في التأويل البصري للعزلة

2020-04-15 15:00:00

في التأويل البصري للعزلة
Morning Sun by Edward Hopper, 1952

لعل الرابط الأساس المشترك والعابر بين تلك البنى في الحداثة هو "التواصل"، فالميزة الأساسيّة والتجلي المركزي للحداثة هو التواصل، والتواصل بوفرة. ما يجعل اتفاق كامل تلك البنى الخمسة على جسدنا/أجسادنا في العزلة والحجر والحظر، يتضمن أيضًا إعلاءً من قيمة التواصل، باعتبارها قيمة مركزية؛ بشكلٍ أدق: الحداثة هي موطن الضجيج.

مزج أول: الجسد ومسامه

جلودنا ليست محصنة حتى في هذه العزلة، فنحن لا نملك التحكم في مسامنا متى أردنا، حتى وإن أفرط العقل الحداثي في هذا الإدعاء، باسم الطب والقانون والتقانة (التكنولوجيا)، وغيرها. والآن بجانب كل هؤلاء تترسب الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها الخطابية والأدائية و-حتى- العسكرية على/في مسامنا، ليصبح الامتحان الأساسي لأجسادنا ومسامنا ليس فقط مقدار نفاذيتها الإرادية و/أو القهرية، وقدرتنا التأويلية على حوار تلك النفاذية، لكن الأهم استبطان تلك الدولة داخل أجسادنا وليس خارجها، وتلبسها كجسد آخر لنا، ولكنه جسدٌ قمعي، يأمر فنطيع، يحدد لنا مساحاتنا ومسافاتنا وأشكال علاقاتنا..

صحيح أن جلودنا مراتٍ تتواطأ ضدنا مع كل ما قد يود اختراقها (اختراقنا) لداخلنا، حاملًا رسائله ومعانيه وسمومه، إلا أن فكرة "كيف نمنع ما قد يدخل من خلال مسامنا؟" تستبطن سؤالًا أكثر واقعية وعجزًا: "كيف ندخل نحن من خلالها إلينا؟"

فيروس الكورونا هو الامتحان الأكثر كثافةً وثقلًا على أجسادنا ومسامنا، إلا أن عزلتنا هي مساحة التأويل الجسدي لنا، ولتلك المسافات البين جسدية، والبين تأويلية، ولكل ما سبق؛ سواءً ما أُدخل قهرًا، وما لنا أن ندخله و/أو نخرجه بإرادتنا.

يدفعنا هذا الامتحان الكثيف لمفهوم وأهمية أجسادنا الفردية والجمعية ومسامها ونفاذيتها إلى الحفر قليلًا في مكانة الجسد الاجتماعية والفردية، والتي لا تمتحن فعليًا إلا في سياق حتمية موت هذا الجسد، وهي الحتمية التي تساوي في حالة كورونا بين أطراف العلاقة الثلاثية الجسد والبيت والمدينة.

ولنبدأ بالجسد، أو بالموت...

الموت هو اللحظة الوجودية الأساسية الأولى التي تنبثق منها فكرة الحياة بالأساس، (نذكر هنا أن بعث الحياة من العدم/الموت كان التحدي الأساس للألوهة في المتخيل الديني التوحيدي والدال المتجاوز الوحيد على النبوة). الموت هو تحدي المحسوس الأول للإنسان، وهو الجسد، والجسد هو تمظهر الذات وتجسدها في علاقتها بالعالم وتماسها مع الظواهر فيه. في الواقع لا يمكننا فهم أهمية الجسد إلا من خلال عدسة واحدة هي حتمية الموت/موته. (الدولة الحديثة هي التمثيل المباشر لهذا الفهم).

"الجسد عقلك الكبير، وهذا العقل الصغير الذي نسميه وعيًا ليس سوى أداة صغيرة ولعبة في يد عقلك الكبير. يمكن خلق أفكارك وأحاديثك لكائن أكثر نفوذًا، حكيم مجهول يسكنك: إنه جسدك. "هكذا تكلم زرادشت".

