من المحتمل أن تكون الحرب الأخيرة مجرد صدمة سوف تزول آثارها بسرعة، لا يمكننا الحكم على اثارها حاليا كوننا مازلنا في خضمها، فنحن لا ندري هل سوف تتسبب في تغيير مستمر أم أن المشهد سوف يعود الى طبيعته بعد فترة قصيرة من وقف إطلاق النار.
خليل ناصيف، صوتٌ أدبيّ فلسطينيّ قادم من رام الله، يسجّل حضوره في السنوات الأخيرة في مجال الرواية، وكان قبلها قد طرق باب القصّة والشّعر. أصدر حتى الآن أربع أعمال أدبيّة: وليمة للنصل البارد (مجموعة قصصية، الغابة التي قفزت من الصورة (نصوص شعرية)، دومينو (رواية)، نانا (رواية). بينَ محاولاتٍ فرديّة خالصة لقنص التجريبيّ في الكتابة، ورؤية نقديّة للمكان الفلسطينيّ، يرى ناصيف أنّه كاتب يكتب عن الإنسان أولا، وأنّ الرواية الفلسطينية لن تتغير إلا بتغيّر الكاتب الفلسطيني نفسه، وأنّ التغيير الجمعي لن يكون بدون ثورة شاملة سياسيا واجتماعيا، وأنّ ثمّة علاقة فاضحة للكاتب بالسّلطة في المشهد الفلسطينيّ ممّا يجعل حصر الأدب في سردية الأرض والاحتلال. عن المشهد الأدبي الفلسطينيّ، والكتابة والقارئ، وما يجري في غزّة، كان هذا الحوار.
أنت دائم البحث عن صياغات جديدة في الكتابة السرديّة. فضاءاتك الروائيّة مزيج من فضاءات. تختار المكان الفلسطينيّ معجونًا بأماكن أخرى وجغرافيّات تلتصق، تغازل، تحاور، تتضادّ مع المكان الفلسطينيّ وشخوصه، رأينا ذلك في نانا وفي دومينو وفي روايتك القادمة. أهو وسواس الوقوع في مصيدة المكان الواحد-المتوحّد، أم سعيٌ إلى تغريب المكان وفتحه على جغرافيات أخرى، بوصفه مكانًا تجريبيًا؟
مزج المكان الفلسطيني مع أمكنة خارج البلاد كان لأسباب تتعلق بالحبكة والبنية السردية لرواياتي أكثر من مسألة السّعي للتغريب، الداخل الفلسطيني وحده برأيي سوف يقيّد الحبكة السردية بشكل كبير، فكان لابد من إضافة أماكن خارجية لإغناء العمل وتعزيز التشويق وجاذبية الرواية هذا أحد الأسباب. أما السبب الآخر فجاء من تجربتي كقارئ يرى أنه تم استهلاك المكان الفلسطيني وتصوير فلسطين في معظم الأعمال المحلية وكأنها مكان معزول عن العالم تدور فيه حكايات من ذلك النوع الذي يحدث في جزر ضائعة فجاء مزج الأمكنة من باب التمرد وكسر العزلة إضافة للضرورات المتعلقة بالتشويق والحبكة كما ذكرت سابقا. هل سوف يستمر الحال في روايات قادمة هكذا؟ ليس بالضرورة، فلكل رواية عالمها الخاص ولكنني سوف اتعامل دوما مع الإنسان الفلسطيني والجغرافيا الفلسطينية كبقعة لا يمكن فصلها عن العالم.
بدأت مسيرتك مع الكتابة بمجموعة قصصية هي وليمة للنصل البارد، مجموعة فيها العاب سرديّة واقتناص خاطف للحكايات في ثياب التجريب الذي يتناسب فيه طول النصوص مع افكارها وتنوعها. ثمّ قفزت في خطوة جريئة الى نصوص شعرية غرائبية مع الغابة التي قفزت من الصّورة. عادةً ما تكون مسيرة القاص عكسيّة، انّه ينتقل من الشعر باتجاه السّرد. أما أنت فلا.
