فنانون من فلسطين والعالم ينادون بعزل إسرائيل عن بينالي فينيسيا

2024-03-13 05:00:00

فنانون من فلسطين والعالم ينادون بعزل إسرائيل عن بينالي فينيسيا
Hani Zurob, ZeftTime Wall installation, 2020, series in progress

يتساءل منذر جوابرة إن كان للفنان تأثير لتغيير ما يحدث في غزة أم لا؟ وهنا تأتي مثل هذه المبادرات وغيرها، ومن حيث المبدأ هي توجه جداً ضروري لممارسة ضغوطات ثقافية ولإظهار موقف الفنانين الكتاب الفلاسفة المؤثرين المنحاز للانسانية،

أطلق الفنان الفلسطيني هاني زعرب، مواليد مخيم رفح  1976، نداء عبر صفحة الانستغرام الخاص به يتعلق باستبعاد إسرائيل من بينالي فينيسيا في نسخته الستين للعام 2024 والذي سيكون من 20 إبريل لغاية 24 نوفمبر، تحت عنوان "الأجانب في كل مكان" وذلك بمشاركة ما يقارب 331 فناناً من مختلف الجنسيات. تبلور هذا النداء من خلال طرحه لمضمون عريضة صدرت عن تحالف للفنانين، وقد قام بتوقيعها لغاية الآن 14500 شخص. جاءت العريضة بعنوان"Art Not Genocide Alliance" الفن ليس متحالفاً مع الإبادة الجماعية" ومن أبرز المشاركين والموقعين على هذه العريضة جيسي دارلينج الفائز بجائزة تيرنر للعام الماضي، إلى جانب فنانين آخرين مثل جوانا بيوتروفسكي، نان غولدين، مايكل راكويتز، ليلى صنصور، وغيرهم. ويصرح القائمون على العريضة بأنهم مجموعة دولية من الفنانين والقيمين والكتاب والعاملين في مجال الثقافة والذين اجتمعوا للدعوة إلى استبعاد إسرائيل في بينالي فينسيا، الذي يعتبر الحدث الفني الأكثر شهرة في العالم. 

وبالفعل تم توجيه العريضة إلى وزارة الثقافة الإيطالية، وبدوره صرح وزيرها جينارو سان جوليانو إن إسرائيل لن تُستبعد من البينالي، يأتي هذا الرد مناقضاً لما صدر عن البينالي ووزارة الثقافة في 2022 في نسخته 59 في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا حيث أصدرت وزارة الثقافة والبينالي العديد من البيانات لدعم حق الشعب الأوكراني في تقرير المصير والحرية والإنسانية. مما اجبر الفنانين الروسيين على الانسحاب من البينالي. وفي المقابل لم يصدر أي بيان لا من القيمين على البينالي ولا من وزارة الثقافة لغاية الآن بخصوص الابادة والتطهير العرقي الذي يرتكبه الاستعمار الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وهذا الموقف يتناقض مع ثيمة المعرض التي تحتفي بالأجنبي، والبعيد، والغريب فضلاً عن السكان الأصليين الذين غالبًا ما يُعاملون كأجانب في أرضهم. ومن أهداف ثيمة البينالي ايضاً اظهار الأصوات المقموعة و الخافتة في المناطق الجنوبية بالذات حسب تصريح قيم البينالي أدريانو بيدروسا.

وبعض ما جاء في العريضة الموجه للبينالي، أنه لا يوجد جناح للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والتي أثبتتها محكمة العدل الدولية، في حين يتواجد جناح اسرائيلي بعنوان "جناح الخصوبة" الذي يركز على الأمومة المعاصرة، وأكد القيمون على الجناح ميرا لابيدوت وتمار مارغاليت والفنانة روث باتير التي ستمثل إسرائيل في بيان لهم على ضرورة الفن في الأوقات المظلمة، و أهمية حرية التعبير والإبداع، في وقتٍ تُباد امومة وخصوبة الشعب الفلسطيني، حيث قتلت إسرائيل أكثر من 12.900 ألف طفل و 8.200 ألف امرأة، ودمرت إمكانية الوصول إلى الرعاية الإنجابية والمرافق الطبية؛ ونتيجة لذلك تجري النساء الفلسطينيات عمليات قيصرية دون مخدر، ويلدن في الشارع. يبدو جلياً أن البينالي يروج لدولة الفصل العنصري التي تقوم بالإبادة الجماعية، سواء بإدراك منه أم لا. وفيما يلي ارفق بعض وجهات النظر لمجموعة من الفنانين فيما يتعلق بالنداء والبينالي:

