي حصل، فشاهدنا العديد من أبناء الثورات في دول أوروبا، أولى همومهم أن يواصلوا دراستهم ويكملوا حياة تم بترها، يرفض معظمهم الاكتفاء بحالة اللجوء وإيقاف حياته عند هذا الحد، ويأتي ذلك كمحاولات تثقيف الذات من دافع عميق يتجلى برغبة بثورة أدق، وتصيب أهدافها مباشرة، ورغبة في إنهاء حمامات الدم المراق في دولهم التي أتوا منها، وصناعة دول تحترم مواطنيها وحقوقهم، وتستطيع الدفاع عنهم. في الوقت ذاته بقي من يحاول أن يلعب هذا الدور من داخل البلد، ويجتمع كلاهما في وسائل التواصل الاجتماعي.

وشهر إثر آخر، تحتل الأخبار الثقافية في العالم العربي نفس مكانة أخبار الحرب، وبينما يعجز الشبان عن وقف حروب وسياسات تتدخل في إدارتها دول عظمى، يلجأون إلى النضال الثقافي مع محاولاتهم الدائمة لجسر ثقافاتهم بعضها ببعض.

يعرف جميع من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي،"الفيسبوك" تحديداً، أن هنالك دائماً موضوعاً أو اثنين مطروحان للنقاش العام بشكل شبه يومي، غالباً ما يكون الموضوع المطروح متعلقاً بالحرب، فتدور الأحاديث وترمى الآراء وتنشأ الخلافات في موضوع لا أحد يستطيع التغيير فيه قيد أنملة. لكن منذ فترة وجيزة ومع معرض للفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي في دمشق، بدأ النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي عن أهمية إنجاز منتج ثقافي وعرضه في دمشق بالنسبة للنظام، أو أنه يفيد أهالي دمشق ويقف شوكة بحلق النظام، استمر الجدل أياماً، وحمل من التحليلات الجيد والرديء، العلمي والمتعصب، إلا أن ما دار من نقاشات في تلك الفترة كان حدثاً لم نعتد عليه، فمنذ متى يشارك معظم الناس في نقاش معرض فن تشكيلي في سوريا؟ الفن الذي أريد له أن يكون نخبويا حسب تعبير البعض، والجواب طبعاً منذ أن كسرت الثورة جميع الاحتكارات.

ليس بعيداً عن سوريا، وفي دولة لم تنجز ثورتها على سلطتها بعد، منعت الحكومة الفلسطينية منذ أيام رواية عباد يحيى "جريمة في رام الله" واتفقت معها في المنع حكومة حماس في قطاع غزة بعد أعوام من التنافر والتضاد، الأمر الذي دفع بالمثقفين العرب عموماً إلى توقيع البيان إثر البيان، وكتابة المقال إثر المقال في الدفاع عن حق الكاتب في التعبير عما يريد وبحرية مطلقة، ومن لم يعجبه الكتاب فليمتنع هو عن قراءته، لا أن يمنعه من حقه في التداول بين الناس.

معظم الذين تفاعلوا مع رواية عباد يحيى تفاعلوا مع الحدث، لا مع الرواية، لا للمنع حتى لو لم نقرأ ما جاء في الرواية، وهذا بحد ذاته قيمة من قيم الثورات العربية التي غالباً ما تُظلم في عدم تسليط الضوء على منجزها، أو بتسليط الضوء على منجزها بصفته قتلاً ودماراً. أشعر بالبهجة عندما يسألني أحد الناس غير المهتمين بالمنتج الثقافي عادة، من هو عباد يحيى؟ ما الذي يجري؟ وبعد أيام ترى الرجل نفسه بات يناقش بالموضع ويتبناه، ويسعى للحصول على نسخة من الرواية، عندها أشعر أن الثورة العربية انتصرت، وأن السلطة الفلسطينية ومن لف لفها ككل طغاة العرب زائلون لا محالة.