أرجو أن لا تكون إجابتي غريبة نوعا ما ولكن الأمر يتعلق بهمسات الكائنات المختبئة تحت جلد الواقع السميك، فأنا مجرد وسيط بين تلك الكائنات وبين القارئ وأحاول إيصال همساتها. أحيانا يكون الشعر هو الوسيلة الأفضل لإيصال تلك الأفكار وكأنها تركب قطار (الشينكانسن ) الياباني السريع أو كأنها جرعة من القهوة الثقيلة (الاسبريسو ) يكون الهدف منها التسبب بصدمة للقارئ، وفي حالات معينة وقصص معينة لا بدّ من رحلة طويلة مليئة بالتفاصيل وهنا يكون القالب الروائي هو الأفضل مثل رحلة في السفينة. انتقالي كان في نفس العالم السردي ولكن بسرعات مختلفة، فالتجربة الشعرية (الغابة التي قفزت من الصورة) كانت نوعا من السرد السريع فكل نصوص الغابة مثلا كانت تحمل روحا سردية خفيفة.
تجربتك مع الرواية ضمن المشهد الفلسطينيّ، لا يُمكن إخراجها من سياق المشهد الأدبيّ العربيّ الراهن. تمكّنت في السنوات القليلة الأخيرة من إصدار ثلاث روايات واحدة تلو الأخرى وقد صعدت دومينو للقائمة القصيرة لجائزة كتارا. أنت أمام الرواية، وأنت أمام الرواية الفلسطينيّة، وأنت أمام الرواية العربيّة، وأنت أمام الرواية العالميّة. أربع مستويات فيها مطبات وعراقيل وأسئلة وحيرة وتحديات. كيف ترى إلى نفسك روائيًا في كلّ منها؟
أرى نفسي كاتبًا يكتب عن الإنسان ويتوجه إلى القارئ الإنسان بشكل عام بغض النظر عن هويته أكثر من توجهي للقارئ العربي أو الفلسطيني بشكل خاص، فالموت والحب والكراهية والدهشة ومفارقات الأقدار هي أمور يتشاركها الناس ككل بغض النظر عن الجغرافيا والثقافة. عندما أكتب أحاول تقديم نتاج أدبي يلمس قلب أي قارئ بغض النظر عن مكانه في هذا الكوكب، ولكن بالطبع لا يمكن إرضاء كل القراء، فهناك دائما من سوف يعترض على فكرة ما لأسباب دينية أو سياسية أو اجتماعية. هذا النوع من الكتابة فيه أيضا الكثير من السباحة عكس التيار الأدبي السائد وهذه السباحة فيها الكثير من التمرد والتجديد والمغامرة الأمر الذي يجذبني كثيرا كقارئ أولا وككاتب ثانيا وكإنسان بالتأكيد.
للنّساء حضورٌ طاغٍ في أعمالك. المرأة بوصفها عاملا ديناميكيًا متحركًا، قلقًا حفريًا ولا يستكين. إنّه كائن دائم التنقّل والأسئلة، ويخرج أو يحاول الخروج من بطش الجمعيّ دون وجهة محدّدة. بين مغتربات، ومتنقلات بين منفى ووطن، ما الذي تحاول تسجيله عبر مركزة الإناث بين المنفى والأماكن المتعددة في فلسطيني وخارجها؟
في الروايات الثلاث الأولى التي كتبتها حتى الآن، حاولت التركيز على نماذج نسائية متطرفة ومرفوضة اجتماعيا إلى حد كبير. رأيت أن قصصهن مثيرة ومشوقة أكثر من قصص النساء العاديات السابحات مع تيار المجتمع، فالسبب الأول أن تلك القصص جذابة أكثر للقارئ، أما السبب الثاني فلأنها نماذج تستحق ان يتم تسليط الضوء عليها فهي موجودة بيننا ولكن يتم تجاهلها وكأنها أشباح وهنا أردت أن أجعل الاشباح تتكلم وأن أقول للنساء أن المغامرة ممكنة ولكنها تتطلب دفع أثمان باهظة: فهل انتن مستعدات لدفع الثمن والمضي قدما أم تفضلن تخبئة أشباحكن الداخلية والعيش على الهامش راضيات بأدوار وقوالب صنعها المجتمع ورجال الدين سواء في واقع الحياة أو الروايات التقليدية؟
