رسائل كان السينمائي: «شمس المستقبل»

2023-05-25 13:00:00

رسائل كان السينمائي: «شمس المستقبل»

عبر مسيرته الطويلة،  أوجد الإيطالي ناني موريتي أسلوباً خاصاً به، شيء من الكوميديا الإيطالية بأسلوب الفيلم الفني الأوروبي، مستمداً من تراث السينما الإيطالية ما بعد "الواقعية الجديدة"، فلّيني تحديداً، أساساً لما سيصير لاحقاً سينما ناني موريتي، وبـ "وودي ألِن" ـيّة ألصقت الأسلوب بصانعه، فحضور موريتي ممثلاً رئيسياً في أفلامه جعله، بملامح وجهه وطريقة كلامه، عنصراً مكوناً لهذا الأسلوب، كما هو الحال مع ألِن الذي فقدت أفلامه خلال العقدين الأخيرين سمة أساسية من أسلوبها حين توقف عن التمثيل فيها. والاثنان يشتركان في النّق الساخر في أفلامهما.

قد يكون أهم أفلامه المكونة للأسلوب الذي نراه في فيلمه الأخير، «شمس المستقبل»، هما Dear Diary (١٩٩٣) و The Son's Room (٢٠٠١). ففيه ما بدا ارتجالات، للعفوية في الأداء والحوارات، مصوّراً ذاته وهمومه، بصفته مخرجاً سينمائياً، بصفته تحديداً ناني موريتي. مستمداً من إرث طويل في السينما الفنية المتناولة للسينما موضوعاً رئيسياً لها. ولعلّ الإحالات المباشرة إلى أفلام بعينها، وحتى في السخرية منها، أتت ضمن معالجة الفيلم لموضوع السينما الفنية اليوم، بل ومشاهديها، حيث يشاهد شاب مع صبية فيلم "ثمانية ونصف" لفليني في الصالة، ويبدأ بالحديث متفلسفاً ناقداً الفيلم بجرأة الجاهل، فيوقفه موريتي قائلاً إن ليس عليه سوى أن يصمت ويقبّل الفتاة.

يبدأ الفيلم ( Il sol dell'avvenire) كما ينتهي، بإحالة واضحة إلى فدريكو فليني، وتحديداً فيلمه "ثمانية ونصف" وعوالم السيرك فيه، والكرنفالية والرقص الجماعي، ويستمد موريتي من الفيلم ذاته موضوعه، مخرج سينمائي يعاني من صعوبة إتمام تصوير فيلمه، لأسباب تختلف من سياق فيلم لآخر، لكن همّ موريتي هنا هو إتمام صناعة فيلم فيه من التاريخ والفنية والسياسة ما لن نجده في أفلام تجد طريقاً واسعاً للانتشار اليوم، وهذا يمر في مشهدين من الفيلم، الأول حين يوقف موريتي أحد المخرجين الشباب خلال تصوير مشهد عنف، إعدام ميداني بالمسدس، قائلاً إن هذا العنف ترفيه لا أكثر، مقارناً بينه وبين مشهد قتل من فيلم لكريستوف كيشلوفسكي (ديكالوغ)، والثاني حين يضطر لحضور اجتماع مع مكتب "نتفلكس" في روما، بعدما رفضه حازماً ثم خضع بسبب صعوبات في الإنتاج، ليخبروه بين جملة وأخرى بأنهم يصلون إلى ١٩٠ بلداً، وأن فيلمه خالٍ من لحظة باكرة للـ What the Fuck تأسر المشاهد. هذا كله كان خلال تصويره فيلماً داخلياً تمتد مَشاهده على طول «شمس المستقبل».

أما الفيلم الداخلي فيحكي عن موقف الحزب الشيوعي الإيطالي الرافض للاجتياح العسكري السوفييتي للمجر عام ١٩٥٦، وذلك خلال سيرك مجري وصل إيطاليا بدعوة من الحزب. ومن حينها حاد الحزب عن ولائه للاتحاد السوفييتي ليكون مستقلاً، وترتفع صورة تروتسكي في مسيرة واسعة نهاية الفيلم.

الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، من بين الأفضل في المهرجان، ومن الأفلام الممتازة التي تتناول السينما موضوعاً لها، باستعادات سينمائية على طوله، بإشارات مستمرة إلى صعوبة صناعة فيلم مستقل وفني (وسياسي وسيكولوجي) وإن كان من قبل مخرج سينمائي متمرّس، كما هو موريتي في الفيلم، وموريتي خارجه. وهذا كله نجده في عنوان الفيلم الساخر تجاه مستقبل هذه السينما، وتجاه الآمال والأحلام الشيوعية. لكنه، الفيلم، لم يكن يائساً بسخريته، روح موريتي في الفيلم ورفضُه للشروط الجديدة في الصناعة السينمائية، والنهاية التفاؤلية، تشي بذلك.