وعلى الرغم من إمكانية مناقشة جميع القضايا التي طرحت في الرواية، فالرغبة تقول أن نترك الأحداث للقارئ الذي لا شك سيقف عندها محاورًا بتأييد أو بعدمه، غير أنني أشيد هنا ليس بقدرة الكاتبة في بناء نصها لغة وأحداثًا، وإنما عندها إمكانات في تحويل الوصف من مكون سردي عادي يوظفه كل الكتاب في الأعمال السردية،
فهد حسين، كاتب وأكاديمي بحريني
حينما يخوض المثقف تجربة الكتابة وهو متسلح بموهبة تسنده، فسيدخل عالم الكتابة بثقة واقتدار، فكيف إذا كان هذا المثقف صاحب خبرة ودربة ومران في مجالات ثقافية وفنية عدة؟ لا شك أنه سيكون علمًا فيرأسه نار، هكذا هي فنانة الدراما والسينما السورية الفنانة واحة الراهب، التي عرفتها من خلال بعض مسلسلات تليفزيونية، ولكن عرفت بعد ذلك إن لها اشتغالات ذات صلة وثيقة بالثقافة والفن، فهي متعددة المواهب والحقول، وبعد قراءة روايتها التي تحصلت عليها من قبل دار نوفل مشكورة، تبين أن لها روايتين قبل روايتها الثالثة "حاجز لكفن" الصادرة عن دار هاشيت أنطوان في بيروت، ٢٠٢٠، وما أدهشني في هذه الرواية ما تملكه الكاتبة من وعي وثقافة وإطلاع متشعب ومتنوع وفي عدة حقول معرفية، هكذا وجدت الفنانة القديرة والكاتبة المبدعة صاحبة الابتسامة العفوية في أدوارها الدرامية، إذ تتكشف لك عبر أحداث الرواية التي تعنى بالمرأة وحقوقها الاجتماعية والسياسية المؤكدة على الحرية الشخصية المسئولة، أنك بين أحداث رواية كتبت بقلم امرأة واعية فيما تقول، وتملك ناصية البناء السردي فنيًا، ولها قدرة في سبك المفردات التي لا تعكر صفو القارئ وهو يتابع أحداث الرواية، فضلاً عما تملكه من قدرة في المزج بين واقع الإنسان المعيش اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا، وبين المتخيل الذي بسطته على نسيج هذا البناء الروائي.
وقد بنت عالم الرواية من خلال حياة امرأة سورية وقعت ضحية سوء تقدير وفهم، حيث يرميها القدر وتحتضنها الصدفة المشبعة بالآلام الجسدية والنفسية، وتحتويها الأحلام البائسة، هكذا عاشت صبا حياتها منذ طفولتها وإن كانت قريبة من الأب، فإن الذكورية التي رسمتها الكاتبة في كل أحداث الرواية هي ذكورية السيطرة والعنف والقسوة ضد المرأة، إذ تناولت عبر 127 صفحة معاناة النساء ليس في قطر عربي واحد، وإنما في كل الأقطار العربية هناك معاناة للمرأة، وإن كانت بدرجات وبحسب منطق التعامل مع المرأة، ومدى نيلها لحقوقها، وموقعها الاجتماعي أو السياسي أو الأكاديمي، أو طبيعة حياتها المهنية إن كانت من التكنوقراط أم منتمية إلى مهن بسيطة.
استطاعت الروائية في هذه الرواية، وأعتقد في أوّل الروايتين من خلال تعليقات بعض الكتاب، استطاعت أن تبني جسرًا من اللغة والفهم والوعي والفكر بين النص والمتلقي، وأن تعلن صراحة موقفها في الدفاع عن بني جنسها المستلب من ذكورية الرجل، وسلطة المجتمع، وقيد الأعراف الاجتماعية، هذه السلطات المكونة من الرجل والمجتمع والأعراف، التي كانت ولاتزال تؤكد في بعض دولنا العربية والإسلامية على وضع المرأة في زاوية بعيدة عن أنظار المجتمع، والتحولات والتغييرات والتحديث الذي لن نستطيع الوقوف في وجه، وبخاصة في ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والميديا، حيث أسهمت ضمن أخواتها الكاتبات في العالم العربي اللائي يتصدين لك اعتداء على المرأة، أو التقليل من شأنها أو دورها في المجتمع، وكأنها ليس عنصرًا فعالاً كما الرجل.
لهذا أجزم أن الرواية هي رواية نسوية بامتياز، استطاعت أن تقف على معاناة المرأة، وبعض مشكلاتها التي حاولت مناقشتها وطرح مفاصل التفكير في كيفية الاهتمام بها، كما حللت بعض الفروقات التي وضعها المجتمع بين الاثنين، كاشفة زيف هذه الفروقات، ومحاربتها بالطرق المثلى، البعيدة كل البعد عن سطوة نسوية ضد الرجال، لأن أحداث الرواية تشير بشكل غير مباشر إلى أهمية التعايش بين الجنسين، والعمل المشترك بينهما من أجل بناء المجتمعات والدول، وليس الدفاع عن حقوق المرأة من أجل محاربة الرجل والنيل منه.
وعلى الرغم من إمكانية مناقشة جميع القضايا التي طرحت في الرواية، فالرغبة تقول أن نترك الأحداث للقارئ الذي لا شك سيقف عندها محاورًا بتأييد أو بعدمه، غير أنني أشيد هنا ليس بقدرة الكاتبة في بناء نصها لغة وأحداثًا، وإنما عندها إمكانات في تحويل الوصف من مكون سردي عادي يوظفه كل الكتاب في الأعمال السردية، إلى تقنية سردية، إذ لم تتعامل مع الوصف لزيادة أوراق الرواية وعددها، وإنما لتعطي المكان أو الحالة أو الزمن أو الشخصية بعدًا وهي تصف أدق الأمور، ومن جانب آخر تحاول عبر تقنية الوصف إعطاء فسحة للقارئ من تعب الأحداث وتراكمها وآلامها.