كيف يمكن للرواية الفلسطينيّة الجديدة أن تتخلّص من ذاكرة دمويّة منمّطة وتخرج من صورة الجريح إلى صورة متشافية من جرحها قادرة على النهوض- سرديًا- بفلسطيني نحو مشهد حداثيّ مستقبليّ واعٍ، وكيف يمكن للفلسطينيّ "الجديد" أن يحاور المشهد الأدبيّ العربيّ والعالميّ بأفق جديد؟
الرواية الفلسطينية لن تتغير إلا بتغيّر الكاتب الفلسطيني نفسه، وهذا التغيير ممكن في الظروف الحالية على المستوى الفردي فقط أي أننا سوف نلمس من وقت لآخر حضورا مختلفا للكاتب الفلسطيني من خلال نصوص مختلفة، أما التغيير الجمعي أو تغيير أدباء الواجهة في فلسطين فلن يكون بدون ثورة شاملة سياسيا واجتماعيا. معظم الكتاب الذين يتواجدون في الواجهة الأدبية حاليا هم كتاب سلطة يحصرون أنفسهم في سردية الأرض والاحتلال ويتكئون على المشهد الدموي وطاقة الموت من أجل تبرير نصوص ضعيفة فنيا. تغيير الكاتب ومن ثم تغيير الرواية يأتي من خلال سعة الاطلاع والانفتاح الفكري على العالم وهذا يحدث ولكن ببطء لأن الكاتب المختلف ينحت في الصخر يوميا من أجل إثبات نفسه ومشروعه السردي. السباحة ضد التيار السائد تتطلب الكثير من الشجاعة التي لا يملكها الجميع. إن أردنا الحديث عن خطوات عملية في هذا المجال فالخطوة الأولى هي المثابرة وعدم الاستسلام للواقع والسعي وراء الجودة في النص وترجمة أكبر قدر من النصوص الجيدة إلى اللغات العالمية، مع الوقت سوف يتعرف العالم على نوع جديد وفتي من الأدب الفلسطيني وكل ذلك يحتاج إلى وقت، أما التغيير الجذري والسريع فيحتاج إلى ثورة ضد الواقع السياسي والاجتماعي الحالي وهي مهمة لا يمكن للكاتب أن يقوم بها وحده لبالغ الأسف، ولكن المثابرة هي كلمة السر.
أنت من مواليد رام الله، المدينة المختلف عليها فلسطينيًا بين كونه مركزًا مستقطبًا للناس لحكايات الهامشية وغير الهامشيّة، وكونه بؤرة “بلاستيكية” لحياة تترنّح بين الواقع الفلسطينيّ اليوميّ والواقع السياحيّ. كيف خدم وجودك في هذا المكان المختلف عليه، انتماؤك الى الكتابة السردية وإلى أيّ حدّ رسم المكان معالم هذه الكتابة التجريبيّة؟
رام الله في سنوات ما بعد أوسلو تحولت الى سيرك كبير والسيرك مكان غني بالقصص المثيرة، ومكان صالح لإمساك الخيوط المناسبة لنسج القصص. في رام الله عشت طفولة غنية بالمغامرات وتعرفت الى أشخاص يحملون من التعقيدات النفسية ما يكفي لملء عدة روايات. كل ذلك أثر في عوالمي السردية ولكنني أحلم دائما بكتابة رواية تتحدث عن روح مدينة رام الله الحقيقية والتي ضاعت تحت أساسات البنايات الحديثة والمؤسسات الثقافية الرسمية التي تخفي الكثير من غبارها تحت السجاجيد ووراء الستائر. مجتمع رام الله الحالي مجتمع منفتح ظاهريا ولكن تحت جلد هذا المجتمع المنفتح يختبئ الكثير من الزيف والتناقضات وهذا كله يمنح الكاتب مساحات سردية واسعة مقارنة بالتواجد في مدن منغلقة ظاهرها مثل باطنها ووحوشها لا تخفي فرائها الخشن. منذ كتاب وليمة للنصل البارد وأنا مشغول دائما ومنبهر بالوحوش الناعمة التي تتجول في شوارع المدينة توزع الابتسامات الصفراء ولكن أرغب دائما بالكتابة عن القطط اللطيفة التي تختبئ في منازل رام الله العتيقة المهجورة.
