عبد الرحمن قطناني: ألعاب الأطفال وأزقة المخيم أثّرت على أعمالي

2018-08-25 13:00:00

عبد الرحمن قطناني: ألعاب الأطفال وأزقة المخيم أثّرت على أعمالي

البحث في تفاصيل تكاوين المخيم يوحي إليّ بالكثير من الأفكار، التفاصيل في حياتنا ننساها عندما نعتاد عليها، لذلك قررت أن لا أعتاد هذه التفاصيل وإعادة صياغتها من منظوري الخاص لأعيد مقارنته مع المنظور العام.

ولد الفنان التشكيلي الفلسطيني العالمي عبد الرحمن قطناني، لأب فلسطيني لاجئ في بيروت عام 1983، وعاش حياته في مخيم صبرا للاجئين، امتلأت ذاكرته البصرية كما الإدراكية، ببؤس البيوت من الصفيح (الزينكو) ، وبتلك الحواجز القاطعة والفاصلة، إحدى أدوات الاضطهاد المديد لشعبه. وقد أقام قطناني محترفه الفني في المستشفى التي ولد فيها بعد أن تحوّلت إلى مبنى سكني، مبنى أطلق عليه اسم "المخيم العمودي"، والذي مكث فيه هو وأخوته وأهله حتى بعد أن تحسنت أحواله المادية إثر نجاح أعماله الفنية عالمياً.

يسمّيه أصحابه بـ"عبدل"، والفن بالنسبة له رسالة وقضية، ويقال في فنه أنه "قاسٍ" مثل الأسلاك الشائكة أو ألواح الصفيح التي يستخدمها في بناء لوحاته ومعروضاته. وتكتنز أعمال صاحب "مجسّم إعصار"، عالماً تشغيلياً مُفعّلاً بمحاكاة شظى العيش في المخيمات الفلسطينية داخل لبنان، وترتكز تجربته بشكل أساسي، على المواد الموجودة في مخيمات اللجوء تلك، مثل صفائح الزنك وغالونات الزيت والدهان وأسلاك الغسيل وسدادات قناني البيبسي وغيرها من النفايات المعدنية والخشبية، وخلطها بالرسم العادي، وهي المواد نفسها التي يعيد أطفال المخيمات تدويرها ليبتكروا منها ألعابهم.

بدأ ضيفنا حياته الفنية بجمع "مفردات" المخيمات أي الأشياء المهملة ومخلفات البناء، ثم عمد إلى التفنن في لصقها على مساحة لوحته وفق نص سردي محدّد.

التقينا بالفنان الشاب الذي صنع من نفايات الحياة اليومية في المخيم فكرته وطموحاته عن الرسم والفن ما أوصله إلى العالمية.. فكان هذا الحوار:

 

حدثنا عن معرضك المزمع إقامته في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل في باريس ضمن فعالية (FIAC).

سيكون المعرض عبارة عن مشاركة ضمن فعالية (FIAC) مع غاليري Analix Forever وغاليري Magda Danysz، وسيتم عرض مجموعة من الأطفال وثلاث شجرات عليهم فطر. المواد المستعملة متنوعة، شريط شائك، زينكو، خشب...

شاركت في حزيران/ يونيو الماضي، إلى جانب عدد من التشكيليين العرب، بمعرض جماعي في "غاليري المرخية" بالدوحة، حمل اسم "مجموعة الصيف". ما العمل الذي قدمته هناك، وكيف استقبله النقاد والجمهور؟

قدمت عملين في معرض "المرخية"، عبارة عن أطفال تلعب (مراجيح)، وكانت ردود الفعل جيدة.
 


لنعد معاً إلى مرحلة البدايات لتخبرنا ما الذي هداك إلى الرسم، متى وأين؟

بدأت حياتي كرسام كاريكاتير وفنون الشارع (رسم على الجدران والغرافيتي)، بعدها أردت أن أستعمل مواد المخيم لإيصال الرسالة إلى خارج المخيم.

بدأت بالعمل لدى مراقبتي الأطفال وهم يلعبون ويخترعون ألعابهم من الشريط الشائك تارةً، أو من سياج الحدود تارةً أخرى. كان هذا الأمر بالنسبة إليّ دعوة للتصالح مجدداً مع المخيلة التي من شأنها أن تكسر كل الحدود.

شاركت في متحف سرسق في بيروت مرتين في عام ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩ وقد حزت على جائزتين في المشاركتين. وبعدها بدأت بالعمل مع "غاليري أجيال" في بيروت (صالح بركات)، ومن هناك بدأت الأمور تصبح أكثر انتشاراً وحضوراً.

من هم الفنانون الفلسطينيون أو العرب الذين كان نتاجهم "الأرض الصلبة" التي وقفت عليها متأهباً للبدء بمسيرتك الفنية؟ وهل من تيار أو مدرسة فنية تأثرت بها أو أغنت تجربتك الفنية؟

في المرحلة الأولى كان ناجي العلي من تأثرت به في فن الكاريكاتير، ولكن فيما بعد لا أعلم صراحة. هناك الكثير من المؤثرات من فنانين عرب خاصة. والتأثير الأكبر كان من المخيم وأهل المخيم.
 


