"مهرجاز"... أبعاد جديدة لموسيقى الجاز في فلسطين

2019-10-18 16:00:00

الافتتاح في حيفا. من صفحة مهرجاز علي فيسبوك

ورأى الفنان الفلسطيني سعيد مراد أن موسيقى الجاز هي أقرب إلى الموسيقى الشرقية، على العكس من الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا ذات الصبغة البرجوازية، فهي موسيقى الارتجال وكذلك فإن من أهم عناصر ومصادر القوة في الموسيقى العربية الارتجال، والذي يحدث في أكثر من شكل ونمط، فموسيقى الجاز الغربية جاءت من إفريقيا وكانت جزءاً من حركة مقاومة العنصرية، وبالتالي فهي نمط موسيقى ثوري، ومع الوقت باتت "موضة" وبرع فيها عديد الفنانين من ذوي البشرة البيضاء.

من قاعة مبنى مؤسسة عبد المحسن القطان في حي الطيرة بمدينة رام الله، انطلقت مساء أمس الخميس، فعاليات الدورة الثالثة لـ "مهرجان فلسطين المستقبل للجاز" (مهرجاز)، بعد يوم من انطلاقها المعتاد كما في الدورتين السابقتين، من حيفا، وتحديداً هذه المرة من جاليري وبار فتوش، وفي حفل لذات الفنان وفرقته، بحيث تمزج الفعاليات التي تمتد حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري، ما بين عروض موسيقية وعروض أفلام حول الموسيقى وندوات وورش عمل.

وانطلقت وتنطلق العروض الموسيقية التي تمثل عدة دول ما بين عربية وأجنبية، بعرض للفنان أمير الصفار وفرقته، وهو فنان عراقي أميركي يتميز بالدمج ما بين الجاز والموسيقى الشرقية، وتحديداً المقامات العراقية. وتشارك في المهرجان الفنانة أكوا نارو، والشهيرة باسم "أكوا أولاتونجي"، وهي من مغنيات الهيب هوب والراب الذين يحققون حضوراً لافتاً في الولايات المتحدة الأميركية. وتعرض في المهرجان عديد الأفلام ذات العلاقة بالموسيقى و"المقاومة المجتمعية" كفيلم "ماتانغي مايا" من سيريلانكا، وفيلم "على حلة عيني" من تونس، وفيلم "اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق" في الفترة ما بين 17 إلى 26 من الشهر الجاري في رام الله، وقبلها بيوم في حيفا.

الافتتاح في حيفا. من صفحة مهرجاز علي فيسبوك


تغيير الصورة النمطية

أشار جميل مطر، مدير المهرجان، في حديثه مع "رمان" إلى أن فكرة المهرجان قامت بناء على رغبة ستة من الشباب بنقل تجارب عالمية في موسيقى الجاز إلى فلسطين، والتعريف بهذا النمط الموسيقي ونشره لدى الجمهور الفلسطيني، وهو كان بفكرة مني، وبدعم من أصدقاء لي، فخرج "مهرجاز"، وهو مهرجان مستقل مبني على فكرة العمل التطوعي، وهو أيضاً مهرجان غير ربحي... نحن الآن أربعة من يقومون على المهرجان، فبالإضافة لي هناك آدم حاج يحيى، وسوزان مطر، ونزار مطر.

ولفت إلى أن موسيقى الجاز لا تحظى بما تستحق في فلسطين، وهناك من يعتقد خطأ أنها موسيقى مملة ومعقدة ولفئة بعينها من الناس، لكننا نرى أن الجاز ليس مجرد نمط موسيقي، بل أسلوب وطريقة لمواجهة صعوبات الحياة وكافة أشكال الاضطهاد، خاصة أن ثمة تشابهاً بين ظروف نشوء هذه الموسيقى من رحم معاناة الأميركيين الأفارقة وما عاشوه من اضطهاد وما يعايشه الفلسطينيون من اضطهاد أيضاً.

