"عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم"... الأولوية لدعم المواهب السينمائية العربية الواعدة

2022-07-31 20:00:00

من الجلسات والورشات

الجميل والخاص بمهرجان عمّان أنه مهرجان فيه فقط الأفلام الأولى، وهذه الأفلام تكون دائماً أفلام منجزة بحماس وحاجة معينة لتحقّق. والممتع أنّ هذه الأفلام التي نحضرها فيها هذه الطاقة الخاصة بأول فيلم، وفيها تجارب جداً مختلفة تعرفنا على مواهب جميلةً، فكان المهرجان شيق جداً من هذه الناحية. 

يُعدُّ "مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم" الذي شهدته العاصمة الأردنية في الفترة ما بين ٢٠ و ٢٧ تموز/ يوليو الحالي، المهرجان السينمائي الأول الذي يسلط الضوء على الإنجازات الأولى في صناعة الأفلام، وجاءت تيمة الدورة الثالثة "أول فيلم أول حب" بعد عامين من القيود التي فرضتها جائحة كورونا. 

منذ تأسيسه، يولي المهرجان اهتماماً كبيراً إلى الجانب المهني المعني بدعم صناع الأفلام الموهوبين، وهو "يركّز على السينما العربية والمواهب الهائلة التي تمتلكها في المغرب العربي وبلاد الشام والخليج والقرن الأفريقي، نأمل أن نساهم في دعم هذه الأصوات وصانعي الأفلام الناشئين." بحسب ما جاء على لسان السيدة ندى دوماني، مديرة مهرجان.

بيئة حاضنة للحراك الثقافي والإبداعي

انطلاقاً من الاهتمام البالغ الذي يوليه المهرجان للمواهب السينمائية العربية الواعدة، التقت "رمان" بمريان ناخو، منسقة العلاقات العامة في المهرجان، وسألتها بداية عن الجديد والمختلف الذي تحمله لنا هذه الدورة الثالثة لمهرجان عمّان السينمائي عن الدورتين السابقتين؟ ولماذا رأت الهيئة المنظمة أن تتم إضافة تيمة "أول فيلم أول حب"؟ فقالت إن المهرجان هذا العام قدم دورة مميزة انطلقت من السجادة الحمراء بحفل الافتتاح الرسمي الذي أقيم في 20 من الشهر الجاري، خاصة أنّ الدورتين السابقتين تم تنظيمهما بظروف استثنائية جراء جائحة كورونا. هذه الدورة تضمنت 49 فيلماً كلها إنتاجات حديثة تعرض لأول مرة في الأردن فكانت فرصة مميزة للجمهور حتى يطلعوا على هذه التشكيلة والمجموعة الواسعة من الانتاجات الحديثة من حول العالم ومن العالم العربي أيضاً. بالنسبة لما هو جديد ومميز؟ المميز هو قيمة المهرجان نفسه لأنه المهرجان الوحيد في المنطقة العربية الذي يركّز ويسلط الضوء على الأعمال الأولى المحلية والعربية والدولية، والأعمال الأولى في صناعة الأفلام، فاعتقد أن هذا هو المميز في المهرجان. وهذه السنة أثبتت استمرارية المهرجان التي ستساهم كما نأمل في ترسيخ مكانته على خارطة المهرجانات السينمائية العربية.

أما عن قيمة ودلالة تيمة المهرجان في دورته الأولى "أول فيلم أول حب"، أشارت مريان إلى أنّ "أول فيلم" لها دلالات عدة أولها هو أنه مهرجان سينمائي دولي في الأردن، بمعنى أنه أول مهرجان سينمائي يحمل مقومات المهرجان الدولي والذي تحتضنه العاصمة عمّان في المملكة. أيضاً "أول فيلم" لها دلالة أنه المهرجان الوحيد في المنطقة العربية الذي يركّز على الأعمال الأولى في السينما، ويحتفي بصنّاع هذه الأفلام. أما بالنسبة لتيمة "أول حب"، فهذا العام تم اختيار هذه التيمة لأنه بعد دورتين تم عقدهما بظروف استثنائية بسبب الجائحة، عملنا هذا العام مع عودة العلاقات بين الناس لمجراها الطبيعي بعد انقطاع طويل، على أن تكون دلالة "أول حب" هي التعبير الحقيقي على حب الجمهور للسينما التي كانت مهددة بالخطر في وقت تفشي فايروس كورونا، ونأمل أن يدوم حب السينما، وأن ترجع السينما وتأخذ مكانتها من جديد بين الناس، ويجمعهم حب السينما.     

