شيطنة رام الله... تسويق رام الله 

2017-10-31 16:00:00

شيطنة رام الله... تسويق رام الله 
RAMALLAH - APRIL 2011

كتب عنها أحمد رفيق عوض في  «مقامات العشاق والتجار»، 1996، وخصها مريد البرغوثي بكتاب كان اسم المدينة مكوناً من مكونات عنوانه «رأيت رام الله» وقارن فيه مؤلفه بين رام الله كما عرفها في الستينيات ورام الله كما رآها بعد ثلاثين عاماً من الغياب عنها، ومثله فعل فاروق وادي في «منازل القلب»، 1998، ولم تكن رام الله في حينه، يوم تأليف الكتابين، تطورت كما تطورت بعد صدور الكتابين.

ما إن ينتهي المرء من قراءة قصة أكرم هنية الجديدة «شارع فرعي في رام الله» حتى يثير حولها أسئلة عديدة منها ما يخص علاقتها بالتجربة القصصية للقاص، التجربة التي تعود إلى العام 1979 حيث أصدر أولى مجموعاته القصصية «السفينة الأخيرة… الميناء الأخير»، ومنها ما يتعلق بالتجنيس الأدبي لها، أو بصلتها بسرديات رام الله؛ تشابهها معها واختلافها عنها، فهي لا تضاف إليها لأن اسم المدينة كان مكوناً من مكونات العنوان وحسب، وإنما لأنها تقدم تصوراً للمدينة مختلفاً من ناحية وصادراً عن كاتب ولد في رام الله وعاش فيها وما زال.

لم تحضر رام الله في الأدبيات الفلسطينية بشكل عام إلا بعد اتفاقيات  ”أوسلو“، وما كتب عن المدينة قبل هذا التاريخ لم يشكل ظاهرة لافتة يمكن أن يشار إليها. 

في سيرة فدوى طوقان «رحلة جبلية… رحلة صعبة»، 1986، يقرأ المرء عن حياة ثقافية في المدينة ولم يكن ما كتبته سحر خليفة في «عباد الشمس»، 1979/1980، مختلفاً ومميزاً.
 
إثر اتفاقيات ”أوسلو“ غدت رام الله  شيئاً آخر مختلفاً، ولأنها غدت كذلك فقد أخذت الأقلام تكتب عنها وتلتفت إلى ما يطرأ عليها من تطورات متسارعة. 

كتب عنها أحمد رفيق عوض في  «مقامات العشاق والتجار»، 1996، وخصها مريد البرغوثي بكتاب كان اسم المدينة مكوناً من مكونات عنوانه «رأيت رام الله» وقارن فيه مؤلفه بين رام الله كما عرفها في الستينيات ورام الله كما رآها بعد ثلاثين عاماً من الغياب عنها، ومثله فعل فاروق وادي في «منازل القلب»، 1998، ولم تكن رام الله في حينه، يوم تأليف الكتابين، تطورت كما تطورت بعد صدور الكتابين.

بعد البرغوثي ووادي كتب محمود شقير نصاً نشره في مجلة «الكرمل» عنوانه «رام الله التي هناك» وأتى فيه على اختلاف المدينة في التسعينيات عنها في الستينيات. كانت رام الله تمدّن الريف ثم صار الريف يريّفها وهذا ما آلم شقير وأحزنه هو المثقف اليساري الذي يميل إلى حياة المدينة لا إلى حياة الريف الفقيرة المحافظة، حيث لا مسرح ولا سينما ولا أمسيات ثقافية ولا..ولا..

عرف البرغوثي ووادي وشقير رام الله في الستينيات وأقاموا فيها وكانوا ميالين إلى الفكر اليساري والعلماني الذي يؤثر الانفتاح ولم يختلف عنهم أكرم هنية. 

لم يختلف محمود درويش في موقفه عن الأدباء السابقين بشكل عام وإن اختلفت علاقته برام الله فهو لم يقم فيها قبل 1996. ربما كان مر بها بعد هزيمة حزيران 1967 مروراً عابراً، وحين استقر فيها لم ترق له. لقد رآها مدينة تبنى على عجل ولا ماضي له فيها كما ورد في قصيدته التي أهداها لسليمان النجاب وظهرت في ديوانه «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، 2009. 

بعد أن غدت المدينة أشبه بعاصمة سياسية واقتصادية وثقافية عاش فيها فلسطينيون كثر وفدوا إليها وكان قسم من هؤلاء قدموا من مدن صغيرة أو من قرى الضفة الغربية ولم يألف أكثر هؤلاء حياة المدن الكبيرة المنفتحة والمتطورة بشكل متزايد ومتسارع، وهكذا بدأت تظهر كتابات جديدة لكتاب جدد أغلبهم أقام في رام الله. وكانت عناوين كتبهم تحفل باسم المدينة. 