تقول د. ط.: أضم صوتي للأصوات التي تطالب بافصاء إسرائيل من البينالي فلا وجود لفن اسرائيلي غير خاضع للمنظومة الصهيونيّة الاستطانيّة التوسعيّة حتّى لو ادعى في ظاهره محاولة تشكيّل تجربة فنيّة حسيّة اخلاقيّة خارج منظومة القوى الاستعماريّة، فهو شريك أساس في ترسيم وتشكيل المنظومة الجماليّة السياسية الفاعلة في الفضاء الجيوسياسي الإسرائيلي-الفلسطيني والتي تؤثر على تشكيليه، إدراكه وفهمه تاريخيًّا واجتماعيًّا. فما بالك معرض موّكل وممول من أجل تمثيل الكيان الاسرائيلي أمام المحافل الدوليّة في ظل حرب الإبادة على غزّة. وتضيف أنها تتساءل أيضا عن جدوى هذه المطالبة داخل هذه المنظومة الفنيّة الغربية التي تمارس الهيمنة الثقافيّة والتمييز الجغرافي وعن الحاجة إلى إعادة النظر في الأسس والهياكل القائمة للسلطة الثقافية والفنيّة  بدلّا من المطالبة داخل المنظومة بمنظومة انحيازيّة "أفضل".

يتساءل منذر جوابرة إن كان للفنان تأثير لتغيير ما يحدث في غزة أم لا؟ وهنا تأتي مثل هذه المبادرات وغيرها، ومن حيث المبدأ هي توجه جداً ضروري لممارسة ضغوطات ثقافية ولإظهار موقف الفنانين الكتاب الفلاسفة المؤثرين المنحاز للانسانية، وهي نفس الظروف التي تنطبق على الروهينغا، و اوكرانيا، ومطالبة الاسرائيليين للعالم لاتخاذ موقف سريع في اي وقت يتعرضوا فيه إلى موقف دفاعي فلسطيني.

ولكن ما هي الآلية الأنسب لطرح مثل هذا النداء، هل بدعوة عامة؟ هل تواصل شخصي؟ وهل سيكون النداء مسموع؟ لأن النداء ليس تضامنيا فقط بل هو محاولة لإظهار الحقيقة، وخاصة أن صراعنا اليوم قائم على الادعاء الكاذب أمام الحقيقة المطلقة التي لا صوت لها، وبالمقابل هل هذا الدور كافي؟ هل هذا الصوت يؤثر ويصل؟ وكيف نمارس الضغوط الإضافية في ظل هيمنة المؤسسات الدولية المنحازة لإسرائيل؟ كل هذه أسئلة مشروعة حتى يتحول الموقف من تضامن لموقف إنساني وسياسي وهو أقل واجب يمكن للفنانين القيام به للتعبير عن رفضهم للإبادة في فلسطين.

وتضيف منال محاميد، أنا أوافق على مثل هذا النداء وهو أقل ما يمكن أن يقوم فيه الفنان، وأنا كفنانة فلسطينية، لا يمكنني أن أقف إلى جانب أي طرف يساهم في قتل الأطفال والنساء، بغض النظر عن جنسية الضحية. لذا، لا يمكنني تجاهل ما ترتكبه إسرائيل من مجازر وتهجير، واستهداف للفلسطينيين عبر العقود وفي الحرب الحالية على غزة تحديدًا. في الوقت نفسه، أرى، وبكل أسف، أن الفنانين والمثقفين الإسرائيليين اختاروا أن يكونوا جزءًا من هذه المنظومة الاستعمارية، بوصفهم أداة تخدم الفكر الصهيوني، خصوصًا عند تمثيلهم في البينالي ضمن ثيمة "الخصوبة والأمومة"، بينما هم، بسكوتهم عما يجري، يعتبرون شركاء في الجرائم التي ترتكب في غزة وفلسطين بشكل عام. حيث تم إعدام الآلاف من النساء والأطفال، وبسخرية، وبدون أي اعتبار للمشاعر، اختاروا تمثيل إسرائيل بموضوع الخصوبة، وهذا يتوافق مع سياسة تجاهل وإنكار الجرائم التي ترتكب من قبل الحكومة الإسرائيلية. لقد اختاروا إنكار نكبة 48، فكيف يمكنهم الوقوف بوضوح ورفض الذهاب إلى بينالي فينيسيا؟ كيف يمكنهم أن يقفوا بشجاعة وبدون تردد، لإيقاف المجازر الحاصلة في غزة؟ إن تجاهلهم هو عبارة عن طمس للحقائق المؤلمة. إنهم كقطيع يقف إلى جانب حكومتهم المتطرفة. وأيضًا، مع الأخذ في الاعتبار أنهم يستطيعون السفر والتنقل بحرية، بينما الفنانون الفلسطينيون محرومون من هذا الحق بسبب هيمنة الاستعمار الصهيوني. ولا يمكننا أيضًا تجاهل جريمة إبادة الأعمال الفنية لجيل كامل من الفنانين الفلسطينيين في غزة."