فلنمد أصابع وعينا إلى أجسادنا، ولنتحسس أجسادنا من الجهة الداخلية لجلودنا ومساماتنا، ولنتأمل العالم من تلك الجهة، لنتوقف على عتبة إحدى المسامات: أين تبدأ وأين تنتهي؟ ماذا نرى؟

غرفتنا عزلتنا.

عرينا رؤيتنا.

"في العزلة والحجر أعدت اكتشاف جسدي وبيتي"

لعل تأملات متتالية لأعمال الفنانة الراحلة فخر النساء زيد (1901 – 1991)، تعطينا تلك النافذة، لاعادة اكتشاف مشهد البيت الجسد من على عتبة المسام: في اللعبة البصرية، يتمركز الجسد والبيت على تقابل ندي، على أطراف العزلة، عزلة العين القارئة:


الجسد والبيت يجمعهما قاسم مشترك؛ نميل لأن نتعامل معهما على أنهما مسلّمات باقية ببقاء وجودنا، أو هكذا تبدأ العلاقة مع أجسادنا ومنازلنا، ما أن نحلّ فيهما (آدم أكمل اكتشاف وامتحان جسده القريب من جسد الله في شرطية الخلود واستحقاق السجود من خلال الخطيئة الأولى في نفس اللحظة التي اكتشف فيها الأبعاد الاستعارية والفكرية لبيته الأول؛ وأعني الجنة وبقاءه فيها المشروط بالطاعة العمياء. في المقابل فإن عدم القدرة على تحديد ماهية الجنة واستمرار كونها لعبة مجاز واستعارة وكلام، هو جزء من عدم تحديد شكلانية - ولو خطابية/لغوية لجسد الله.


وجودنا في أجسادنا/مسلماتنا الوجودية الأولى هو وجود مستقر، أو هكذا يقدم نفسه لنا ذلك/ذاك الوجود، إلى أن يخذلنا بموت أو مرض أو شيخوخة أو جرح (وتلك مختلفة عن القابلية الحداثية للانجراح). الأمر ذاته ينطبق على المنزل/البيت والذي تبدأ علاقتنا معه بأننا لا نخرج منه إلا في ظرف إضطراري كحريق أو حرب أو نزاع أو أزمة اقتصادية، تتهدده وتتهددنا.

لعل هذا ما يتضح جليًا في رسومات الأطفال لمنازلهم، بأنها أجساد بأعين وآذان وألسنة، وأحيانًا أطراف.

 

ما يتهدد أجسادنا من فيروس يتهدد منازلنا التي هي بمثابة جلد أجسادنا الثاني (وليس الطبقة الثانية من جلودنا، ذلك أمرٌ آخر!) . فلأجسادنا جلدان، جلد على العالم الخارجي، في الـ"هناك" البعيد القريب، حيث يتماس "الآخر" والعالم مع سطحه، فنعرف به ذواتنا وحدوده، وجلد على ذواتنا يطل في الـ"هنا"، هو الوجه القريب للمسافة البعيدة التي تهجس فيها أرواحنا بما يضج فيها وبها، هي المسافة الرمزية للأنا؛ فيها -مثلًا- يرتع "اسمنا" بما يحمل لنا من خارجنا إلى داخلنا والعكس، هناك تتراتب أسئلتنا الوجودية في مقاعدها بوجاهة طفل، وفوهتها إلينا، وإن أخطأت إلى الـ"هناك".

لبيوتنا أيضًا مسامها وجلودها، فهي أجسادنا الحية. لنتأمل بيوتنا من داخلها، ولنعيد اكتشافها وحوارها، من نسمح له بولوجها وكيف، ومن نرفضه ولمَّ، ما الطاقة الاستعارية لبيوتنا وماذا تقول عنًا، نوافذها شرفاتها، تقسيماتها الداخلية.

"بيتي يقع خارج عمّان، موليًا وجهه دومًا للمطار، يالتواطؤ المجاز!"

