نزار عيون السود: على المترجم أن يعيش أفكار المؤلف وحالته النفسية

2020-05-14 16:00:00

نزار عيون السود: على المترجم أن يعيش أفكار المؤلف وحالته النفسية
من صفحة جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي

يعدُّ الكاتب والمترجم السوري الدكتور نزار عيون السود (75 عاماً)، الحائز على "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي"، في دورتها الخامسة (الدوحة/ 2019)، عن كتاب «ليس للحرب وجه أنثوي» للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفيتش (نوبل 2015)، أحد أهم المترجمين السوريين والعرب، الذين انشغلوا بنقل روائع من الأدب المكتوب بلغة دوستويفسكي إلى لغة الضاد، ليكون في رصيده الإبداعي اليوم أكثر من خمسين كتاباً مترجماً.

في حوارنا مع صاحب «القصة القصيرة الروسية الساخرة»، الذي آثر لسنوات طويلة الابتعاد عن الأضواء، مشتغلاً بشغف وهمة عالية على مدار عقود خمسة في حقل الترجمة، تحاول "رمان" اكتشاف صنعة الترجمة وآلياتها وإشكالياتها، وكذلك التعرف على تفاصيل مشروعه الإبداعي.. 

بداية، ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

أترجم الآن كتاب «دراسات نقدية حول أدب تولستوي» لناقد روسي معروف. أما آخر ترجماتي منذ العام 2016 فهي: «ليس في الحرب وجه أنثوي» للصحافية والكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش الحائزة على "جائزة نوبل للآداب" عام 2015. وكتاب «القصة القصيرة الروسية الساخرة»، الذي صدر في طبعتين، طبعة موجزة وطبعة موسعة، لأنّ الكتاب من إعدادي وتجميعي وتقديمي، وهو يضم مجموعة رائعة من القصص القصيرة الروسية الساخرة من عصور مختلفة، وبخاصة في المراحل الانتقالية (1920-1930، و1985-1995)؛ وكتاب «شخصية دوستويفسكي» وهو كتاب هام يقع في 900 صفحة للناقد الأكاديمي بوريس بورسوف، وصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب التابعة لوزارة الثقافة في دمشق، وسيصدر قريباً في طبعة ثانية.

كذلك ترجمت كتاب «زمن مستعمل- نهاية الإنسان الأحمر»، وهو أيضاً من تأليف سفيتلانا أليكسييفيتش؛ وكتاب «كل جيش الكرملين- موجز تاريخ روسيا المعاصرة». 

ما هي دوافعك لترجمة «ليس للحرب وجه أنثوي» و«زمن مستعمل - نهاية الإنسان الأحمر» لـ ألكسييفيتش؟

أهمية هذين الكتابين البالغة، وبخاصة في هذه المرحلة، حيث يتم استخلاص العبر من التجربة السوفييتية. ترجمة هذين الكتابين تمت عن طريق عرض من قبل الناشر. عرض عليّ الكتابين. بعد قراءتي لهما واقتناعي بأهميتهما الفكرية والأدبية والسياسية للقارئ العربي، وافقت على ترجمتهما.

من منظورك، الترجمة مهنة أم هواية؟ من ثمّ أسألك عن مؤهلات المترجم الناجح؟ 

بالنسبة لي، الترجمة هواية، فأنا أستاذ جامعي مارست التدريس في كليات التربية بجامعة دمشق وفي عدد من جامعات الوطن العربي، واختصاصي هو علم النفس الاجتماعي. بيد أنّ الهواية قد تطغى على المهنة، وخاصة بعد الإحالة على التقاعد. أما مؤهلات المترجم الناجح، فبالإضافة إلى المعرفة الممتازة للغتين المترجم عنها والمترجم إليها، وتذوق الأدب، وتذوق المادة المترجمة، الميل إلى الترجمة والشغف بها وتذوقها. وهذا ينبع بالأصل من الميل إلى اللغات. وقد كانت تجربتي الأولى في الترجمة عن الفرنسية، عندما كنت مراهقاً في الصف الحادي عشر، حيث ترجمت قصيدة صغيرة للشاعر الفرنسي الكبير جاك بريفير بعنوان «من أجلك يا حبي» ونشرتها في مجلة "الخمائل" الأدبية الحمصية في عام 1962.

كيف تختار الكتب التي تعمل على ترجمتها؟ هل تعتمد على نهج محدد أم وفق مزاجك الشخصي أم ما يقترح عليك من قِبل الناشر؟

اختيار الكتب للترجمة يتم بعدّة طرق: الحصول على الكتب التي أسمع بصدورها، والتي أقدّر أنها مناسبة للترجمة، ومفيدة للقارئ العربي، أو عن طريق تكليف ناشر، أو مؤسسة، بعد اطلاعي على الكتاب واقتناعي بأهميته وفائدة ترجمته للقارئ العربي، ومناسبته لذوقي واختياري.

