لم يكن التشكيك بإميل حبيبي واتهامه قبل التسعينيات عنيفاً وكبيراً كما غدا بعد انشقاقه عن ”الحزب الشيوعي الإسرائيلي“ وتسلمه جائزة الدولة العبرية. بعد هذين الحدثين اختلفت الأمور كثيراً ولم يعد الحزب وصحافته يدافعان عن إميل، وعلى العكس من ذلك أخذا يهاجمانه هجوماً عنيفاً وتشابه موقفهما مع مواقف من هاجم الرجل من قبل منذ الخمسينيات.
أثارت الحلقة التي بثتها فضائية "الميادين" عن الكاتب الراحل إميل حبيبي تحت عنوان "في الهوامش" جدلاً عنيفاً بين محبي الرجل المتبنين أفكاره ورؤاه وبين الذين يختلفون معه ومع أطروحاته السياسية الأيديولوجية.
كما لو أن إميل حبيبي قال ما قاله المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها / ويسهر القوم جراها ويختصم
ولقد نام في 1996 نومته الأبدية ملء جفونه وترك الآخرين يختصمون ويتجادلون، كما اختصموا وتجادلوا في حياته وكان يومها لا ينام. كان يصحو ويتدخل في الجدال ويشارك فيه ولم يكن يومها ليأخذ ببيت المتنبي ولم يكن أيضاً يأخذ بمقولة نظرية التلقي التي التفتت إلى القارئ ولم تلتفت إلى المؤلف. غدا أصحاب هذه النظرية يرددون "المعنى في بطن القارئ" خلافاً لمن سبقهم ممن كان يرى أن المعنى في بطن المؤلف. كما لو أنهم أخذوا بمقولة رولان بارت "موت المؤلف“.
مرة تدخّل إميل حبيبي في إبداء رأيه في بعض نصوصه. سئل إن كان قصد معنى ما فأجاب: لم يخطر المعنى ببالي ولكن أظن أنه ممكن، وهنا طلب منه بعض قرائه ألا يفسر نصوصه وأن يترك تأويلها للنقاد.
ليس تسلم إميل حبيبي جائزة الدولة العبرية هو العامل الوحيد الذي ألب عليه كثيرين، وليس ميله إلى جناح غورباتشوف أيضاً العامل الوحيد الذي ألب عليه كثيرين مثل رفيقه في الحزب توفيق زياد الذي هاجم إميل بقصيدة عنيفة عنوانها ”المرتد"، نشرها في ديوانه «أنا من هذي المدينة».
بعد تسلمه الجائزة كتب فيصل دراج في كتابه «بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية»، 1996، مقالاً عن حبيبي عنوانه "إميل حبيبي الوجه الضائع بين الأقنعة المتعددة" تساءل فيه عن تقلبات الرجل واختلاف مواقفه.
وقبل دراج وبعد زياد كتب سميح القاسم عن إميل ما لم يخطر ببال أحد.
اختلف رفيقا الأمس لربع قرن تقريباً وتركا الحزب وسار كل في طريق وأشار سميح إلى ما حدّثه عنه إميل عن سفره إلى براغ لتسهيل صفقة سلاح للدولة الإسرائيلية، وحول هذه الصفقة دار جدل كبير لم يقعد ولم ينته ووصلت الأمور إلى حد الاتهام بالعمالة/الخيانة.
قبل سميح القاسم وتوفيق زياد كان الخلاف الكبير بين إميل حبيبي والشاعر راشد حسين، وقد اعتمد د.خضر محجز في رسالة الدكتوراه «إميل حبيبي بين الوهم والواقع» على كتابات خصوم حبيبي وتتبعها بدقة شبه متناهية ولم تكن صورة إميل في الكتاب الذي صدر في العقد الأول من القرن الحالي إيجابية. إنه كتاب أثار أيضاً ضجة كبيرة بين محبي الرجل المتبنين أفكاره ورؤاه وبين الذين يختلفون معه.
لم يكن التشكيك بإميل حبيبي واتهامه قبل التسعينيات عنيفاً وكبيراً كما غدا بعد انشقاقه عن ”الحزب الشيوعي الإسرائيلي“ وتسلمه جائزة الدولة العبرية. بعد هذين الحدثين اختلفت الأمور كثيراً ولم يعد الحزب وصحافته يدافعان عن إميل، وعلى العكس من ذلك أخذا يهاجمانه هجوماً عنيفاً وتشابه موقفهما مع مواقف من هاجم الرجل من قبل منذ الخمسينيات.
لعل ما مد مهاجمي إميل بمسوّغات أخرى إضافية إقراره في آخر لقاء أجري معه ونشر في مجلته «مشارف» أنه حين كتب روايته «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» عام 1974، كان يكتب عن نفسه.