 

مزجٌ ثانٍ: العزلة والمدينة والفراغ وحركة أجسادنا

"المدن لا تُعاش إلّا إذا كانت في حاجةٍ إلى تأليف حكايةٍ عنها، أو كانت هي في حاجةٍ إليك لتكمل حكايتها معك"، هكذا تكلم الناقد العراقي ياسين النصير، الذي يضيف: "استثمر ديستوفسكي وغوغول وبوشكين ومالدشتام خراب وتخلّف شارع النيفيسكي في بطرسبورغ، كما استثمر ديكنز خراب المدينة الأوروبيّة".

هل العزل والحجر أعاد إلينا مدننا بشكلٍ ما أو بآخر، أم أنه منحنا الفرصة لإعادة الكتابة عنها؟

جسد ومكان وحركة ونص، تلك هي مكونات العلاقة -علاقتنا- مع مدننا.

يؤكد الفيلسوف الفرنسي صاحب كتاب حول الفراغ إيتيان كلاين أن انطباع الفراغ المديني له "أثر تغييري كامل. هذه الأماكن لا تزال هي نفسها لكن لم نعد نتعرف عليها فالحضور البشري جزء منها (...) وعندما تفرغ يخلف ذلك انطباعًا بأنها منقوصة فطبيعتها الفعلية تحوينا نحن البشر".

 أليس فراغ المدن يحوينا أيضًا؟ أوليس الفراغ هنا هو جزء من سيرورة المدينة وتاريخها، وذاكرة أهلها، بل بات شكلًا من أشكال الممارسة المكانية والمدينية والاجتماعية (مع مراعاة الفارق بين التباعد الاجتماعي والتباعد الجسدي).

فالفراغ (وحواره) هنا أشبه بمكاشفة بنية متخيل بشري جمعي وكيف تشكَّل، عن المدن باعتبارها حكايتنا البشرية الباقية. فراغ تلك المدن ما هو إلا سعي لقراءة تاريخها وتاريخنا من منطلق قامت هي لتقضي عليه: القلق والخوف.

بلاغة هذا الفراغ/مدننا لم تعد مسألة صياغة خطابية.

وذلك المتخيل له أكثر من مواجهة مع الفراغ، فهل استجابتنا للعزل تنبع من فردية كل فردٍ منّا، وحينها يمكننا أن نتسائل عن المسافة الهوياتية والقانونية والفكرية بين الفرد والمواطن، والفرد والمجتمع. أم أن المجتمع واعٍ في ذاته، وهنا يبزغ التساؤل ما تعريف المجتمع، وأين حدوده، وهل سياسات الحظر والحجر واستجابتنا لها هي سياسات ترسيم حدود تعريفية متبادلة وفي نفس الوقت سلطوية؟ 

ميشيل فوكو ونعيُ الفراغ

ذلك ما يمكن مقاربته عند ميشيل فوكو «1926-1984». عزيزٌ هو مفهوم الانفصال ونحن بصدد الفراغ.

الانفصال ليس أكثر من أخذ الفراغ وما فيه من تقاطعات وتوترات واختلالات وانزياحات حيث لا يعود يُنظَر في التاريخ كخطاطة، ومن زاوية ثابتة، وقيمة كلية، أو فردانية مجردة، وتبعاً لذلك نجد أنه من بين النتائج اللافتة في ذلك هو (أن مفهوم الانفصال أصبح يحتل مكانة كبرى في فروع المعرفة التاريخية..)، بلغة أبسط نستعيرها من ريتشارد سينيت: "المدينة هي تجمع للغرباء"، أمّا الفراغ فهو أٌلفتهم/ن!

 دونًا عن كل أعماله عن المدن الفرنية وساحاتها الصاخبة، أثارتني مجموعة لوحات بعنوان "مرسم في البندقية" للفنان الفرنسي راؤول دوفي (1877 – 1953)، وتساءلت ما سر هذا التحول بين رسم المدينة من داخل فضاءاتها المتحركة كجزء من جسدها، ورسمها بعين المراقب، أي نوعٍ من الانفصال هذا، وما خطورة الفراغ المتولد منه؟ 
 


يقول إيتيان كلاين إن هذه الفراغات المدينية "ليست فارغة بل أفرغت. نقول إنها فارغة لأنها تبدو كأنها خارجة من غرضها الأساسي لكنها في الواقع هي مليئة بأشياء أخرى لا نراها كثيراً عندما تكون مليئة".