هناك جيل لا تستطيع الكتابة الفلسطينيّة عموما، في الرواية والشعر والقصة، تجاوزه: محمود درويش، اميل حبيبي، غسان كنفاني (وغيرهم بالتأكيد). كيف ترى إلى ضرورة كسر هيمنة هذه الأصوات على مستقبل الكتابة في فلسطين الراهنة؟
هذ الجيل يفترض به أن يكون أساسًا نبني عليه الكتابات الجديدة وننطلق نحو التجديد والإبداع ولكن ما حدث أنه تحول إلى جدار ممنوع على الكاتب تجاوزه أو بعبارة أدق تضع المؤسسة الرسمية دائما بما في ذلك لجان التحكيم في المسابقات العراقيل أمام من يرغب بتجاوزه، وإذا أردنا الانطلاق نحو العالم علينا كسر ذلك الجدار. الكتابات الجديدة لا يجب أن تظل نسخًا عن كتابات الآباء لأنها في أفضل الأحوال ستظل مجرد نسخ وسوف يفضل القارئ قراءة الأصل على النسخة. يجب كسر صنم الآباء من ناحية اللغة والأفكار إن أردنا المضي قدما ، مجددا لا يمكن عزل الكاتب الفلسطيني عن الإنسانية بشكل عام وفلسطين هي جزء من العالم وليست كل العالم. ثم الأدهى من ذلك أن بعض الإباء أخذوا صيتا مبالغا فيه ليس بسبب إبداعهم بل بسبب قربهم من السلطة أو بسبب كونهم مسؤولين في أحزاب أو بسبب اللعب على مشاعر القارئ العربي المتعاطف مع القضية الفلسطينية، ولكنني دائما أستثني غسان كنفاني الذي شكل مشروعا أدبيا تجديديا رائدا في وقته. ما أطالب به هو السماح للكتابة الجديدة بالتواجد الى جانب كتب الكبار ومنحها فرصة للتنفس، أنا مزارع وأعلم جيدا أن الأشجار الجديدة قد لا تجد في حالات كثيرة فرصة للنمو إلا إذا أحرقنا الغابات العتيقة.
إذا كانت القراءة شكل من أشكال استخلاص المعاني المحتملة، فأين تقع تجربتك في التأليف الروائيّ في عمليّة التفاعل مع القراء، ومن هم القراء المثاليّون للنص الروائيّ في عصر انفجار المعلومات وشبكات التواصل وابتكار العالم الرقمي الموازي؟ كيف، وأنت الحاضر في المشهد الراهن، يمكن تحاشي مصيدة "القارىء" واستخلاصه للمعاني المحتملة، أم هو فعلا شريكُ في بناء المعنى؟
أحاول دائما أن أقدم للقارئ المشاهد والصور والمشاعر التي لن يراها على شبكات التواصل، أي أحاول دفعه للبحث عما يدور تحت جلده ومواجهته. الرواية التي تقدم للقارئ ما لن يراه في مكان آخر هي الرواية الناجحة في نظري، بالطبع لا يمكن لكاتب إرضاء جميع أنواع القراء ومشروعي الكتابي يستهدف القراء الذين يعانون الاغتراب في هذا العالم وذلك من خلال تقديم قصص وحكايات وأفكار تقول لهم: انظروا الى العالم الغريب تحت قماشة الواقع المزيفة إنه يشبهكم أنتم لستم وحدكم. يوجد بالطبع قرّاء يحبون قصص السطح أو التاريخ أو تعذيب الذات بقراءة قصص واقعية مباشرة وجميعهم سوف يجدون كاتبهم المفضل. القارئ أحد العوامل التي يجب أن يأخذها الكاتب بعين الاعتبار، فالقارئ شريك في صياغة المعنى لا في بناء المعنى، هو عامل آخذه بالاعتبار خلال الكتابة ولكن القصة هي من تحدد مسارها وأحاول إخراجها دائما بأفضل صورة دون الاهتمام للحكم عليها من قبل القارئ. وظيفتي ككاتب هي إيصال الصورة بأدق ما يمكن وبأكثر قدر من التشويق والاثارة وبعدها للقارئ مطلق الحرية بأن يفسرها كما يشاء. بالطبع أتمنى أن انال رضى كل القراء وأن تصل افكاري اليهم جميعا ولكن هذا غير ممكن، يكفيني أن أوصل الحصان للنهر وبعد ذلك له أن يقفز او يشرب أو حتى أن يقتلني.