قبل الإقرار أشار في المقدمة التي كتبها لكتاب «الرسائل» بين محمود درويش وسميح القاسم أنه كان يكتب الرسائل إلى نفسه. وقوله هذا لم يلفت نظر النقاد إلى إعادة قراءة المتشائل في ضوء هذه العبارة الدالة.
في بداية التسعينيات نشرتُ دراسة في جريدة «نابلس» وازنت فيها بين إميل وبطله سعيد ورأيت أن سعيداً يشبه إميل. لم يعترض الرجل وبلغت به الجرأة أنه وافق على نشر الدراسة في مجلته. حقاً لقد اندهشت مما فعله، وبعد ثلاثة أشهر من نشر الدراسة نُشرت المقابلة التي أقر فيها بأنه حين كتب روايته كان يكتب عن نفسه "أنا في عمر لا يسمح لي بالكذب، حين كتبت المتشائل كنت أكتب عن نفسي“ (ببعض اختلاف).
بطل رواية إميل بطل متعاون قدم خدمات للدولة الإسرائيلية ثم توقف وقرر أن يبيع البطيخ على التعاون وحين هدده رجل المخابرات بأنه سيكشف أمره أمام أبناء شعبه صاح سعيد وقال لرجل المخابرات: أعطني شهادة بتعاوني معكم وسأعلقها على العريشة“.
إشكالية عودة إميل إلى فلسطين بعد قيام الدولة العبرية كانت أيضاً عاملاً من العوامل التي اعتمد عليها أعداؤه للنيل منه وللتشكيك في وطنيته، عدا اختلاف الرؤى والموقع والموقف.
هل عاد إميل بشروط اسرائيلية؟ وما هي هذه الشروط؟
في هذه الأثناء صدر كتاب هلل كوهين «العرب الصالحون» ويبدو المؤلف شيوعياً يتبنى وجهة نظر الشيوعيين أكثر مما يتبنى وجهة نظر معارضيهم. يدافع كوهين في مواطن عديدة عن ”الحزب الشيوعي الإسرائيلي“ وطروحاته أمام طروحات بعض التيارات القومية والزيارات الموالية للحزب الصهيوني الحاكم ما بين 1948 و1967، ويأتي على عودة ما لا يقل عن 20 ألف فلسطيني تسللاً أو بتصاريح -وقد عاد إميل متسللاً وأتى في «المتشائل» على عودته- ويرى كوهين أن كثيرين من هؤلاء العائدين وافقوا على التعاون مع المخابرات الإسرائيلية مقابل السماح لهم بالبقاء.
سعيد أبو النحس المتشائل يقر في الرواية بتعاونه مقابل البقاء. والسؤال هو: هل كل ما كتبه إميل عن سعيد حدث معه أم أن سعيد كان يجمع بين ما حدث مع إميل وما قام به غيره من العائدين تسللا؟ للدكتور عادل منّاع كتاب صدر من عامين أتى فيه على سيرة إميل حبيبي وما أورده لم يكن لصالح إميل. لعل ما كتبه منّاع يستحق وحده مقالة خاصة.
كما لو أن إميل حبيبي قال ما قاله المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها / ويسهر القوم جراها ويختصم
ولقد نام في 1996 نومته الأبدية ملء جفونه وترك الآخرين يختصمون ويتجادلون، كما اختصموا وتجادلوا في حياته وكان يومها لا ينام. كان يصحو ويتدخل في الجدال ويشارك فيه ولم يكن يومها ليأخذ ببيت المتنبي ولم يكن أيضاً يأخذ بمقولة نظرية التلقي التي التفتت إلى القارئ ولم تلتفت إلى المؤلف. غدا أصحاب هذه النظرية يرددون "المعنى في بطن القارئ" خلافاً لمن سبقهم ممن كان يرى أن المعنى في بطن المؤلف. كما لو أنهم أخذوا بمقولة رولان بارت "موت المؤلف“.
مرة تدخّل إميل حبيبي في إبداء رأيه في بعض نصوصه. سئل إن كان قصد معنى ما فأجاب: لم يخطر المعنى ببالي ولكن أظن أنه ممكن، وهنا طلب منه بعض قرائه ألا يفسر نصوصه وأن يترك تأويلها للنقاد.
ليس تسلم إميل حبيبي جائزة الدولة العبرية هو العامل الوحيد الذي ألب عليه كثيرين، وليس ميله إلى جناح غورباتشوف أيضاً العامل الوحيد الذي ألب عليه كثيرين مثل رفيقه في الحزب توفيق زياد الذي هاجم إميل بقصيدة عنيفة عنوانها ”المرتد"، نشرها في ديوانه «أنا من هذي المدينة».
بعد تسلمه الجائزة كتب فيصل دراج في كتابه «بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية»، 1996، مقالاً عن حبيبي عنوانه "إميل حبيبي الوجه الضائع بين الأقنعة المتعددة" تساءل فيه عن تقلبات الرجل واختلاف مواقفه.
وقبل دراج وبعد زياد كتب سميح القاسم عن إميل ما لم يخطر ببال أحد.