وعن رؤية المهرجان في خلق فرص رحبة للمواهب السينمائية الأردنية والعربية الواعدة، حدثتنا مريان عن أبرز السياسات التي وضعتها الهيئة المشرفة لإنجاح هذه الرؤية. قالت:

بداية لا بد من القول أننا لا نحب التعريف بالمهرجان أنه "مهرجان سجادة حمراء"، نعم انطلقنا هذا العام من السجادة الحمراء، ولكن هو مهرجان يركّز على المحتوى وعلى جودة الأفلام  التي يتم عرضها، وعلى حرص المهرجان أن يتيح فرصة للجمهور الأردني أن يشاهد مجموعة منتقاة بعناية من الإنتاجات المحلية والعربية والدولية الحديثة. ومن رؤية المهرجان أيضاً التركيز على الجمهور لأننا نؤمن أنّ أساس وجود المهرجان هو الجمهور ودعم الجمهور، ونتأمل أنه كان هناك تفاعل كبير من الجمهور في هذه الدورة وأن يستمر في الدورات المقبلة. كذلك ترتكز رؤية المهرجان على الجانب الفني وبرمجة عروض المهرجان بعناية على أن لا يكون فقط مهرجان يعرض أفلام ولا يتعدى ذلك، وإنما يكون مهرجاناً يولي اهتماماً خاصاً بصناعة الأفلام ودعم المشاريع السينمائية الأردنية والعربية. وانطلاقاً من هذا الحرص تم تنظيم أيام عمّان لصنّاع الأفلام في إطار الدورة الثالثة، وطبعاً تم تنظيمها في الدورتين السابقتين، ولكن هذا العام تم تنظيم الأيام بشكل وجاهي بشكل كامل، وتضمنت سلسلة من ورشات العمل والندوات والنقاشات مع مهنيين وخبراء سينمائيين أردنيين وعرب وأجانب في مواضيع تتعلق في صناعة الأفلام، ومواضيع ملحة في المجتمعات العربية، وتم حضورها بشكل مميز من الجمهور المحلي ومن العاملين في صناعة الأفلام. والأكيد أنّ المهرجان يسعى لخلق حالة ثقافية مجتمعية، وأن يكون بيئة حاضنة للحراك الثقافي والإبداعي في الأردن.   

وتطرّقنا في نهاية حديثنا معها عن أيام عمّان لصنّاع الأفلام في هذه الدورة. أشارت إلى أنه تم في ختام هذه الأيام منح جوائز لمشاريع في فئتي التطوير و ما بعد الإنتاج، وهي المشاريع التي تحتاج إلى دعم حتى تصبح أفلام نستطيع رؤيتها على الشاشة الكبيرة في المستقبل. مبينة أن هيئة الإشراف تأمل أن يكون المهرجان من المساهمين في أن تصل إلى وجهتها النهائية وهي عرضها على الشاشة الكبيرة للجمهور في الأردن وحول العالم. وأضافت: من هنا يوفر المهرجان منصات لتسويق المشاريع، ويقدم جوائز تمنح من شركاء محليين وأجانب، وفي هذا السياق تم الإعلان عن هذه المشاريع الفائزة  بالدعم والجوائز في حفل أقيم ليلة الثلاثاء في عمّان. كما كان في هذا العام مبادرة جديدة تمثّلت في القيام بسوق عمّان لصنّاع الأفلام، وكان مساحة تربط صنّاع الأفلام الأردنيين بممولين ومنتجين وشركاء محتملين حتى يقدموا لهم العون والمساعدة لتسويق مشاريعهم والتقدم خطوة إلى الأمام.  

تجارب مختلفة تعرفنا على مواهب جميلة

"رمان" حاورت أيضاً، المخرج اللبناني الشاب نيكولا خوري، صانع فيلم "فياسكو"، وهو من الأفلام الوثائقية الطويلة العربية التي رشحت لجائزة "السوسنة السوداء"، والذي تدور أحداثه عقب رحيل والده وفي مواجهة مع السؤال الذي طالما أرقه لسنوات طويلة، يقرر المخرج الشاب أن يزيح هموم الإجابة عن نفسه لينقلها إلى أسرته الصغيرة عبر حالة من البوح غير المشروط.