ويضيف علاء بدران أن النداء والعريضة مبادرة جيدة تمثل شرائح فنية متعددة من مختلف الأنحاء وهو مهم وجزء من المقاومة التي يجب أن نقوم فيها كفنانين تجاه العدوان على غزة، وإذا كان الاحتلال يحاول اللعب على جزئية تجميل ذاته وتلميعه من خلال أدوات مختلفة منها مشاركاته الفنية واتهامه المتكرر للمجتمع الشرقي بالتخلف الفني. عكل ذلك على الرغم من ادعاء الفن الإسرائيلي من خلال فنانيه، يساريتهم الفكرية، لكن في الحقيقة لا يوجد تيار يساري بمعنى التيار اليساري المتعارف عليه في العالم، فمعظم الفنانين الإسرائيليين مثلاً كانوا مع الإبادة على غزة. ويضيف بدارنه أن الفن الفلسطيني اختلف وسوف يختلف طرحه تماما بعد 7 أكتوبر، لأن الفلسفة الجمالية وكل ما تعلمناه وما قرأناه تبخر بعد الإبادة واكبر دليل أن معظم فنانين غزة يحاولون خلق مساحة لفنهم من تحت الركام أو من خلال إرسال أعمالهم للخارج أو تدوين يومياتهم. وأرى أن النداء خطوة مهمة لأن للفنان دور في توعية المجتمع والتعبير عنه ومع الموقف والمقاطعة الصريحة نظراً ل ازدواجية المعايير الموجودة، ولعل ذلك يكون وسيلة في تغيير منهجية الفن تحت الاحتلال وخلق مقاومة فنية مضادة لكل هذه المنهجيات الاستعلائية.

أما شام أبو صالح فتنظر الى النداء من زاوية هشاشة القيم والمنظومة برمتها حيث تقول، بالنسبة لازدواجية المعايير موجودة من الأصل وليست مفاجئة لكن تعود لتؤكد لنا على التخاذل العالمي والنظام الرأسمالي الذي ينهش بنا. ومقاطعة البينالي أو مزادات الفنون العالمية ل روسيا وتقليص التعامل مع مقتني الفنون الروسيين ايضاً، يوضح لنا عمق هذه الازدواجية، لكن السؤال الأكبر هل هذا القرار نابع من حالة انسانية او اقتصادية سياسية؟ وفي رأيي الشخصي انه هذا النداء يجب أن يتواجد في كل مكان، ليس لأنني أؤمن بأن هناك من يسمع أو يحدث فرق على أرض الواقع أو مؤمنه انه الغرب هو الذي سيساهم من خلال أجهزته في إحداث فرق في المعاملة؛ بل من وجهة القول والتصريح على فعل سابق متخاذل ومزدوج بالمعايير الفوقية والاهتمامات الاقتصادية. إن قدرتي على التعبير واضافة صوتي للدعوة هو متعلق بالكثير من العوامل المسيطرة والطاغية في واقعي المحتل، حيث أن اتساع الفجوة الناتجة بين انسانيتي وواقعي تنتج ارض جداً هشة، تحتمل سقوطي او ابتلاعي من قبل هذا النظام الطاغي، وهذه أيضاً بحد ذاتها فكرة مرعبة تمتصني وتجعل مني كائن مضمحل في جميع جوانبه الوجودية على فترة زمنية أطول وبطرق واحجام مختلفة، هذه هي التعددية في ازدواجية معايير الغرب. وأتساءل بإستمرار، هل ارضي هشة؟ ام تم التلاعب بشكل ممنهج في اساساتي لخلق هذه الحالة من التعايش مع جميع السموم المحيطة واجباري قسراً على فعل وانتاجية وقرارات موّجهه لهدف معين لتخدم فئة مسيطرة في طبيعة الحال، إذ صح التعبير.

ويضيف الياس واكيم أن النداء مهم لكن يجب ان يتزامن مع فعل عملي ولا يكفي أن نكتب يجب ان يكون فعل مثل، تظاهرات فنية في أنحاء مختلفة من العالم وتظاهرات أمام البينالي، وبدل أن يكون النداء عام يرسل للفنانين والدول نفسها برسائل موضحه، كما من الضروري أن يصل النداء الى المشاركين وضرورة حثهم على عمل شيء، ليس بالضرورة الانسحاب، بل هناك طرق أخرى للضغط على القائمين على البينالي لوقف مشاركة اسرائيل.