تلك السردية الجديدة للمدن لم تدرس بالشكل الكافي بما يدفعنا للتنبؤ بصيرورة المدينة وما قد تصل إليه بعد هذه الأزمة. هذه الأسطر لا تدعي أنها قادرة على فعل ذلك، لكنها تنادي بالتأمل في أجسادنا وعزلتنا ومدننا، والأهم فراغنا، وحركتنا بين كل هؤلاء.

فإذا كانت العلاقات الجسدية بالمدينة صُنفت ضمن ثنائيات جدباء بكل تحولاتها؛ الندية، التقابلية والتعددية والواحدية فيما بينها، كبداوة ومدنية، أو استقرار وارتحال أو جبل وسهل أو نهر وبحر، أو عاصمة وغير عاصمة، أو مدينة وقرية أو غيرها، فحركة أجسادنا باتت مركبة، بما لا يجيب على سؤال الحظر والحجر بإجاباتٍ معلبة ضمن ثنائيات (فينومينولوجية) على شاكلة: حرية و"لاحرية" أو حتى "حرية زائفة" (وتلك مقاربة عدمية في ذاتها، ناهيكم/ن عن لا موضوعيتها في فضاء مدينة/جسد مركب ومتشابك)، فنحن لم نعد مدنيين بالقدر الذي يلغي بداوتنا في مدننا، ونحن أيضًا لسنا غجرًا نطفو على سطح المدينة والمكان، ومنها إلى غيرها، ولسنا سجناء أمر اعتقال منزلي، والشاهد تنامي احترامات بعضنا لمؤسسات الدولة التي تواجه الوباء بشكلٍ أفضل.

كل تلك المقاربات للجسد والحركة الفردية والجمعية المكانية والمدينية، كأحداث وسيرورات، بما فيها من مقولات سياسية وفكرية ومادية، لم تعد مفهومة ضمنًا وممارسة بشكلها الحر إلا انتزاعًا، وهو ما يجعل سؤال الدولة وإن استقوى بمواجهة الفيروس/الوباء أضعف مما كان عليه قبله، وذلك في مواجهة الجسد والحركة كمقولات وسيرورات وليس فقط أحداث. 

ثمة سردية ما مقبلة لمدننا وأجسادنا لا يكفي أن نتأملها من مراسمنا المتعالية، كالسيدة في اللوحة!

مزج ثالث: في تأويل الصمت أو رحلة مع غويا

أول العزلة الصمت، هكذا تتلمس الحواس أول عزلتها!

هل هذا صحيح؟

الدولة/المجتمع/الطب/القانون/المدينة

لعل الرابط الأساس المشترك والعابر بين تلك البنى في الحداثة هو "التواصل"، فالميزة الأساسيّة والتجلي المركزي للحداثة هو التواصل، والتواصل بوفرة. ما يجعل اتفاق كامل تلك البنى الخمسة على جسدنا/أجسادنا في العزلة والحجر والحظر، يتضمن أيضًا إعلاءً من قيمة التواصل، باعتبارها قيمة مركزية؛ بشكلٍ أدق: الحداثة هي موطن الضجيج.

يصبح التساؤل هنا مشروعًا: هل الصمت شكلٌ من أشكال العزلة -الحداثية- أم عدوٌ لها؟

يشير علينا مارشال ماكلوهان أن المضمون التواصلي في شقه التفسيري؛ الكلمة (والصوت جزء منها)، بتنا نفهمه أقل فأقل، بالنظر إلى الوسيط التواصلي الوفير حولنا. فالكلمة التي تدعي وسائل التواصل تحريرها تصير غير ذات دلالة من كثرة انغماسها في الوفرة، لتسود كآبة (ما) الكائن التواصلي، المضطر على الدوام لاستعادة رسالة ما من دون أي أثر. فالتواصل كلما امتد ولّد نزوعًا مقاومًا إلى الصمت، لسماع أصوات الأشياء الصغيرة في عالمنا.

