الكتابة عن اليهود في الأدبيات الفلسطينية

2016-12-17 08:08:57

الكتابة عن اليهود في الأدبيات الفلسطينية
القدس . للفنانة الكندية أوسنات

كيف بدت صورة الخطاب في الكتابة عن اليهود في الأدبيات الفلسطينية؟

هل سادت نغمة واحدة في الكتابة عنهم منذ بدايات الصراع معهم على الأرض، منذ بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين؟ أم أن صورتهم تلونت وتغيرت باختلاف الخطاب الفكري والسياسي في فلسطين والعالم العربي، خلال المائة سنة الأخيرة؟ 

أشير، ابتداء، إلى أن اليهود عاشوا في فلسطين، قبل بداية الاستيطان الصهيوني في أربع مدن فلسطينية هي صفد ونابلس والقدس والخليل، ولم تكن هناك نصوص أدبية تأتي عليهم لتهاجمهم أو لتمدحهم، وقد يعود هذا إلى أمرين؛ الأول أنه نظر إليهم على أنهم مواطنون مثل بقية المواطنين، والثاني أن الأدب في فلسطين كان ضعيفاً، فعدا الشعر التقليدي لم يكن هناك نثر هو المجال الأرحب للكتابة في موضوعات كهذه.

أول نص أدبي أتى على ذكر اليهود كتبه الشاعر سليمان التاجي الفاروقي في العام ١٩١٣، وكان الشاعر بدأ يخشى من المشروع الاستيطاني الذي تنبه إليه بعض المثقفين الفلسطينيين مثل نجيب نصار الذي ترجم في العام ١٩٠٥، عن الانجليزية، مقالاً عن الصهيونية وخطرها.

هاجم الشاعر الفاروقي اليهود بعامة ولم يميز بين يهودي وآخر؛ يهودي صهيوني ويهودي غير صهيوني، يهودي قادم من أوروبا وآخر مقيم في فلسطين، وأسبغ على اليهود الصفات التقليدية مثل حب المال والتعامل بالربا والذل والمسكنة.

في العام ١٩٢٠ سيصدر خليل بيدس، أول روائي فلسطيني، روايته "الوارث" وسيكون لليهود فيها حضور لافت، ولكن أحداث الرواية لا تجري في فلسطين بل في القاهرة، وهذا ما استغربه الناقد فاروق وادي الذي لاحظ أن بيدس لم يكتب عن اليهودي الجديد - المستوطن، وإنما كتب عن يهود البلدان العربية، وقد أبرز بيدس لليهود الصورة التقليدية لهم: الفتاة اليهودية الجميلة التي تسير في طريق الرذيلة، يساعدها يهود آخرون يحتالون على الآخرين، وهم في الرواية يتجسدون في بطلها عزيز الذي يعشق استير. واليهود هنا مرابون ومحتالون ولا يكترثون للفضيلة.

الكاتب الثاني الذي أتى على ذكر اليهود في هذه الفترة هو ابراهيم طوقان.

التفت الشاعر ذو الخلفية الإسلامية - بيدس كان مسيحياً - إلى الخطر الصهيوني مبكراً، وكتب عن اليهود بشكل عام، وإن كان يقصد اليهود المستوطنين أساساً، فجل أشعاره تأتي على الأرض والوطن والبلاد والخوف من ضياعها.

هاجم طوقان اليهود هجوماً مراً عنيفاً، وكان أحياناً يكتب من منطلق الرد على وجهة نظر اليهود المستوطنين في العرب.

كتب شاعر يهودي اسمه رؤبين قصيدة حاقدة هاجم فيها العرب هجوماً عنيفاً، فرد عليه طوقان بقصيدة لا تقل عنها عنفاً. والقصيدتان عموماً تذكران بشعر شعراء النقائض. 

أسبغ الشاعر في مجمل شعره على اليهود الصفات التقليدية والصفات السلبية التي وردت عنهم في القرآن الكريم، ولكنه في الوقت نفسه أشار، وهو يعاتب زعماء قومه المتناحرين على المناصب، إلى جهود اليهود في بناء وطن.

لم يكن طوقان وبيدس والفاروقي الأدباء الوحيدين الذين كتبوا عن اليهود حتى العام ١٩٤٨. لقد كان هناك أدباء آخرون منهم اسحق موسى الحسيني وبرهان الدين العبوشي ومحمد عزة دروزة ونجاتي صدقي، وقد اختلفت صورة اليهود في أدبيات هؤلاء بحسب التوجه الفكري لكل منهم.

