راهن الشريط المصور العربي في "دار النمر" 

2021-12-12 12:00:00

راهن الشريط المصور العربي في

وحول المواضيع التي طرحتها المجموعات المشاركة في المعرض، يمكننا أن نلاحظ أن محلية الأزمات السياسية والاجتماعية هي التي سيطرت على المعرض، واستطاع النقد أن يكون لغة التعبير الجوهرية التي يعبر من خلالها الفنانون عن واقعهم الذي يبحثون من فيه عن انتصار للحريات والعدالة الاجتماعية،

افتتحت "دار النمر" في بيروت معرض "الشريط المصور العربي اليوم" في 7 تشرين الأوّل ليستمر حتى 18 كانون الأوّل، بإشراف القائمين على المعرض، لينا غيبة مديرة هذه المبادرة، وجورج خوري، وتنظيم "مبادرة معتز ورادا الصواف للشرائط العربية المصورة" في الجامعة الأميركية، وتنظيم من المعهد الثقافي الفرنسي في لبنان بالتعاون مهرجان "ليون" للشرائط المصورة في فرنسا، ويستضيف المعرض أكثر من خمسين فناناً وفنانة من مختلف الدول العربية، ليكون المعرض محاولة لتوثيق حركة الشريط المصور العربي الحديثة التي تعنى فقط بالراشدين، والتي تسلط الضوء على أعمال فنانات وفنانين يحاولون رصد مجتمعاتهم وحياتهم السياسية.

ولو اقتربنا قليلاً من جدران المعرض لأدركنا أن الفن الذي يطرح الأسئلة ويسعى نحو الأجوبة لا يقف على هامش الأحداث السياسية والاجتماعية خاصة في واقعنا العربي المعقد، بل من الضروري أن يكون ضمن سياق التغيير الذي يسعى إليه المجتمع، وأداة كشف حقيقية يمكن من خلالها فهم احتمالات العيش وصعوبته، ومن بين هذه الفنون التي تطورت في العقد الأخير يعتبر الشريط المصور العربي من أكثر الفنون التي أنضجت تجربتها من خلال الممارسة وإعادة قراءة الواقع، ومن خلال تكريس مجموعات عمل استطاعت أن تعبر عن مضامين عمل جماعي وفردي يمكن من خلالها فهم مشاكل واقعنا السياسي والاجتماعي بل والتعبير عنه من خلال لوحات تتداخل بهدوء ضمن نسق البحث عن أسئلتنا الشخصية وجوهر أزماتنا السياسية، ولو تأملنا قليلاً تاريخ الشريط المصور العربي من السهل أن ندرك أن الشريط المصور العربي خاصة للراشدين كان عبر التاريخ فناً هامشياً جداً لم يلق ذلك الاهتمام من دور النشر ومن القائمين على الفنون بشكل عام، ولكن الممارسة اليومية والعمل الجماعي وانفتاح آفاق التمكين الثقافي والفني نقلت الشريط المصور من الهامش إلى المركز وأكدت على أهمية دراسة هذا الفن كونه يعبر عن حياة نعيشها بلغة بسيطة تتسع لكل ما نريد أن نقوله.

من الفنّانين والمجموعات المشاركة في المعرض: "مختبر 619"، و"السمندل"، و"حلال"، و"حبكة"، و"فنزين"، و"جراج"، وتوك توك"، و"سكف كف"، مجموعات من دول عربية مختلفة من مصر إلى تونس والمغرب وسوريا وحتى لبنان، شكلوا من خلال عملهم أهم تطور حدث في تاريخ الشريط المصور وهو انتقال الفنان من العمل الفردي إلى العمل من خلال مجموعات تتبادل الخبرات اليومية وتراكم التجارب السياسية والاجتماعية، فهذه المجموعات التي خلقت مع بداية الثورات العربية شكلت الشريط المصور الحديث الذي صاغ خطابه من خلال النقد السياسي والاجتماعي، والتطلع لحريات أكبر وعدالة اجتماعية أوسع يمكن أن تشمل مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، كما يقول الباحث الجامعي المختص في الشريط المصور جورج خوري لـ "رمان الثقافية": "إن الأساس لهذه الشبكة من التجمعات التي شكلت الشريط المصور العربي الحديث انطلقت مع بداية الثورات العربية، وانتقلت من بلد إلى آخر من خلال تبادل التجارب ضمن مجموعات مستقلة حاولت أن تخلق تواصلاً في ما بينها ليدعم الفنانون والفنانات ويساعدوا بعضهم بعضاً، وهو الذي كان أساساً لهذه الحركة الجديدة، ولأن هؤلاء الشباب كانوا بانتظار فرصة ليعبروا عن أنفسهم وجدوا في الشريط المصور الخطوة التي يمكن أن يتجرؤوا فيها ضمن نطاق واسع للتعبير عن الواقع". 