لقد عبر كافكا عن ذلك حين قال: "الآن تتوفر حوريات البحر على سلاح أكثر تأثيرًا من نشيدها/ إنه صمتها".

بحسب الأسطورة الأوروبية القديمة Gaelic Myth كانت الحرب والمجاعة، والقدرة على تسجيل/تثبيت/إماتة الصوت والاحتفاظ به، قدرات خاصة بالآلهة. يقول هتلر في "دليل عمل الإذاعة الألمانية" عام 1938: "لولا الصوت العالي، لما تمكنّا من السيطرة على ألمانيا".

في التواصل وأيديولوجيته المعاصرة، ليس ثمة مكان للصمت، أو كما يقول هوبزباوم: "الصمت عدو الحداثة". ثمة إكراه على الكلام وتبادلاته، فالتواصل الحداثي يقدم نفسه باعتباره الحل لكل الصعاب الشخصية والاجتماعية.

الصمت غياب الصوت، احساس ونمطٌ للمعنى، يحيل إلى موقف تبادلي وتأويلي للإنسان وعالمه وذاته. إلا أن المتخيلات الاجتماعية تعاني ازدواجية تجاهه، فهو يعري منظومة قمعها وسلطتها. 

الصمت مساحة ديموقراطية من التلاقي، لا تحرم المعنى من فضاءاته، بل تمنحه مساحتها الأثيرة مستحيلة الرتق، ومن هنا، وياللمفارقة: "لا يمكننا تصوّر عالم لا توجد فيه إلا اللغة، لكن يمكننا تصوّر عالم لا يوجد فيه غير الصمت". (ماكس بيكار) .

في جسد الصمت لا نقع ضحية استحواذات الصوت الجندرية، لا يطل علينا بولس ليقول في العهد الجديد: "على المرأة خلال التربية أن تلزم الصمت بكل خنوع"، في جسد الصمت تحت جلودنا/مسامنا، تضيق الفكرة وتتذوت بعد أن تخرج من مسامنا بالكلام (بلانشو).

الصمت ليس هو الفراغ، إنما الفراغ أحد تأويلات الصمت.

فقد الرسام الإسباني فرانشيسكو غويا (1746 – 1828) السمع عام 1792، أي أنه عاش من عمره 46 عامًا "متواصلًا" بالمنطق الحداثي، ومن ثمَّ دخل إلى عزلة الصمت، وهو ما ترك أثرًا بليغًا على أعماله. وهنا لنا أن نتأمل الصمت/الخرس كمساحة تأويلية ومكانية، ينتقل فيها المضمون الصوتي (العدم) إلى الحركة البصرية.

في أعمال غويا نجد أن الصمت (الصوتي=المكاني) في اللوحة ليس الدليل على الوحدة إنما التعدد، وهو حادث بها، كما أنه عنصر مكاني أساسي، يمكن تتبعه بصريًا. أو بوصف آخر هو نص صوتي للعمل، لم ينجُ هو -غويا- منه. 

في عمليَه الفذين "مجرم يطعن إمرأة" (1793)، و"النار" (1793) كذلك، يتضح الصمت/الصوت مكانًا بصريًا وعنصرًا فنيًا. (ترعبني فكرة تخيل كيف استمع غويا لمتخيلاته البصرية بشأن تلك اللأعمال!، وكذلك التساؤل: أيُ صوت ينّز من تلك اللوحات وما علاقته مع غويا وبنا، وهل يقتل الصوت صاحبه كما تفعل الكلمة؟)

الصمت ليس رديف الوحدة، إنما منطلق التعدد، وقلق الإنسان الحديث من الصمت أعمى بصيره على أصوات الأرض والطبيعة والأشياء الصغيرة حوله وفيه. الصمت انفتاحنا، وليس انغلاقنا.