كما أرسم خطة لنفسي أحياناً لترجمة كتب معينة أرى ضرورة ترجمتها، وأنتظر الفرص المناسبة لتنفيذ هذه الخطة.

من خلال تجربتك، ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟

جميل جداً أن يكون لدى الكاتب أو لدى المترجم مشروع يعمل على تحقيقه. هذا يشكل بالنسبة له مرشداً ودليلاً في مساره الإبداعي كتابة أو ترجمة.

طبعاً، ظروف الحياة وظروف الكاتب أو المترجم قد تتدخل وتدخل فيما بعد تعديلاتها على هذا المشروع، وبالرغم من ذلك، فمثل هذا المشروع، برأيي مفيد، ويقوم بدور الدليل أو نقاط العلام في مسيرة المترجم أو الكاتب الإبداعية.

هنا تعود بي الذاكرة إلى صديقنا المفكر الكبير المرحوم الطيب تيزيني، فقد كان لديه مثل هذا المشروع وبقي في ذهنه زهاء ثلاثة عقود، حيث بدأه بكتابه «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط» في عام 1970، وتتالت مؤلفاته ضمن هذا المشروع فصدر له «من التراث إلى الثورة حول نظرية مقترحة من التراث العربي» (الجزء الأول) عام 1976، ثم نشر عام 1980 كتاب «فيما بين الفلسفة والتراث»، وفيما بعد أدخل تعديلات كثيرة على مشروعه هذا.

بعد رحلتك الطويلة في حقل الترجمة، ما هو السبيل إلى الحفاظ على جماليات النص وتجنب الوقوع في فخ ما يطلق عليه "خيانة النص"؟ 

يجب أن يعيش المترجم أفكار المؤلف وحالته النفسية عند كتابته للكتاب الذي يترجمه المترجم، وأن يتماهى معه، بكل معنى الكلمة، بأن يضع نفسه مكانه، وأن لا يترجم الكلمات فحسب بل يترجم ما وراءها، أي أفكار المترجم التي يبثها أحياناً بصورة غير مباشرة ما بين السطور. وعلينا أن نتذكر أنّ الترجمة عملية إبداعية، هي عملية إعادة خلق للنص الأصلي بلغة أخرى، وليست عملية نقل، لأنّ ما كتبه المؤلف كان عملية إبداعية، وترجمة عمله يجب أن تتم بطريقة إبداعية. وقد كان رائدي في ذلك الأستاذ والمترجم الكبير الدكتور سامي الدروبي الذي تربطني وإياه أشياء كثيرة، والذي استطاع أن ينقل للقارئ العربي روح دوستويفسكي رغم أنه نقله عن لغة ثانية وليس عن اللغة الأم. كل هذا يتطلب من المترجم معرفة الكاتب الذي يترجم له معرفة جيدة، ومؤهلات عديدة تسمح له بتحقيق هذه المعادلة، وتجنبه الوقوع في هذا الفخ. 

إلى أيّ حد تتدخل في تفاصيل العمل المترجم؟ وكيف يمكن للمترجم الحفاظ على المستويين اللغوي والأسلوبي للغة الأصل خلال عملية الترجمة؟

أحافظ قدر الإمكان على تفاصيل العمل الذي أترجمه بما يتناسب مع قواعد اللغة العربية وأسلوب الكتابة العربية. 

يمكن للمترجم المحافظة على مستوى لغة الكاتب وأسلوبه خلال عملية الترجمة، من خلال إتقانه الجيد للغتين وأساليبهما الفنية، ومعرفته الممتازة لأسلوب الكاتب وطريقته في الكتابة الأدبية، بأن يخلق جواً أدبياً مماثلاً لجو العمل الذي يترجمه.

ما هي أصعب التحديات التي تواجه مترجم الأدب الروسي إلى العربية؟

من بين التحديات التي تواجه مترجم الأدب الروسي إلى العربية يمكن الإشارة إلى الكلمات والتعابير والتسميات المحلية الروسية القديمة، والكلمات المستحدثة المقتبسة من اللغات الأجنبية، وبعض المصطلحات الجديدة، وكذلك لغة الأدباء الكلاسيكيين الكبار مثل بوشكين ودوستويفسكي وتولستوي. وأحياناً أسماء الحيوانات والنباتات الروسية الغريبة وغيرها من الأسماء المحلية غير المعروفة في البيئة العربية.

