أكرم هنية نموذجاً

صورة اليهود في القصة القصيرة في مناطق الاحتلال الثاني

2017-08-03 12:00:00

صورة اليهود في القصة القصيرة في مناطق الاحتلال الثاني
Current Disturbance . للفلسطينية منى حاطوم

كما لو أن أكرم هنية يرد على بعض الكتّاب الإسرائيليين الذين يرون أن الكتّاب الفلسطينيين لم يكتبوا عن نماذج يهودية مقنعة، لأنهم -أي الكتّاب- لا يحلمون بالشخصيات اليهودية التي يكتبون عنها كما يحلم الكتّاب اليهود بالشخصيات العربية التي يكتبون عنها. أوضح مثال نعثر عليه في رواية «يورام كانيوك»، وهو عربي طيّب. وكما لو أن أكرم هنية يرد على اتهام وُجّه إليه شخصياً بهذا الخصوص. 

في قصته الجديدة «شارع فرعي في رام الله » يأتي أكرم هنية على صلة أبناء الشعب الفلسطيني من سكان الضفة الغربية والقدس باليهود، فيكتب تحت عنوان "معرفة مباشرة" عن ماجد المهندس، الشخصية المحورية في قصته وصديقه مدرس الرياضيات. 

يقول مدرس الرياضيات صاحب الاهتمامات المتعددة: "من قال إني لا أعرف الإسرائيليين عن قرب، بمعنى أننا حدّقنا في عيون بعضنا البعض وربما تبادلنا الحديث والجدل وربما الصراخ. 

سيعدد مدرس الرياضيات قائمة بالإسرائيليين الذين عرفهم عن قرب ولا يمكن أن ينساهم، وهذه القائمة على النحو الآتي:  

أول إسرائيلي كان جندياً احتلّ رام الله وكان مدرس الرياضيات ابن 14 عاماً. يسأل الجندي الإسرائيلي مدرس الرياضيات عن اسمه فلا يجيب ابن الرابعة عشرة ويسير بعيداً.

والإسرائيلي الثاني كان صاحب ورشة قرب تل أبيب حيث عمل مدرس الرياضيات في العطلة الصيفية يوم كان طالباً. 

أما الثالث فكان سائق جرافة هدمت البيت الجميل لخاله الذي اعتقل ابنه لنشاطه الفدائي.

وأما الرابع فكان محققاً عذّب مدرس الرياضيات يوم اعتُقل بعد عودته من عمان.

وأما السادس فكان سجاناً في سجن رام الله. 

وأما السابع فهو جندي إسرائيلي أصاب أطفال المدرّس بالرعب يوم اقتحم منزله للتفتيش. 

وأما الثامن فكان جندياً على الحاجز. 

وأما التاسع فجندي اقتحم مع جنود آخرين المدرسة التي يدرّس فيها. 

وأما العاشر فلم يقابله مدرّس الرياضيات ولكنه كان جندياً كاد أن يقتل ابن المدرّس الذي تظاهره سلمياً ضد الاستيطان. 

ينهي مدرس الرياضيات كلامه قائلا: "صدقني. أعرفهم، هؤلاء هم من عرفت من الإسرائيليين".

كما لو أن أكرم هنية يرد على بعض الكتّاب الإسرائيليين الذين يرون أن الكتّاب الفلسطينيين لم يكتبوا عن نماذج يهودية مقنعة، لأنهم -أي الكتّاب- لا يحلمون بالشخصيات اليهودية التي يكتبون عنها كما يحلم الكتّاب اليهود بالشخصيات العربية التي يكتبون عنها. أوضح مثال نعثر عليه في رواية «يورام كانيوك»، وهو عربي طيّب. وكما لو أن أكرم هنية يرد على اتهام وُجّه إليه شخصياً بهذا الخصوص. 

أصدر هنية ست مجموعات قصصية ما بين 1979 و2007  وكان حضور الشخصية اليهودية فيها قليلاً ونادراً ويقتصر على الجنود والمستوطنين. 

في مجموعاته الثلاث الأولى «السفينة الأخيرة...الميناء الأخير» 1979، والثانية «هزيمة الشاطر حسن» 1980  والثالثة «وقائع التغريبة الثانية للهلالي»1981 لا نعثر على شخصية يهودية لها اسمها وملامحها الخاصة. كل ما نقرؤه يتمحور حول نشاط استيطاني وجرافة إسرائيلية تجرف الأراضي الفلسطينية وحول جندي يأتي ليعتقل ليلاً فلسطينياً. 

في المجموعة الرابعة «عندما أضيء ليل القدس» نقرأ عن جندي إسرائيلي يلتقي بفلسطيني من رام الله عائد من غزة إلى مدينته. يجري حوار قصير بين الفلسطيني والإسرائيلي وسرعان ما يغادر كل منهما المظلة التي احتميا فيها من المطر إلى وجهته. 

في المجموعة الخامسة «أسرار الدوري» 2001 نقرأ في قصة "سحر الحب" عن جنود إسرائيليين على الحاجز يقمعون طلاب جامعة بير زيت، وفي قصة "موت سريري" نقرأ عن فلسطيني قتله الجنود الإسرائيليون. 

في المجموعة السادسة «دروب جميلة» 2007 نقرأ أيضاً عن الجنود الإسرائيليين على الحاجز ومنهم جندي أرمني هو "أفنر". تنشأ بين "أفنر" وحسان علاقة عابرة يتحاوران فيها ويحاول  "أفنر" إن يبرر ما يقوم به. هل تختلف النماذج التي وردت في قصص هنية السابقة عن تلك التي عدّدها في "معرفة مباشرة" 2017؟ 
في «شارع فرعي في رام الله» نقرأ قصة عنوانها "عبق بستو" و"بستو" هو مقهى في رام الله يلتقي به ماجد المهندس الشخصية المحورية مع صديق قديم مقدسي. يحدّث الصديق المقدسي صديقه ماجد عن علاقة حب تربطه بفتاة يهودية. هنا يكتب هنية عن نموذج مختلف. ولكن القصة تسير سيراً لا يختلف عما يكمن عميقاً في ذهن الكاتب وهو ما بدا في قصة "شمال شرق دير اللطرون".

ما متع يهودي إلا على حساب فلسطيني، في قصة "شمال شرق دير اللطرون" يخاطب الجنديّ الإسرائيلي الفلسطيني قائلاً: "بلادنا جميلة" نافياً حق الفلسطيني ومصادره. 

في "عبق بستو" حين يذهب المقدسي مع صديقته إلى بيتها في حي الطالبية -حي عربي قبل 1948- تتركه صديقته وحده لتقضي حاجتها في الحمام. في هذه الأثناء يتأمل البيت: بناءه وسجاده وغرفه، ويلتفت إلى عبارة في مكان ما عن زمن تشييد البيت :"1938". البيت الذي تقيم فيه صديقته هو بيت عربي. 

ثمة بعض قصص في "شارع فرعي في رام الله" التي على يهود مغرمين بالآثار بحثاً عما يدعم روايتهم والصورة وردت في أشعار محمود درويش "يوميات جرح فلسطيني".

هل كتب القصاصون الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة بين 1967 و2017 عن نماذج مختلفة؟ الموضوع يشغلني.