وأكد مطر أن هدف المهرجان ليس ترفيهياً فحسب، بحيث يشتمل على ورشات عمل مجانية لتعريف المهتمين بهذا النمط الموسيقي، عبر الفنانين المشاركين في دورات المهرجان الثلاث، بحيث يقدم هؤلاء ما يعنيه لهم الجاز، بل ويقدمون شيئاً عن تجربتهم الموسيقية، ورؤاهم وفلسفتهم في الموسيقى والحياة، معرباً عن أمله بأن يتحول المهرجان مع الوقت إلى أداة تثقيفية في هذا المجال، وليس مجرد فعالية ترفيهية.
 

الافتتاح في حيفا. من صفحة مهرجاز علي فيسبوك


بديل موسيقي

وأكد مطر أن المختلف في هذه الدورة هو امتداد العروض من حيفا -التي اقتصر المهرجان عليها في العامين الماضيين- إلى رام الله بالشراكة مع مؤسسة عبد المحسن القطان، علاوة على تنظيم عرض في قرية بعلّين بالجليل في خطوة نحو الوصول إلى قرى ومناطق فلسطينية مهمّشة، وأضاف: تنظيم هكذا مهرجان في رام الله أمر في غاية الأهمية، فهكذا مشاريع من شأنها أن تمد جسور التواصل ما بين جمهور رام الله التي تحتضن أكبر عدد من المؤسسات الثقافية والفنية وبين فنانين قادمين من أقطار عدة ويمثلون حضارات وثقافات متعددة، فيشاركنا في عروض المهرجان هذه السنة فنانون من الولايات  المتحدة والعراق وموسيقيون من النرويج وآيسلندا، ما من شأنه تكوين لغة جديدة، وقد يكون الأمر ملهماً لموهوبين فلسطينيين كثر في تقديم أنماطهم الخاصة داخل إطار موسيقى الجاز، لافتاً إلى أن عرض أفلام عربية وأجنبية، بالشراكة مع "مهرجان حيفا المستقل للأفلام"، حول الموسيقى و"النهضة الاجتماعية"، يشكل نقلة نوعية بالنسبة للمهرجان.

بدوره أكد نادر داغر مدير الاتصال والعلاقات العامة بمؤسسة عبد المحسن القطان، وفي حديث لـ"رمان"، على أن المهرجان هذا العام امتد إلى رام الله، بحيث تستضيف المؤسسة كامل العروض في المدينة. وقال: لأول مرة، سيكون للجمهور هذه التجربة مع موسيقى الجاز في مهرجان متكامل مخصص لها، ويشتمل على عروض وورشات عمل وأفلام، ونحن سعداء بتقديم هذه الفرصة، للتعرف أكثر على هذا النوع من الموسيقى الذي خرج من رحم موسيقى البلوز، وتطوّر في كنف الأقلية الأفروأميركية أواخر القرن التاسع عشر، والذي يعيده البعض إلى أصول غرب إفريقيا جلبها "السود" معهم إلى أميركا.

وأضاف داغر: يهدف المهرجان من بين  ما يهدف إليه إلى تعريف الجمهور الفلسطيني بموسيقى الجاز وعدد من روادها ومطوّريها، عبر مشاركة الفنان الأميركي العراقي الصفار، والفنانة الإفريقية أكوا نارو، وكلاهما يشكل حالة مغايرة ومميزة وذات طابع خاص، ولكن في سياق فني لا يغادر حقل موسيقى الجاز.. الأفلام والتي تتناول مواضيع موسيقية مختلفة ومتعددة الثقافات هي أيضاً متنفس مهم، وفي أحيان تبدو كموسيقى بديلة في وقت البحث عن البديل السياسي أيضاً.
 

الافتتاح في حيفا. من صفحة مهرجاز علي فيسبوك


تنمية موسيقية متكاملة

ورأى الفنان الفلسطيني سعيد مراد أن موسيقى الجاز هي أقرب إلى الموسيقى الشرقية، على العكس من الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا ذات الصبغة البرجوازية، فهي موسيقى الارتجال وكذلك فإن من أهم عناصر ومصادر القوة في الموسيقى العربية الارتجال، والذي يحدث في أكثر من شكل ونمط، فموسيقى الجاز الغربية جاءت من إفريقيا وكانت جزءاً من حركة مقاومة العنصرية، وبالتالي فهي نمط موسيقى ثوري، ومع الوقت باتت "موضة" وبرع فيها عديد الفنانين من ذوي البشرة البيضاء.

