"لا يُذكرون في مجاز" لهدى حمد: التخييل الغرائبي

2023-02-01 09:00:00

إنَّ رواية هدى حمد "لا يذكرون في مجاز" تقوم بنيتها على التخييل الغرائبي، كأنها أحلام، رؤى، كوابيس. فتذهب الروائية في رحلة سرمدية إلى الماضي السحيق، لتحكي عن بطش المستبدين بشعوبهم دون خوف، هو الاحتماء بالأساطير حيث تتنفس الشعوب المقموعة بهواء الحرية.

في عملها الروائي الأحدث "لا يذكرون في مجاز" الصادر مؤخراً عن دار الآداب في بيروت 2022، تضعنا الروائية العُمانية هدى حمد في نهر من المعاني والدلالات وهي تفكُّ منظومة الجهل الممنهجة في قرية مجاز التي تستغرق حاضر ومستقبل من يقرأ، والذي عليه أن يبقى خائفاً وجلاً طائعاً خاضعاً لأوامر سلطاتها. هدى حمد تأخذنا من الواقع حيث تسرد لنا روايتها إلى الخيال؛ عن قرية فاسدة، فالتخييل، فالعودة إلى الواقع.

حكايات تبدو خرافية، أو هي كما الخرافة تذكرنا بالأساطير. إنَّ مَنْ يقرأ، من يتعلم العِلمَ في قرية مجاز سيجلب عليها الجوعَ وتجف المياه إن في السماء أو الأرض، بل إن الأطفال سيولدون مشوهين، والموت يحصد من يحصد من الناس والحيوان والزرع والضرع، ونحن مع رواة يروون؛ بثنة تروي لصفيراء مقلبة القلوب، والخبابة تروي لبثنة وصفيراء، والضحاك سيترأس الرواة ويروي عن من تمَّ كمُّ أفواههم، عن المنسيين في مجاز، عن جَدَّةٍ تحب حفيدتها ذات الخبرة في العلاج الشعبي، ولكن منذ قال الأبُ للجدَّة: أنت تمارسين الخرافة المحرَّمة. يهجرها الجميع. 

في الرواية سنقع على جدتين، بثنة الثائبة التي ماتت من مئات السنين والتي في الماضي، الزمن الذي ولّى فتخبرنا عن أحداثه برسائل عن الجدَّة التي في الحاضر؛ إلى الحفيدة. وما بين الجدتين سنرى سلطة قهرية تهيمن على مجاز، سلطة تمارس النفي والإقصاء لمن يفكر بتغيير واقعه الشخصي فكيف بالعام؟. كيف بقرية تتحول إلى زنزانة انفرادية لكل من يعصى ويخالف أوامر سيد الحصن، عُصاة، مارقون ولكنهم مُدهشون، إنهم أصحاب نظرية فكرية، نظرية هدم الجهل بالعلم ولو كلفهم السجن أو الموت، لأنهم لا يكفون عن القراءة التي حرَّمها السيد الحاكم المطلق. الروائية هدى حمد في "لا يذكرون في مجاز" تذكر، تسرد ستة حكايات، حكاية أغرب من أخرى. وفي كل حكاية يُضبط مجرمٌ بتهمة القراءة فيُرسَل بأمر السيد إلى جبل المنسيين في قرية مجاز. والمنسيون هم المُعاقبون بالموت في الحياة بسبب خرقهم قانون منع القراءة، فقرأوا، وأن القراءة تُحدث رجَّاتٍ عنيفة في الدماغ، وتكسر كل السياقات المترابطة بالجهل والتخلف. بل وأنها تأخذ بالقارئ الذي يقرأ الكتاب من الهدوء حيث يخزِّن العلم الذي يقرأه ومن ثم يتشرَّبه إلى الانفجار؛ حيث ينفجر في عنفٍ هجومي على السيد ومساعده، وهذا ما يخافه ويخشاه فاحتاط لذلك السجن، السجن لمن يقرأ.

هدى حمد تهزأ وبمخطط حسي حركي رسمته لروايتها من تلك العلاقة بين سيد الحصن وسكَّانه، بين تلك العلاقة الصارمة والقاسية من السيد الذي يرى أن الحرية وحش، وأن الناس في حصنه، جمهوريته، مملكته، ماخوره، إنما هم رهائن، أو، أو فارون من العدالة. مثل هذا السيد، سيد الحصن ماهو إلا ديكتاتور. يؤخذ على الروائية هدى حمد أنها لم تحرك الحس الانتقامي لدى من (قرأوا) فَسُجِنوا، وأنهم حين هُدمَ الحصن السجن فلن يكتفوا بقتل السيد ومستشاره ومعاونيه مرةً أو مّرَتين.

إنَّ رواية هدى حمد "لا يذكرون في مجاز" تقوم بنيتها على التخييل الغرائبي، كأنها أحلام، رؤى، كوابيس. فتذهب الروائية في رحلة سرمدية إلى الماضي السحيق، لتحكي عن بطش المستبدين بشعوبهم دون خوف، هو الاحتماء بالأساطير حيث تتنفس الشعوب المقموعة بهواء الحرية. فتحكي وتحكي ما يدهش وما يثير القارئ، فتتوالد الحكايات، حكاية من حكاية، حكاية ثنان الغاشي، حارسة العين، الخيول العجائبية، المقايضين، صراع الثيران، وغيرها. 

الروائية هدى حمد  في روايتها هذه تنبش في ذاكرة قريةِ خيالها، قريةٌ خيالية فاسدة ليس كما القرى والمدن الفاضلة، وكأنها تحكي لنا حكايات سحرية من كتاب الخوف والموت والجنيات والأشباح، فتنزع قشرة الجهل والجُبن عن العقل فيتشجَّع على الثورة على سيِّد الحصن ومستشاره الذي يحكم القرية بالحديد، معوِّلةً على الجدَّة "بثنة الثائبة" التي تحرِّض على التمرد والعصيان حين تساعد على قتل الساحر (حبين) فيهدم الحصن ويسقط السيد ومستشاره. 

رواية "من لا يذكرون في مجاز" لهدى حمد (من مواليد 1981)، والتي صار في رصيدها الحكائي من الروايات والقصص: "نميمة مالحة (2006)"، "ليس بالضبط كما أريد (2009)"، "الأشياء ليست في أماكنها (2009)"، "الإشارة البرتقالية (2013)"، "التي تعد السلالم (2014)"، "سندريلات مسقط (2016)"، "أنا الوحيد الذي أكل التفاحة (2018)"، "أسامينا (2019)". وفيها إذ تستعين بالأسطورة لتمرر آراءها بالسلطة الأمنية، فإنما لتكسر الحواجز والأسلاك الشائكة، وتدك حصون هذه السلطة، ودون أن تستغني عن العلم والفلسفة.