وحول المواضيع التي طرحتها المجموعات المشاركة في المعرض، يمكننا أن نلاحظ أن محلية الأزمات السياسية والاجتماعية هي التي سيطرت على المعرض، واستطاع النقد أن يكون لغة التعبير الجوهرية التي يعبر من خلالها الفنانون عن واقعهم الذي يبحثون من فيه عن انتصار للحريات والعدالة الاجتماعية، مع مواجهة قوالب المجتمع الجاهزة ومحاولة كسر اللغة الجامدة التي تصدرها السلطات السياسية والاقتراب من الحقيقة أكثر، ومثل باقي الفنون فقد خرج الشريط المصور العربي من اللغة الخطابية ومن مواضيع الوحدة العربية والقومية العربية، ليكون فناً محلياً جداً تركز فيه كل مجموعة على مواضيع البلد الذي انطلقت منه، فيمكننا أن نلاحظ في مصر اللهجة الشعبية التي اعتمدها الفنانون والمواضيع القريبة من الشارع المصري، وهذا عكس ما عملت عليه مجموعة "سكف كف" المغربية التي ركزت على المحلية ولكن بأسلوبها الخاص الذي لا يشبه أبداً باقي المجموعات، ولكن المشترك الوحيد في المواضيع هو قدرتها على قراءة الواقع وفهمه بشكل جيد لإنتاج فن حقيقي يعبر بمضمونه عن حالة عامة، أما هاجس القضية الفلسطينية في الشريط المصور العربي فهو يشكل القضية الوحيدة المشتركة بين جميع المجموعات، وهنا تكمن المفارقة التي أظهرت الشريط المصور العربي كفن يعيد فهم مضمون العمل السياسي والثقافي، ويضيف جورج خوري حول المواضيع التي عملت عليها المجموعات وخصوصية كل تجربة: "نرى في الأعمال المشاركة، المحلية التي تعبّر عن وضع سياسي اجتماعي خاص يمثل كل بلد، أغلب المواضيع تكون عن الجنس وحرية المرأة والضغوط السياسية والبحث عن أداة تعبير حرة يمكن من خلالها تكريس مفاهيم الحريات بشكل أكبر، ولكن القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي شاركوا فيها بشكل كبير، وللحقيقة هي القضية الوحيدة ضمن نطاق القضايا العربية الجامعة في فن الشريط المصور العربي عموماً، وبهذا الحجم كانوا محليين جداً بحيث حللوا الخطاب الشمولي الإيديولوجي ليبقى منه الجوهر وهو القضية الفلسطينية".

منذ أول شريط مصور عربي نشرته مجلة "الأولاد" في مصر عام 1923 وحتى اليوم مر الشريط المصور العربي بالكثير من التحديات، وبلورت التجارب السياسية والاجتماعية مضمون الرسالة التي يحاول التعبير عنها، ويمكن أن نرى في معرض "دار النمر" اليوم هذه التجربة بشكل كامل، خاصة أنها تأثرت بمضمون التغيرات الاجتماعية التي حدثت في الوطن العربي، ويمكن أن يوثق معرض الشريط المصور اليوم حركة هذا الفن في صورة كبيرة نرى فيها كيف انتقل فن "الكوميكس" من الهامش إلى المركز ضمن الفنون التي تحاكي الواقع وتعمل على تغييره.