كتب محمد عزة دروزة في العام ١٩٣٥ مسرحية عنوانها "الفلاح والسمسار" - في رواية أخرى "الملاك والسمسار"- وأتى فيها على الأرض وبيعها وصور فيها توظيف الحركة الصهيونية للفتيات اليهوديات من أجل شراء الأرض من الفلسطينيين.

كان توجه دروزة توجهاً إسلامياً، وقد كتب من منظور إسلامي، فله كتاب عن أنبياء اليهود من خلال أسفارهم، ذهب فيه إلى أن توظيف اليهود نساءهم من أجل تحقيق أغراضهم يعود إلى أنبيائهم. وللأسف فإن مسرحية دروزة هذه غير متوفرة.

كتب صدقي قصصاً صور فيها يهوداً أوروبيين تختلف صورتهم كلياً عن صورة شمعون بوزاجلو. هناك نسوة يهوديات يختلفن عن النساء اليهوديات في قصة بوزاجلو. المرأة اليهودية الغربية محبة للحياة وتستمتع بها وبجسدها، وهي أحياناً منفتحة، منفتحة مغامرة تقيم علاقات جنسية خارج إطار المؤسسة الأسرية

الكاتب اسحق موسى الحسيني الذي أقام في القدس ودرس في لندن كان ليبرالي النزعة، وكانت له صلات ببعض المثقفين اليهود، ولا ننسى أنه عاش في القدس التي كان اليهود من سكانها، قبل بداية المشروع الصهيوني.

في روايته الرمزية "مذكرات دجاجة" (١٩٤٣) يميز الحسيني بين يهود مقيمين ويهود طارئين، والأخيرون هم الذين يريدون المأوى/فلسطين، ويريدون طرد سكانها.

لا ينطلق الكاتب من منطلق تعميمي، فهو يرى الفضيلة والرذيلة في المجتمعات كلها، ومنها مجتمعه. إنه لا يلجأ إلى التعميم، ولهذا نراه يميز بين دجاج مقيم وآخر طارئ، بل ويتحدث عن بيئته هو فيرى فيها الشرور والطمع والحقد والتنافس.

يختلف عن الحسيني الشاعر برهان الدين العبوشي صاحب مسرحية "وطن الشهيد" (١٩٤٦)، فهذا الذي نشأ في بيئة ريفية ونشأ محافظاً يتغنى بالقيم العربية الإسلامية الأصيلة، وبأخلاق الريف، يكتب من منطلق كاتب محافظ يخشى على القيم العربية الأصيلة من التلوث إذا ما اختلطت مع قيم الوافدين من أوروبا.

ولعل تصور العبوشي للذات والآخرين يبدو واضحاً في المقدمة التي كتبها للمسرحية، وهو ما أفصحت عنه في السطور السابقة.

ويحفل نص العبوشي بشخصيات يهودية منها شخصيات نسوية لا تختلف صورتها عن الصورة التي لاحظناها في رواية بيدس ومسرحية دروزة: الفتاة اليهودية اللعوب التي لا تهتم بالعرض ويمكن أن توظف جسدها وتستغله لمنافع مادية أو سياسية.

يختلف نجاتي صدقي عن كثير من هؤلاء.

نشأ صدقي في بيئة مدنية وكان توجهه يسارياً، ودرس فوق هذا في موسكو وكان أول أمين عام للحزب الشيوعي الفلسطيني، ثم إنه تأثر بالأدب الروسي ، وتحديداً بقصص أنطون تشيخوف. وهذه الأمور كلها تركت أثرها على خطابه الأدبي.

لم يسبغ صدقي على اليهود كلهم صفات محددة هي الصفات التقليدية، وإن فعل هذا في قصته "شمعون بوزاجلو". اليهودي هنا مراب وبخيل ومحب للمال وكاره للنساء ومتدين ومتسول. ولكن هذه الصورة لم تبرز في قصص أخرى لصدقي أبرز فيها شخصيات يهودية.

كتب صدقي قصصاً صور فيها يهوداً أوروبيين تختلف صورتهم كلياً عن صورة شمعون بوزاجلو. هناك نسوة يهوديات يختلفن عن النساء اليهوديات في قصة بوزاجلو. المرأة اليهودية الغربية محبة للحياة وتستمتع بها وبجسدها، وهي أحياناً منفتحة، منفتحة مغامرة تقيم علاقات جنسية خارج إطار المؤسسة الأسرية، كما هي ريتا في قصة "كاتب العرائض"، أو منفتحة ولكن محافظة على أخلاقها، تنفتح على الآخرين ومنهم العرب، ولكنها تحافظ على نفسها.

هكذا لم يبرز صدقي صورة نمطية لليهود، وهكذا اختلف خطابه.

من الورقة التي القاها الاسطة في مؤتمر جامعة بير زيت في ٢٩/١٠/٢٠١٦