أما حماده مداح، فيشير إلى أهمية دور الفن والثقافة في الدفاع عن الشعوب المضطهدة فإذا لم تتحدث الثقافة والفن بقوة عن الأخلاق والإنسانية فلا ضرورة الى وجودهما. ويضيف، إن هناك ازدواجية في المعايير حيث يوجد شعوب مضطهدة لا يحاول الغرب أن يلتفت اليها، في حين يلتفت ويعبر عن معاناة شعوب أخرى مثل أوكرانيا. وبالتأكيد يوجد فنانين ومثقفين من شعوب أوروبية غربية متعاطفين مع كل القضايا ومع الشعوب المضطهدة، لكن دورهم وتعاطفهم غير كافي. وإن لم يكن للفن والثقافة دور واضح في الوقوف الى جنب الإنسانية فهذا يعني سقوطها. ومثل هذا النداء مهم للتعبير عن صوت الفنان رأيه، ويشير مداح الى عمق الصعوبات التي يواجهها الجولان السوري فيقول لا نستطيع التعبير عن آرائنا بكل حرية، خاصة بالمنظومة التي نتواجد تحتها.

أما عز الجعبري فيبدأ مداخلته من ضرورة نقد العملية الفنية برمتها لأن لديه إشكالية بموضوع توجهات الفن وبرؤية الفن، وكيف يتم التعامل مع الفن ووجهاته، وآلية طرحه؛ لأنه في جزءٍ كبيرٍ منه أدوات استعمارية والجزء الآخر منه تأطير ل أيديولوجية و مفاهيم لا تراعي الحساسيات الثقافية المختلفة، وهذا ما يظهر في البينالي العالمي سواء فينيسيا أو غيره  والذي يظهر من خلاله التقاطع السياسة، الذي يقود الى تأطير مفهوم مشاركة الفنان، ومفهوم مشاركة الدولة. ويقول الجعبري، الحراك العالمي بالفن غير الكثير من المفاهيم وتوجهات الفنانين فكيف يكون الفن مقبولاً؟ وقد أصبح الفلسطيني يحاول الالتحاق بالتجربة العالمية، فصار الفن بالنسبة له مخاطبة المجتمعات الخارجية، ويخاطب المعارض والمؤسسات الكبيرة لمحاولة إدراجه ضمن إطارها. المشكلة الأساسية بوجود مثل هذه المعارض والمؤسسات المرتبطة بالسياسة. كما أن ردات فعل الفنان الفلسطيني أو العالم تظهر عند حدوث ازمة، حيث ان مشاركة إسرائيل بهذا الوقت أصبح فيها إشكالية، بينما لم تظهر هذه الإشكالية في مرات و مشاركات سابقة. لا اعلم الى اي حد هذا النداء موثوق وقد وصلني سابقاً وثمة بعض التفاصيل التي لا أهمية لوجودها. وبالنسبة للبينالي فإن ثيمته لهذا العام سخيفة وتظهر جلياً استمرارية وجود العقلية الاستعمارية بالنظر للآخر، وكيف يتم التعامل معها من خلال المفاهيم المستخدمة Indigenous artist و Indigenous art جميعها مصطلحات استعمارية لم يستطيعوا الخروج منها ولا يستطيعون فهم الصورة الأوسع للعالم والفن خارج معارضهم وخارج نظرتهم للفن، ومفهوم التأطير الفني لعمل الفنان وللفن بشكل عام هو استعماري بحث، وما زالت المؤسسات او البيناليات تعيد إنتاجه هذه المفاهيم نفسها بأشكال عديدة، وقضيتنا في العالم مرتبطة بوجود الإسرائيلي وكيف ينظر إلينا العالم من خلاله وليس كوننا نحن؛ لذا يجب أن نتوقف عن إثبات أنفسنا للمجتمع الدولي لمواكبة الفن والثقافة. الفلسطيني بحاجة في هذه المرحلة الى الانغلاق على نفسه كي يعيد نقد ذاته وبنائها من جديد بحيث تنسلخ عن كل الأطر المرتبطة بالغرب.

في ختام هذه المادة اكرر سؤال الكاتب ليف تولستوي في كتابه "ما هو الفن"، هل من الصحيح أن الفن شيء طيب وهام الى كل هذا الحد؟ والذي كان يرى أن الممارسات الفنية هي أفعال بالضرورة أن تبنى على الأخلاق والمبادئ الإنسانية، وهذا ما يتناقض مع التسويات التي يعرضها عالم الفن والمؤسسات و بينالي فينيسيا، جميعها غارقة في "العنف الرمزي" الذي لا يستقيم مع شكل المفاهيم الأخلاقية من منظور تولستوي والذي قد يبالغ في القيمة الأخلاقية للفن، إلا أنه من وجهة نظري مدرك تماماً أن منظوره للفن هش حيث يرد في ذات الكتاب ويقول إن الجزء الأكبر من الفن الحديث يجب أن يدان.