تبرز في السنوات الأخيرة ككاتب مستقلّ عن المشهد الفلسطينيّ عمومًا. عملك في الكتابة السرديّة لا يأتي في نطاق جماعيّ، ولا يسعى باتّجاه أن يكون جزءًا من تجربة جمعيّة. بين كتابة فرديانية مستقلة، وكتابة تقول مقولة جمعيّة، ما هي في رأيك المقوّمات التي تحتاجها الكتابة الفلسطينيّة لتصوغ مقولاة-مقولات جديدة تصوغ وتتعامل وتلبّي وتعكس الواقع الجديد المتشكّل حاليًا في فلسطيني، في مستوى الهوية والكتابة؟
تحتاج الكتابة الفلسطينية للتحرر في المقام الأول، التحرر من فكرة أننا قضية يدور حولها وحدها اهتمام العالم، معظم الكتابات الفلسطينية (للكتاب المكرسين) تفترض ان القضية الفلسطينية مهمة لجميع القراء ومن هذا الافتراض تظل كتاباتهم حبيسة قصص المعاناة تحت الاحتلال. ومع استثناءات قليلة يتم التعبير عن المعاناة بأسلوب أدبي ركيك وتقليدي ، وبمناسبة الحديث عن التحرر من الضروري أيضا أن يتحرر الكاتب من سجن الخوف من السباحة ضد التيار الاجتماعي السياسي السائد أو كتابة نصوص تهدف إلى ابتزاز لجان التحكيم عاطفيا من خلال الاعتماد على كونها كتابات تتحدث عن القضية المقدسة. يجب على الكاتب أن يتغير ويقرأ ويتصرف على أساس أنه جزء من هذا العالم الواسع وليس حجرا يدور العالم حوله.
غيّرت الحرب على غزّة الكثير في وعي الفلسطيني تحديدًا، وربّما أسكتته برَميه في صحراء فارغة عليه أن يواجه مصيره وحده فيها. غزّة تحضر بكتّابها وكاتباتها بإعلانهم مواقف ومقولات سياسية ونقديّة وأدبيّة وهويّاتيّة لم نشهد لها مثيل من قبل. ما هو الرهان الذي تضعه هذه الحرب أمامك وأنت تشارك في بناء المشهد الأدبي الفلسطينيّ؟
من المحتمل أن تكون الحرب الأخيرة مجرد صدمة سوف تزول آثارها بسرعة، لا يمكننا الحكم على اثارها حاليا كوننا مازلنا في خضمها، فنحن لا ندري هل سوف تتسبب في تغيير مستمر أم أن المشهد سوف يعود الى طبيعته بعد فترة قصيرة من وقف إطلاق النار. على الصعيد الشخصي، تألمت لمأساة غزة بصفتي إنسانًا أولا وفلسطينيًا ثانيا، ولكن هذا الألم أصبح ممزوجا بالغضب بسبب المواقف السياسية المخزية للنخب العربية ولناس دائما ما اثقلونا بالشعارات. لكن مأساة غزة بنظري هي مأساة لا يمكن فصلها عن مآسي البشرية في كل مكان فالموت واحد وآلمني موت أبناء سوريا واليمن بطريقة لا تقل عن ألمي لما يحدث في غزة. بالنسبة لما اخطط له وموضوع الرهان فما زال الوقت مبكرا لأن الحدث لم ينته. ربما كان أفضل من يكتب عن غزة هم الناس الذين تأكلهم الحرب الان أما بالنسبة لشخص بعيد نسبيا عن القصف فيمكنه كتابة قصص الناس الذين وقفوا يشاهدون ما يحدث في غزة وهم متألمون أو شامتون او خائفون أو حتى ينتظرون بفارغ صبر أن يقبضوا ثمن الدم المسفوك هناك. علينا الانتظار قليلا فالحرب تخفي تحتها ملايين القصص.