وفي بداية حديثنا مع نيكولا سألناه عن مشاركته في المهرجان، وكيف استقبل جمهور عمّان عمله الوثائقي الطويل الأول، فأجابنا: أشارك في هذا المهرجان بأول فيلم وثائقي طويل لي بعد تحقيق عدة أفلام قصيرة. الفيلم بعيد عما يجري في لبنان اليوم، بالعكس إنه يذهب إلى مكان خاص من نوع ثان إذا جاز التعبير، لأنه يرجع إلى أرشيفي وأرشيف عائلتي الخاص، خصوصاً أمي وأختي، ومن خلال هذا الأرشيف نطل على تفاصيل جانب من حياتنا اليومية لاُخبر الجمهور قصة أعرفهم من خلالها على هذه الشخصيات الثلاث (أنا وأمي وأختي)، بنفس الوقت نتناول مواضيع دقيقة وحساسة مثل الوحدة. ويمكن القول إنّ الفيلم يعالج مواضيع كبيرة بطريقة خفيفة وكوميدية. ومشاركتي بمهرجان عمّان كانت فرصة جميلة جداً، فالعرض الأول كان حلو والجمهور تفاعل كثيراً مع الفيلم. وبعد العرض كان هناك نقاش هام مع الجمهور الذي طرح الكثير من الأسئلة. وأعتقد أنه من المهم عرض مثل هذه الأفلام الشخصية من وقت لآخر، لأني أشعر أنه من المهم العودة لأنفسنا وأن نتذكر أحوالنا، من هنا تأتي أهمية الفيلم الذي أنجزته بطريقة جداً عفوية فوصل للناس أسرع. وأعتقد أنه في جانب منه أجاب عن أسئلة كثيرة لي فتلخصت في سبعين دقيقة.

وعن نظرته إلى ما ميّز هذا المهرجان عن غيره من المهرجانات السينمائية العربية بوضع رؤية لخلق فرص رحبة للمواهب السينمائية الأردنية والعربية الواعدة؟ قال:

الجميل والخاص بمهرجان عمّان أنه مهرجان فيه فقط الأفلام الأولى، وهذه الأفلام تكون دائماً أفلام منجزة بحماس وحاجة معينة لتحقّق. والممتع أنّ هذه الأفلام التي نحضرها فيها هذه الطاقة الخاصة بأول فيلم، وفيها تجارب جداً مختلفة تعرفنا على مواهب جميلةً، فكان المهرجان شيق جداً من هذه الناحية. 

"السوسنة السوداء" للجزائر وفلسطين

أعلنت لجان تحكيم "مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم"، مساء الأربعاء، عن أسماء الأفلام الفائزة بجوائز "السوسنة السوداء" في الفئات التنافسية الثلاث، اليوم، في حفل ختام توزيع جوائز الدورة الثالثة في مقرّ الهيئة الملكية الأردنية للأفلام. ومن بين 11 فيلماً متنافساً في فئة الأفلام الروائية العربية الطويلة، منحت لجنة التحكيم المؤلفة من الكاتبة نادين خان والصحافي والناقد السينمائي لوتشيانو باريسونه والروائية والكاتبة الأردنية سميحة خريس جائزة "السوسنة السوداء" لأفضل فيلم عربي روائي طويل، وجائزة نقدية قدرها 20 ألف دولار أمريكي، للفيلم الجزائري "سولا" من تأليف وإخراج وإنتاج الجزائري صلاح إسعاد، ويحكي الفيلم قصة "سولا"، أم عزباء، يطردها والدها من بيت العائلة لتجد نفسها ورضيعها بلا مأوى، تحاول سولا إيجاد مكان آمن فتضطر لقضاء الليلة وهي تتنقل من سيارة لأخرى مع أشخاص عدة، وطوال ليلة مليئة بالأحداث بين شوارع الجزائر، تحاول سولا تغيير مصيرها ولكن للقدر رأي آخر.