«لا ملائكة في رام الله»، 2010، رواية لكاتبة شابة درست في جامعة بير زيت هي إيناس عبدالله. وربما يكرر المرء وهو يقرأ العنوان المثل الشعبي "أقرأ المكتوب من عنوانه" وبالتالي يعرف، مقدماً، الصورة التي تظهر للمدينة في الرواية. بعد صدور هذه الرواية صدرت روايتان لعباد يحيى هما «رام الله الشقراء»، 2013  و«جريمة في رام الله»، 2017 وقد أثارتا جدلاً واسعاً وبدت صورة رام الله فيهما مختلفة عما قرأناه في النصوص المذكورة ابتداء. بدت صورة رام الله فيهما أشبه بصورة المدينة الكبيرة في الآداب العالمية. رصدت الروايتان التطورات التي ألمت برام الله بعد  ”أوسلو“ فكانت المدينة مختلفة. لم تعد مدينة هادئة ووديعة وتحت احتلال أجنبي، غدت مدينة كبيرة يتغول فيها المال وتسودها علاقات اجتماعية عجيبة غريبة؛ انفتاح اجتماعي وسوق اقتصادي ومؤسسات أجنبية وبشر غرباء غدت المدينة بهم شقراء لا حنطية ولا سمراء وغدت مدينة لواط وشذوذ وموطناً للجريمة.

هل شيطن الكتاب الجدد رام الله؟ 

هذا ما تقوله نصوصهم وهذا ما تقوله أيضاً عناوين رواياتهم. 

لم يعرف الكتاب الجدد رام الله قبل 1987 وما رأوه منها وفيها رأوه بعد العام 2007 تقريباً ولهذا لم يظهر للمدينة في كتاباتهم صورتان تنتميان إلى فترتين مختلفتين كلياً. هذا وجه اختلاف بين نصوصهم ونصوص البرغوثي ووادي وشقير، فأين تقع قصة أكرم هنية «شارع فرعي في رام الله»؟ 

أشرت إلى صلة هنية برام الله وهي صلة تختلف عن صلة الجيل الجديد بها أنه يعرف رام الله في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات ومنذ عاد من المنفى في التسعينيات استقر فيها وأخذ يتابع ما يطرأ عليها من تطورات. هل ننسى أنه واحد ممن ساروا في ركاب ”أوسلو“ وأسهموا في إنجازه؟

أعتقد أن السؤال الأخير هو ما يجب أن يدفع المؤيدين لـ ”أوسلو“ والرافضين لها إلى متابعة كتابات أكرم هنية في أثناء قراءة النصوص الأدبية قراءة سياسية واقتصادية واجتماعية، ذلك أنها صادرة عن كاتب أبعدته سلطات الاحتلال في 1986 لمقاومته الاحتلال ثم عاد إلى رام الله وهو مشارك في مشروع السلام. طبعاً لا أغفل المكانة الأدبية للقاص، فهو من أهم الأسماء القصصية في القصة القصيرة الفلسطينية حيث أصدر خلال 40 عاماً ست مجموعات احتُفل بها.

في قصته الجديدة «شارع فرعي في رام الله» تحضر المدينة من خلال العنوان وتحضر أيضاً في المتن. تحضر في العنوان لأول مرة وتحضر في المتن حضوراً لافتاً فهي لم تحضر في قصص القاص السابقة. في قصصه السابقة كان الحضور للقدس لا لرام الله، وستحضر القدس في القصة الجديدة ولكن بصورة سريعة فهي تخلي المجال لرام الله. ولا يعني هذا أن هنية وبطل قصته تخليا عن القدس. 

ما يجب أن ألفت النظر إليه أن لرام الله في القصة غير صورة، وهذه الصور تصدر عن شخصيات عديدة تنتمي لأجيال مختلفة وعلاقة كل شخصية بالمدينة مختلفة تبعاً لمدة إقامته فيها ومتابعته تطوراتها. إن تفصيل هذه الصور وتلك العلاقات يحتاج إلى مساحة أوسع من المساحة التي خصصت للمقال

وإذا كان ثمة انطباع موجز يقول لنا خلاصة صورة رام الله في قصة أكرم هنية فإنه يمكن القول إن القاص لا يشيطن المدينة. إنه يسوقها ويجعل منها مدينة يمكن العيش فيها برغبة وحنين الكبار في السن إلى رام الله في الستينيات والسبعينيات، هو حنين لا يشغل حيزاً في ذهن الجيل الجديد الذي ولد في التسعينيات ورأى رام الله الحالية. لعل الكتابة عن هذا تتطلب وقفة مفصلة أمام العناوين الآتية في القصة «محاولة للتفسير» و «رجل من شارع النزهة»  و«أفق متغير» و«نبض مختلف».