كيف ترى الترجمات عن لغات وسيطة؟

الترجمة عن لغة وسيطة غير مستساغة عموماً، وغير مفضلة إلا عند الضرورة. هذا بشكل عام. ولكن هناك استثناءات نادرة جداً. ولعل أحد هذه الاستثناءات تتمثل في المرحوم الدكتور سامي الدروبي.

إنّ حالة الدروبي فعلاً هي حالة استثنائية بكل معنى الكلمة. فالقدرات الخارقة لهذا الإنسان العلامة باللغة العربية واللغة الفرنسية. لقد كان سامي الدروبي يعيش دوستويفسكي وأفكاره، وهو كما نعرف دكتور في علم النفس، حتّى أنّ زوجته اشتكت مرة للسفير الروسي وقالت - على سبيل المزاح - إنّ دوستويفسكي ضرتي -فهو يجلس معه أكثر مما يجلس معي. وقد كانت ترجمته للأعمال الكاملة لدوستويفسكي رغم أنها عن الفرنسية لكنه اتّخذ جميع أساليب التدقيق لكي تعبر أفضل تعبير عن لغة دوستويفسكي الأصلية.

هل ثمّة كتاب، كنت تتمنى ترجمته ولم تفعل؟ وهل هناك كتاب ما ندمت على ترجمته، ما هو ولماذا؟ 

كنت أتمنى ترجمة كتاب «يوميات كاتب» لدوستويفسكي، والذي بقي مشروعاً في ذهني لمدة 10 سنوات وعندما صممت وباشرت، علمت أنّ زميلاً وصديقاً لي قد باشر ترجمته، ويكاد ينتهي. لم أندم على ترجمة أيّ كتاب ترجمته. 

ماهي الطقوس التي تقوم بها تزامناً عند ممارسة الترجمة؟

ترجمة أيّ كتاب يتطلب مني، شخصياً، عملية تهيئة نفسية، وذهنية، ومادية.

أهيئ نفسي لترجمة الكتاب بتركيز أفكاري حوله، بعد أن أكون قد قرأته أكثر من مرة واستوعبته وتعرفت على الظروف المحيطة بالمؤلف أثناء كتابته له، وأسترجع معلوماتي عن المؤلف وسيرته، وكتبه وإبداعه وأعماله ومراجعه، وأضع نفسي تماماً في جو الكتاب والمؤلف. علماً بأنّ هذه التهيئة تختلف باختلاف الكتاب أيضاً.

ترجمت أعمالاً أدبية كثيرة ونلت جوائز عدّة، أبرزها "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي"، لفئة الترجمة من الروسية إلى العربية عن «ليس للحرب وجه أنثوي» لـِ سفيتلانا اليكسيفيتش. ماذا عنت لك هذه الجائزة؟ وما أهمية وقيمة جوائز الترجمة العربية والعالمية -على قلتها- بالنسبة للمترجمين؟

جوائز الترجمة العربية والعالمية، على قلتها، ظاهرة صحية، وهامة، وضرورية، وتنبع أهميتها من أهمية الترجمة في حياة الإنسان المعاصر كأهم جسر يربط بين الثقافات والشعوب. وقد عنت بالنسبة لي الكثير، لا سيما وأنني أمارس الترجمة منذ أربعة عقود ونيف، وصدر لي حوالي50 كتاباً مترجماً، وعانيت الكثير من حيف دور النشر الخاصة وتعنتها وألاعيبها.

كيف تلقيت نبأ فوزك بها؟

 تلقيت نبأ فوزي بالجائزة بسرور بالغ، فالمكافأة، والتغذية الراجعة والجوائز- دورها عظيم في تشجيع الإنسان المبدع على المثابرة وتطوير عمله، وبالتالي تطوير عملية الترجمة ككل. 

ما هو تقييمك لحركة الترجمة الأدبية في سوريا اليوم؟ 

حركة الترجمة الأدبية في سورية كانت دوماً نشيطة وطليعية، وسوريا كانت من أولى الدول العربية التي اهتمت بالترجمة، وهي اليوم أيضاً نشيطة ومتعددة اللغات. وقد برز عدد لا بأس به من المترجمين السوريين الشباب في العقدين الأخيرين، ولا سيما بعد ازدياد عدد خريجي اللغات لأجنبية، وازدياد الاهتمام بحركة الترجمة من قبل المؤسسات العامة والخاصة المعنية بالترجمة، وتخصيص الجوائز الأدبية للترجمة، وافتتاح المعهد العالي للترجمة في جامعة دمشق.