"مخيم" هو عنوان معرضك الفني الذي أقمته في باريس في كانون الثاني/ يناير الماضي. حدثنا عما تذكره من مشاهد الطفولة في مخيمك (صبرا) في لبنان. وما هي المشاهد التي اختزنتها ذاكرتك، وتستطيع أن تقول إنها وجدت طريقها بشكل ما إلى لوحاتك؟

ألعاب الأطفال دائماً ما كنت أتذكرها وما زالت تفاصيلها في مخيلتي طوال الوقت. حتى أزقة المخيم وتفاصيها لا تزال وما زلت أعايشها. كانت لها التأثير الأكبر في أعمالي التي تقدم نموذجاً بسيطاً من قدرة التحدي وكسر المألوف في الحياة اليومية نحو التحرر على الصعيد الشخصي والعام. وهو الأمر الذي أعمل عليه منذ البداية.

ما قصة "المخيم العمودي" في حياتك؟

"المخيم العامودي" هو رمز لتراكمات حياتنا منذ أكثر من ٧٠ سنة من اللجوء والتشرد وضياع الوطن. حيث أسس هذا البناء على مبدأ الهندسة التراكمية أو الذاكرة التراكمية. حيث كل تفصيل فيه له قصة أو نفعية معينة لا تتماهى بالضرورة مع قواعد العمارة العامة.

تختار لمعارضك ولوحاتك ومنحوتاتك عناوين معينة، مثل: معرض "مخيم" (2018)، "توتياء، وأسلاك شائكة وحرية" (2011). لوحة "الموجة" (2016)، ومنحوتة "الإعصار" (2015)،. كأنها عناوين مجترحة من رحم المأساة الفلسطينية وشظى العيش في مخيمات اللجوء. ما هو تعليقك؟

لا أحب العناوين كثيراً. أستعمل رموزاً مختصرة ولكنها مشحونة بالرموز والتاريخ ولها صلة بالمادة المستعملة في الأعمال بشكل عام أو الموضوع ولكن دون تحديد، وهذا ما ينطبق على الأعمال حيث أن غالبية الأعمال عناوينها بسيطة ومباشرة، ولكنها تستحضر رموزاً ومعاني أخرى بتفاعلها مع العمل.
 


نرى في أعمالك أدوات ورموز وثيمات مثل ألواح "الزينكو" المادة المألوفة في أسقف بيوت المخيّمات، وأسلاك الحواجز المتشابكة كوسيلة من وسائل قمع الاحتلال، وأشياء مهملة كالخرق والثياب القديمة ومخلفات البناء، والزيتون كثيمة فلسطينية... سؤالي: من أي منابع جئت بهذا الأسلوب الفني؟

كما ذكرت سابقاً، في البداية كان الهدف التعبير عن المخيم وأهله، وفي تلك المرحلة كنت في السنة الأخيرة في معهد الفنون حيث ألفت استعمال الألوان الزيتية والمائية والكثير من التقنيات. ولكن هذه التقنيات حسب رؤيتي سيكون من الصعب التعبير بها بشكل شفاف عن المخيم. لذلك لجأت لمواد المخيم حيث أنها عاصرتنا منذ البداية أي منذ ٧٠ سنة هي عمر النكبة. لقد شعرت أنها تشبهنا بكثير من الجوانب. ومن هنا بدأ البحث في كيفية اكتشاف تجانس هذه المواد مع بعضها البعض لتخدم فكرة العمل الفني.

كيف يحضر المكان والبيئة في صياغة أفكارك ومن ثمّ اللوحات؟ وكيف تصهر الخاص في العام وتجانسه؟

البحث في تفاصيل تكاوين المخيم يوحي إليّ بالكثير من الأفكار، التفاصيل في حياتنا ننساها عندما نعتاد عليها، لذلك قررت أن لا أعتاد هذه التفاصيل وإعادة صياغتها من منظوري الخاص لأعيد مقارنته مع المنظور العام.

باختصار أنا جزء لا يتجزأ من العام ولكن بمنظور مختلف قليلاً.
 


ماذا عن طقوسك الخاصة بالرسم؟ ومن ثم ما هي الأشياء الأكثر حميميّة وإلهاماً لك في الواقع؟

أحب المحترف كثيراً ومراقبة الناس وتصرفاتهم العفوية وانفعالاتهم، وهذا يساعدني كثيراً في فهم نفسي أولاً ومن ثم الآخرين من حولي. وأجد في ذلك مخزوناً هائلاً من الأفكار.

سؤالي الأخير، ما الجديد الذي أضافته أعمال عبد الرحمن قطناني التشكيلية بخصوصياتها الفنية، الجمالية، المتفردة، إلى التشكيل الفلسطيني خاصة، والعربي عامة؟

بصراحة لا أعلم، أنا أحاول أن أقدم ما أستطيع من أفكار وأعمال، عسى أن تكون حلقة تضاف إلى حلقات أخرى نحو التحرر الفكري، التحرر الشخصي، ومن ثم الحرية العامة والخلاص من الاحتلال.