وعن فئة الأفلام الوثائقية العربية الطويلة، حصد الفيلم الفلسطيني – السوري "فلسطين الصغرى: يوميات حصار"، من إخراج الفلسطيني عبد الله الخطيب، جائزة "السوسنة السوداء" لأفضل فيلم عربي وثائقي طويل إلى جانب جائزة نقدية قدرها 15 ألف دولار أمريكي، من أصل سبعة أفلام متنافسة. ضمت لجنة التحكيم منتجة الأفلام إيرين شالان والمونتير فيل جندلي والمخرج والمنتج أصيل منصور. 

ويجمع فيلم الخطيب مجمل أحداث مخيم اليرموك التي دارت فيه منذ انطلاق الثورة السورية العام 2011 حتى تهجير آخر ساكنيه منتصف 2018، وقد كان مخرج الفيلم أحد أبطال حصار مخيم اليرموك في سورية، وشهد على مأساة العيش هناك بسبب الحرب السورية التي كانت أشد وطأة على سكان المخيم.

هذا ومنحت لجنة تحكيم الأفلام العربية القصيرة المؤلفة من ممثلة المسرح والسينما كارمن لبّس والمخرج أمير فخر الدين والمنتجة والأستاذة المشاركة وكاتبة السيناريو نادية عليوات جائزة أفضل فيلم عربي قصير وقدرها 5 آلاف دولار أمريكي للفيلم الجزائري "صوت أمي"، لمخرجه مراد حملة، عن الفئة التي تنافس فيها 14 فيلماً قصيراً. في حين حاز الفيلم الأردني "المهمة" من إخراج محمد دباس على التنويه الخاص.

49 فيلماً من 29 دولة تُعرض لأول مرة في الأردن

تضمنت الدورة الثالثة من "مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم"، 49 فيلماً من إنتاج أو إنتاج مشترك من 29 دولة، منها الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة العربية والعالمية والأفلام العربية القصيرة، ومن ضمنها ثمانية أفلام أردنية تضم فيلمين روائيين هما "فرحة" للمخرجة دارين سلام، و"بنات عبد الرحمن" للمخرج زيد أبو حمدان، وستة أفلام قصيرة.

وجميع أفلام هذه الدورة هي إنتاجات حديثة بين عامي 2021 و2022 تُعرض لأول مرة في الأردن، وتتنافس في أربع فئات مختلفة، ويحصل الفائزون على جائزة "السوسنة السوداء"، بالإضافة إلى جوائز نقدية. كما تستضيف الدورة ما يزيد على ١٠٠ صانع أفلام ومنتج وممثل ومهني سينمائي من الخارج الذين ينضمون إلى الأردنيين العاملين في صناعة السينما، من بينهم المخرج المصري يسري نصر الله، والممثل التونسي ظافر العابدين، والممثل والمخرج اللبناني جورج خباز، والممثل الفلسطيني أشرف برهوم.

ومن الأفلام الروائية الطويلة العربية التي رشت لجائزة "السوسنة السوداء"  فيلم "فرحة" للمخرجة الأردنية دارين سلام، وفيه تحملنا سلام - من وحي قصة حقيقية - في رحلة محفوفة بالمخاوف والهلع لأحداث النكبة الفلسطينية في العام 1948.

تنطلق الأحداث في فلسطين ما قبل النكبة وفي قرية صغيرة، حيث نعاصر تلك الحقبة بكل تفاصيلها من حيث الديكور والملابس واللهجة، وحتى روتين الحياة اليومية وأجواء الأسرة. فيما بطلة الفيلم "فرحة" ذات الـ14 ربيعاً تنتقل في الأرجاء بين عائلتها وأقرانها بسعادة غامرة، في سعي لإقناع والدها (أشرف برهوم) عمدة القرية بأحلامها التي ترويها لصديقتها "فريدة" بمتابعة دراستها، بينما يسعى هو لتزويجها، لكنها تنجح في مساعيها. ويتناول الفيلم أيضاً طفولة الفتيات، وتركز محادثتهن على رغباتهن في المستقبل، وتعيدهن القنابل إلى الواقع، ما يجبرهن على أن يكبرن بالعمر في غمضة عين.

ورغم أنّ "مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم" لا يزال في بداياته إلّا أنه يشهد تطوراً في كل عام، مثلما يقدم مزيداً من الفعاليات ويستضيف المزيد من الضيوف من الوطن العربي والعالم.