اختلف رفيقا الأمس لربع قرن تقريباً وتركا الحزب وسار كل في طريق وأشار سميح إلى ما حدّثه عنه إميل عن سفره إلى براغ لتسهيل صفقة سلاح للدولة الإسرائيلية، وحول هذه الصفقة دار جدل كبير لم يقعد ولم ينته ووصلت الأمور إلى حد الاتهام بالعمالة/الخيانة.
قبل سميح القاسم وتوفيق زياد كان الخلاف الكبير بين إميل حبيبي والشاعر راشد حسين، وقد اعتمد د.خضر محجز في رسالة الدكتوراه «إميل حبيبي بين الوهم والواقع» على كتابات خصوم حبيبي وتتبعها بدقة شبه متناهية ولم تكن صورة إميل في الكتاب الذي صدر في العقد الأول من القرن الحالي إيجابية. إنه كتاب أثار أيضاً ضجة كبيرة بين محبي الرجل المتبنين أفكاره ورؤاه وبين الذين يختلفون معه.
لم يكن التشكيك بإميل حبيبي واتهامه قبل التسعينيات عنيفاً وكبيراً كما غدا بعد انشقاقه عن ”الحزب الشيوعي الإسرائيلي“ وتسلمه جائزة الدولة العبرية. بعد هذين الحدثين اختلفت الأمور كثيراً ولم يعد الحزب وصحافته يدافعان عن إميل، وعلى العكس من ذلك أخذا يهاجمانه هجوماً عنيفاً وتشابه موقفهما مع مواقف من هاجم الرجل من قبل منذ الخمسينيات.
لعل ما مد مهاجمي إميل بمسوّغات أخرى إضافية إقراره في آخر لقاء أجري معه ونشر في مجلته «مشارف» أنه حين كتب روايته «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» عام 1974، كان يكتب عن نفسه.
قبل الإقرار أشار في المقدمة التي كتبها لكتاب «الرسائل» بين محمود درويش وسميح القاسم أنه كان يكتب الرسائل إلى نفسه. وقوله هذا لم يلفت نظر النقاد إلى إعادة قراءة المتشائل في ضوء هذه العبارة الدالة.
في بداية التسعينيات نشرتُ دراسة في جريدة «نابلس» وازنت فيها بين إميل وبطله سعيد ورأيت أن سعيداً يشبه إميل. لم يعترض الرجل وبلغت به الجرأة أنه وافق على نشر الدراسة في مجلته. حقاً لقد اندهشت مما فعله، وبعد ثلاثة أشهر من نشر الدراسة نُشرت المقابلة التي أقر فيها بأنه حين كتب روايته كان يكتب عن نفسه "أنا في عمر لا يسمح لي بالكذب، حين كتبت المتشائل كنت أكتب عن نفسي“ (ببعض اختلاف).
بطل رواية إميل بطل متعاون قدم خدمات للدولة الإسرائيلية ثم توقف وقرر أن يبيع البطيخ على التعاون وحين هدده رجل المخابرات بأنه سيكشف أمره أمام أبناء شعبه صاح سعيد وقال لرجل المخابرات: أعطني شهادة بتعاوني معكم وسأعلقها على العريشة“.
إشكالية عودة إميل إلى فلسطين بعد قيام الدولة العبرية كانت أيضاً عاملاً من العوامل التي اعتمد عليها أعداؤه للنيل منه وللتشكيك في وطنيته، عدا اختلاف الرؤى والموقع والموقف.
هل عاد إميل بشروط اسرائيلية؟ وما هي هذه الشروط؟
في هذه الأثناء صدر كتاب هلل كوهين «العرب الصالحون» ويبدو المؤلف شيوعياً يتبنى وجهة نظر الشيوعيين أكثر مما يتبنى وجهة نظر معارضيهم. يدافع كوهين في مواطن عديدة عن ”الحزب الشيوعي الإسرائيلي“ وطروحاته أمام طروحات بعض التيارات القومية والزيارات الموالية للحزب الصهيوني الحاكم ما بين 1948 و1967، ويأتي على عودة ما لا يقل عن 20 ألف فلسطيني تسللاً أو بتصاريح -وقد عاد إميل متسللاً وأتى في «المتشائل» على عودته- ويرى كوهين أن كثيرين من هؤلاء العائدين وافقوا على التعاون مع المخابرات الإسرائيلية مقابل السماح لهم بالبقاء.
سعيد أبو النحس المتشائل يقر في الرواية بتعاونه مقابل البقاء. والسؤال هو: هل كل ما كتبه إميل عن سعيد حدث معه أم أن سعيد كان يجمع بين ما حدث مع إميل وما قام به غيره من العائدين تسللا؟ للدكتور عادل منّاع كتاب صدر من عامين أتى فيه على سيرة إميل حبيبي وما أورده لم يكن لصالح إميل. لعل ما كتبه منّاع يستحق وحده مقالة خاصة.