وترى البودي أن آثار الجائحة على صناعة النشر الورقي ستستمر طويلا ولن تتعافى بسرعة فربما تغادرنا الجائحة المرضية وتبقى آثارها على صناعة عريقة ترتبط بعادات قرائية ضعيفة في الوطن العربي من الأساس.
فاقم انتشار جائحة كورونا العالمية من أزمة النشر الورقي للكتاب منذ بدأت الإجراءات الاحترازية في مواجهة الوباء في بدايات عام 2020، وبدأت بوادر الأزمة مع تصاعد الاعتماد على تكنولوجيا الاتصال الحديثة في القراءة.
وكلف اتحاد الناشرين المصريين لجنة بتصميم استبيان رأي خاص بمكتبات بيع الكتب الورقية داخل السوق المصري إثر انتشار فيروس كورونا. وهدف الاستبيان لوضع نواة حقيقية لتوفير أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات التي قد تساعد متخذي القرار على دعم صناعة النشر. وأظهر الاستبيان الذي شارك فيه 51 مكتبة من القطاع الخاص والحكومي والمؤسسات الصحفية مدى تأثر نسبة مبيعات الكتب الورقية في الفترة الأخيرة بسبب فيروس كورونا، والتي تراجعت بنسبة 70-75% حسب ما رأى أكثر من نصف المشاركين.
وفي التوصيات، أشارت لجنة التطوير المهني إلى أهمية عقد سلسلة ندوات لمساعدة الناشرين على زيادة مبيعاتهم بطرق مختلفة. في السياق نفسه، تتجه دور النشر إلى توفير حلول لتَعطل سوق مبيعات الكتاب عبر اللجوء للنشر الرقمي من خلال المنصات الإلكترونية.
وبينما بدا النشر الإلكتروني المنقذ من ركود السوق، أظهرت المنصات القائمة على النشر الرقمي مثل مؤسسة هنداوي ومنصة كتبنا ازديادا ملحوظا في نسبة تحميل الكتب من مواقعها. كما أعلنت دار الساقي طرح إصدارتها بنسخ إلكترونية عبر منصات عدة، لصعوبة عثور القراء على الكتب الورقية بسبب ظروف تفشي وباء كورونا. وعددت الدار اللبنانية المنصات منها "قارئ جرير، وأبجد، ولوسيل، وتلك الكتب، وكيندل، وغوغل، وI-Kitab".
لكن مع استمرار الإجراءات الاحترازية وتفاقم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة بدا الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لناشري الكتاب الورقي، نحاول في السطور القادمة التعرف على ملامح الأزمة وكيفية الخروج منها من خلال رؤية ثلاثة من الناشرين
قنوات التوزيع
يؤكد صعوبة الوضع وائل الملا، رئيس دار مصر العربية للنشر، قائلا: يستمر فيروس كورونا في فرض ظروف غاية في الصعوبة على كافة قطاعات الاقتصاد، وبالأخص قطاع النشر. معلوم أن النشر في العالم العربي تعرض لأزمات ومشاكل كبيرة مستمرة منذ فترة منها التزوير وانكماش الميزانيات الحكومية المخصصة لشراء الكتب للمكتبات العامة. والمشكلة الأكبر وهي التوزيع، فلا يبدو أن هناك قنوات توزيع واضحة ومنتظمة يستطيع الناشر التخطيط على أساسها.
وقد بدأ التأثير يظهر جلياً مع بداية إلغاء وتأجيل المعارض العربية للكتاب وهي المنفذ الأول للتوزيع الذي يلجأ له الناشر، وخاصة معرض القاهرة الدولي للكتاب.
ومع استمرار الأزمة وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بموعد انتهاءها أو اكتشاف لقاحات شافية استمر مسلسل التأجيل شهراً تلو شهر، وكان أول قرار منطقي للناشرين هو تخفيض الإنتاج أو التوقف عنه تماماً.
تظل المشكلة الأكبر عند الناشر هي المصاريف الثابتة والتي استطاع الناشرين تدبيرها لفترة من الوقت لكنهم أصبحوا يعانون من ذلك بعد عدة أشهر حيث توقف الموزعون عن دفع مستحقات الناشرين أو على الأقل خفضوا الدفعات نتيجة الانخفاض العنيف للمبيعات نظراً لفرض حظر لفترات كبيرة وإغلاق في بعض الدول.
ولم يكن الحل الرقمي (الأونلاين) هو الأمثل لأن السوق العربي والمصري خاصة لم يعتده بعد. فلا المبيعات عن طريق شبكة الإنترنت تعوض الانخفاض ولا القدرة الشرائية للمشتري كما هي.
إضافة إلى أسلوب تخفيض الإنتاج والنشر، لجأ عدد من الناشرين للأسف مضطرين إلى تسريح بعض من الموظفين أو تخفيض المرتبات بانتظار ما سوف تسفر عنه الأيام. ولذلك نرى أن الناشرين حاليا ما يكاد يعلن عن فتح باب الاشتراك في معرض عربي جديد أو خاص (غير رسمي) إلا ويشاركون فيه رغبة منهم في تصريف أي مخزون يعينهم على الاستمرار.
