من بلفاست وإيرلندا إلى فلسطين

رام الله للرقص المعاصر: "ألا ترى أنني محاصر وكل ما يمكنني فعله هو المقاومة؟"

2022-06-12 16:00:00

رام الله للرقص المعاصر:
Image © Fábio Santos

قدم العرض تجربه إنسانيه تنطبق على كل أسرى العالم وهذه المعاناة التي استطاع الراقصون أن ينقلوها لنا بحرفيه عالية في انعكاس واضح لما قالته بينا باوش ليس المهم كيف يتحرك البشر المهم هو ما يحركهم.

رسالة إنسانية قدمتها فرقه كاتلين البريطانية عرض راقص تحت عنوان "رفاق في الظلام" وفي رسالة واضحة سعيا وراء الحرية في مهرجان رام الله للرقص المعاصر. بني العرض الراقص على تجربة الأسير بوبي ساندز، أحد السجناء الايرلنديين، الذي قاد الإضراب عن الطعام في عام 1981 في تحد لجرائم مارجريت تاتشر بحق السجناء الأيرلنديين، والذي توفي فيه بوبي وعدد من الرفاق المضربين عن الطعام.

"ليس المهم كيف يتحرك الناس المهم هو ما يحركهم"، هذا ما قالته الراقصة الألمانية بينا باوش التي أسست لشكل جديد وغيرت وجه المسرح الراقص في أوروبا. تفوقت مصممة ومخرجه العرض كاتلين بارنيت بنقل مشاعر معاناة الأسرى الإيرلنديين بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام، فمن خلال أجساد أربعة من الراقصين  الذين أبدعوا في نحت أجسادهم  تعبيراً عما يعيشه الأسرى في السجون، ومن خلال مساحات أجسادهم أعادوا إنتاج تجربة الأسرى في سجون الظلم والاحتلال، سواء في إيرلندا أو فلسطين أو أي مكان في العالم. 

"إن لم يتمكنوا من تدمير رغبتك بالحصول على الحرية فلن يستطيعوا كسرك

أنا مجنون لكن ألمي وحزني حقيقيان. يجب أن يكون كل شيء حقيقياً. أنا على حق، أعرف أنني على حق. ليس لدي أي مكان أركض فيه. جسدي مكسور وبارد. أنا محاط بغابة من الأسلاك الشائكة."

قدم العرض تجربه إنسانيه تنطبق على كل أسرى العالم وهذه المعاناة التي استطاع الراقصون أن ينقلوها لنا بحرفيه عالية في انعكاس واضح لما قالته بينا باوش ليس المهم كيف يتحرك البشر المهم هو ما يحركهم. وفعلا كانت حركة الراقصين ممزوجة بوعي وفهم وإحساس عميق تجربة الأسر في العالم ولم تكن ملامسة سطحية مبتذلة، بل كانت تنبش في أعماق تجربه إنسانية كونية تختزن كثير من مشاعر الألم والفقدان والخسارة والانكسار مثل تجربة   الاسر، وعرضت نموذجا فنيا حقيقيا يعبر بدقة عن ما يمكن للفن أن يقدم لقضية إنسانية كقضية الأسرى.

“لا بد أنني توفيت البارحة لأنني عندما صحيت هذا الصباح وجدت نفسي في جهنم.

نعم يا سيدي.

أعتقد أنني في قبر ما لا أستطيع أن أرى العتمة تسود المكان.  

نعم يا سيدي.

أتذكر أنني كان لي عائلة في يوم من الأيام أين هي الآن؟

هل سأرى او اسمع عنها مرة أخرى؟

لكنني ميت.

لا أستطيع حتى أن أقتل نفسي."

لقد أضاف النص الصوتي بعدا ثالثا للعرض، إذ استطاع الراقصون حمل تجسيد روح اللحظات القاسية من جهة والعنيدة من جهة أخرى. ولأن الأداة المشتركة بين الراقص والسجين هو الجسد، فكان من الضروري عدم الاكتفاء بحركات ذات جماليات والتي لم تخل من العرض، ولكن عمق التعبير الحركي بدا وأنه كتابه أخرى في فضاء أسود. وقد استعملت الإضاءة بشكل متقن لتسلط الضوء على مستويات متعددة من الحالات التي يعيشها الأسرى ما بين الأبيض البارد إلى الأحمر القاني إلى القمري المجترح للهواجس. من جهة ثانية، وجود إيقاع حي على المسرح يعمل كمضخة قلبية تنبض بعذابات الأسرى في زنازينهم.

أما عنا نحن الجمهور الفلسطيني فنحن الأقرب والأكثر حميمية مع هذا العرض، الذي في لحظات ما، تلاحمت أعيننا مع أجساد الراقصين ليكتب كل منا روايته الخاصة عن تجربة الأسر لنختتم سوية العرض باتفاق ضمني على خاتمة فيها من الأمل الكثير، للبقاء على قيد الأمل بالحرية لكل الأسرى. 

"يوجد في كل نور أمل لا يعرف حدودا ولا مساحة 

ارتفع باللونين الأحمر والأسود والأبيض 

إنه موجود في كل عرق 

إنه يقطن قلوب الأبطال والأموات 

يصرخ في عيون الطغاة 

يصل إلى قمة الجبال الشاهقة 

يومض عبر السماء

ينير الظلام في زنزانة السجن هذه، ترن قوته 

إنه الفكرة الحتمية يا صديقي 

إنه الفكرة التي تصيح: 

أنا على حق"