ولفت مراد إلى أن الأهم في أي مهرجان طبيعة الفنانين والفرق المشاركة، وما الذي يمكن أن يضيفوه إلى المشهد الثقافي عامة والموسيقي خاصة، فعبر التجارب المستضافة يمكننا تحديد نوع الجاز في هذا المهرجان، وقال: بشكل عام أي مهرجان ينتظم في فلسطين مهم، ويساهم لا شك في إحياء الحياة الثقافية، ولكني أرى أننا بتنا نبالغ في تحويل هذه المهرجانات إلى مناسبات أكثر من كونها فرصة للتدريب والتطوير والبناء، فمهرجان متخصص في موسيقى الجاز مساحة مهمة في فلسطين، وبرأيي يجب أن يكون عنواناً لتطوير محلي في هذا المجال محدود التواجد في فلسطين، وغير متطور إلى حد إقامة المهرجان، فمن أجل إحداث تنمية متكاملة عليّ تطوير وتدريب فناني جاز محليين، ومن ثم إقامة مهرجان يتيح لهم المجال لتقديم إبداعاتهم وتلاقحها مع تجارب قادمة من الخارج، عبر رؤية طويلة الأمد تبرر حاجة إقامة هذا المهرجان أو ذاك.
 

الافتتاح في حيفا. من صفحة مهرجاز علي فيسبوك


فنانو الجاز الفلسطيني

من جهته أشار المنتج والموسيقي سامر جرادات إلى أن هذا المهرجان لافت على أكثر من صعيد، منها اختصاصه في موسيقى الجاز بحيث يملؤ فراغاً واضحاً، لاسيما أن غالبية المهرجانات الموسيقية في فلسطين تخلو من استضافة فرق متخصصة في الجاز، أو تجارب جديدة ومجددة في هذا النمط الموسيقي المهم، وبالتالي "مهرجاز" يشكل مساحة مهمة لتفاعل الفرق والفنانين الفلسطينيين من ممارسين أو مهتمين بموسيقى الجاز مع تجارب قادمة من دول عدة. مضيفاً أن: الأهم هو تعريض الجمهور لهذا النمط الموسيقي الغائب.

وتابع جرادات: من ناحية فلسفية فإن موسيقى الجاز خُلقت من رحم مقاومة الاضطهاد والعنصرية والتمييز بين الأعراق، وهذا قد يكون ملائماً جداً كنمط موسيقي لتطويره بما يخدم الموضوع الفلسطيني، ولكن برؤية حداثية متطورة، كما كافة الأنماط الموسيقية القابلة للتطوير. المهرجان هذا يشكل حالة متفردة، ويخلق جمهوره الذي هو بالتأكيد جمهور جديد ومغاير.

ولفت جرادات إلى أن ثمة فنانين فلسطينيين على تماس كبير مع موسيقى الجاز، خاصة ممن أنهوا دراستهم في علوم الموسيقى المختلفة خارج فلسطين، فهناك العديد من الفنانين الفلسطينيين ممن درسوا الجاز في الولايات المتحدة الأميركية وفي بريطانيا وغيرهما، ومعظمهم خارج فلسطين، وباعتقادي من المهم على إدارة المهرجان التركيز على استجلاب فناني الجاز الفلسطينيين من كافة أنحاء العالم عبر "مهرجاز" بما يمنحهم مساحة للتواصل مع جمهور بلدهم، وقد يشجعهم على نقل تجاربهم الإبداعية لأجيال أخرى في فلسطين التي تعشق هذا النمط الموسيقي، خاتماً حديثه لـ"رمان" بأنه كمنتج يهجس بإنتاج إسطوانات لفناني جاز فلسطينيين، وبأنه بدأ بالفعل في ذلك عبر إسطوانة "كزدرة" التي من المقرر لها أن تصدر قريباً، وهي عبارة عن مقطوعات من موسيقى الجاز تمزج ما بين الموسيقى الغربية والشرقية لفنانين من فلسطين وأوروبا.