قد يكون الحل أن تقوم الدول بدعم هذا القطاع المهم جداً حيث أنه واحد من أهم أدوات القوة الناعمة للدولة وتأثيرها الثقافي على محيطها. نأمل أن تكون هذه أيضاً وجهة نظر المسؤولين. وذلك على الأقل بتخفيض اشتراك معرض القاهرة الدولي القادم.
أعتقد مثل كثير من الناشرين أنه لو تم تأجيل معرض القاهرة مرة ثانية -والذي سبق و تم تأجيل موعده لشهر يوليو- فسوف نرى عدداً من الناشرين يخرج من الصناعة.
محاولة الصمود
شريف بكر، رئيس دار العربي للنشر، يحلل المشكلة قائلًا: الأزمة الكبرى هي توقف بيع الكتاب في وقت الجائحة في عالمنا العربي الذي يعاني أساسا من انخفاض معدلات القراءة مقارنة بأوروبا حيث نجد أن دور النشر الأوربية باعت أكثر من المبيعات في الأحوال العادية وأقبل القارئ على التهام الكتب في أوقات العزل والبقاء في المنزل، وزادت المبيعات لوجود أناس تقرأ في البيوت، ففي الوطن العربي توقف البيع وتم إلغاء كل المعارض العربية وهو ما يمثل أكثر من 50 في المائة من دخل الناشرين ويعد أهم مصدر للعملة الأجنبية والتصدير للخارج، وبذلك كشفت الجائحة الخلل الموجود في مهنة النشر في الوطن العربي، حيث لا قارئ جاداً بأعداد مكثفة نسند ظهورنا إليه، بالإضافة إلى سوء التوزيع وعدم وجود سوق أونلاين يعتمد عليه، كما يواجهنا روتين البريد ورقابة الدول الأخرى على حركة دخول الكتب وخروج الكتب كعقبات تعاني منها المنطقة العربية بخاصة.
يضيف بكر: كل تلك مطبات في طريق توزيع الكتاب تكبل حركة الناشرين المصريين واللبنانيين وغيرهم في العالم العربي.
وللخروج من الأزمة نتبنى مع دور أخرى سياسات خاصة بالتسويق الالكتروني الذي بدأ يعمل جيدا، فبدأت الناس تعرف أسعار الكتب وتسأل وتتفاعل، لكن المشكلة هي التوزيع والبريد، وهي ليست مهمتنا كناشرين وعدم اهتمام الحكومة بتدعيم المهنة بجانب البي دي اف والتزوير هي كوابيس تؤرق كل الناشرين.
بناء على كل ذلك فإن ناشرين كباراً يحاولون الصمود، وكثير من الصغار توقفوا والمتوسطين يصارعون، بينما الأمل في معرض الكتاب في يونيو ونحن في انتظار المعرض، وإذا لم يعط دفعة جيدة للكتاب ستكون الخسارة فادحة بعد عام ونصف من محاولات الصمود في ظل الكورونا.
آثار سلبية لما بعد الجائحة
فاطمة البودي، صاحبة دار العين للنشر، تقول عن الأزمة: كل القطاعات تأثرت لكن قطاع النشر أصابته السكتة حيث يعتمد الناشر في دخله على المعارض بنسبة 80 في المائة، فنجد أن معظم الناشرين سارعوا إلى الكتاب الإلكتروني وهو ما يعوض الخسائر تعويضا طفيفا، حيث يباع الكتاب الالكتروني بأقل من الورقي بثلث القيمة، يحصل الناشر على نسبة ضعيفة من ثمنه، فلو افترضنا أن الكتاب الورقي بتسعة جنيهات فالإلكتروني يباع بستة جنيهات يتقاسمها الناشر مع المنصة الالكترونية فيحصل على ثلاثة جنيهات يتقاسمها مع المؤلف، لذلك فجائحة الكورونا أنقصت من كل المكاسب وأغلقت كثيرا من دور النشر، بينما مازالت البقية تحاول الاستمرار والصمود في ظل تجاهل حكومي تام، فلم تعد وزارة الثقافة تشتري الكتب وكذلك توقفت وزارة التربية والتعليم عن إمداد مكتباتها بالكتب، والدولة لها عذرها فعليها ضغوط اقتصادية والتزامات كبيرة بسبب الجائحة.
تضيف: في مرحلة العزل الأولى كان هناك بريق أمل إذ انتعشت القراءة وزادت مبيعات الكتب، لكن باستمرار الوضع وطول فترة الوباء تناقص الشراء ولم يعد القارئ متحمسا لاقتناء الكتب وبدأ يعود لقراءة البي دي اف توفيرا للمال. وتضيف صاحبة دار العين للنشر والتوزيع: إذا أجرينا مقارنة بين إصدارات الدار قبل كورونا وبعد كورونا، فنستطيع أن نقول صفر %، فبعد انتشار الفيروس لا يوجد دار نشر واحدة قامت بطبع كتب جديدة، فكان النظام الجارى عقب معرض القاهرة هو تجهيز العديد من الإصدارات المتنوعة لعدد من المعارض العربية مثل معرض أبوظبي والرياض والبحرين، ولكن مع توقف تلك المعارض لم يتم طبع أى إصدار جديد.
وترى البودي أن آثار الجائحة على صناعة النشر الورقي ستستمر طويلا ولن تتعافى بسرعة فربما تغادرنا الجائحة المرضية وتبقى آثارها على صناعة عريقة ترتبط بعادات قرائية ضعيفة في الوطن العربي من الأساس.