رحلة الكتاب العربي في أوروبا

2020-02-19 00:00:00

رحلة الكتاب العربي في أوروبا

يخبرنا ورد أيضاً أنه نظّم معارض كتاب متفرقة في أنحاء أوروبا، بلغ عددها 27، وعن مصادر الكتب لهذه المعارض يقول إنه لا ينسق بصورة كبيرة مع دور النشر، بل يبحث عن المصدر الأفضل لشراء الكتب، سواء كان دار الشر، أو مكتبة أو "بسطات الشارع"، أو السوق الحرّة لبعض المطارات،

نواجه نحن الذين نعيش في المنافي أو خارج الجغرافيات العربيّة أزمة في الحصول على كتاب عربيّ، أي مكتوب باللغة العربيّة، ولا نتحدث عن "أمّهات الكتب" أو عن تلك الكتب المتواجدة في الأرف الخلفيّة ضمن المكتبات التي اعتدنا زيارتها حين كنا نعيش في بلدان عربيّة، بل نقصد كتاباً صادراً بالعربيّة سواء كان حديثاً أو قديماً.

هذه الندرة أو القلة أو غياب الاهتمام، سببه أهواء المكاتب العربية في أوروبا التي تعتمد على العرض والطلب، وسياسات المراكز الثقافيّة العربيّة وعلاقاتها مع دور النشر.

 الأمر يزداد "مأساويّة" حين نُضطر لشراء الكتب الكترونياً ودفع ضعفي الثمن كي تصل إلى "بيوتنا"، ليتحول شراء الكتاب إلى رحلة بحث مكلفة، خصوصاً إن كان الواحد منا يقرأ بصورة منطقيّة، أي "مستهلكاً" تحضر الكتب ضمن حياته سواء للتسلية أو البحث.

هناك أيضاً سبب خفيّ لندرة الكتب، لا نعلم بدقة مدى أثره، ويرتبط بنوع من السياسات غير الرسميّة المتعلقة بظهور اللغة العربيّة في الفضاءات العامة في أوروبا، والتي يرى البعض أنها تنشر الرعب والخوف في قلوب المارة ورواد المكاتب، كون اللغة العربية مرتبطة في متخيل البعض بالإسلام والتشدد فقط، ما يجعل ظهور الكتب العربيّة وأغلفتها محارباً من قبل بعض المكتبات وأصحاب الأكشاك.

الطلب المتزايد على الكتاب العربيّ من قبل القرّاء العرب دفع العديدين لإنشاء "مكاتب" في أوروبا، انتشرت اسماؤها عبر صفحات الفيسبوك وأصبحت وجهة الكثير من الباحثين عن الكتب، كحالة مكتبة "كتابي من ورق"، التي أسسها السوري ورد الدمشقي، والتي نقرأ في وصفها بأنها "أول مكتبة عربية تأسست في أوروبا"، لا ندري مدى دقّة هذا الوصف، لكنها ليست الأولى كونها تأسست عام 2015 في النمسا، لكن المثير للاهتمام أنها تقيم معارض كتاب متنقلة في أنحاء أوروبا، ما يتيح للبعض فرصة لاستعادة طقس أن نمشي بين كتب عربيّة نختار منها ونطلع على بعضها، لنشتري ما يلفت الاهتمام. 

التقينا مع ورد الدمشقي المقيم في النمسا ومؤسس المكتبة التي نالت شهرة في الأوساط العربيّة المهاجرة وخصوصاً السوريّة، وسألناه بداية عن آلية الحصول على الكتب، وكيفية ضبط الكمية التي يقوم بشرائها وما هي المراحل التي يمر بها الكتاب كي يصل إلى صاحبه بسعر معقول، فيقول ورد إن مصادر الكتب بشكل عام من العالم العربيّ، مصر ولبنان وسوريا، ويتم عادة الاتفاق مع المُصدّرين، الذين يقومون بتوضيب الكتب حسب الكمية المطلوبة وتجهيزها للشحن، وحين تصل إلى "منزله"، يقوم هو بعدها بفرزها وإرسالها فرادة للمُشترين، وهذا ما نراه في صفحة الفايسبوك الخاصة بالمكتبة، التي تشهد تفاعلاً دائماً مع ورد من قبل القرّاء/ الزبائن، الذين يتركون انطباعاتهم عما قرأوه أو ما يريدون قراءته.

فيما يخص اختيار الكتب والعناوين يشرح لنا ورد أسلوبه، والذي يختلف عن ذاك التي تتبعه المكتبات التقليدية، إذ يقوم هو باختيار العناوين التي سبيعها، خصوصاً أنه يتوجه لقراء جدد حسب تعبيره، تتراوح أعمارهم بين 15 و25، ويختار ما يظنه مناسباً للقرّاء بعد الاطلاع عليه، في ذات الوقت هو يستقبل طلبات الزبائن. لا يشتري ورد كل ما "يُروج له في السوق"، بل ما يجده مناسباً للقراء، إذ يقول إنه لا يسعى لأن يكون تجارياً ولا يبيع "أيّ شيء" بل ما يراه مفيداً وبعيداً عن الابتذال.

يدرك ورد أزمة أسعار الكتب حين تصل إلى أوروبا، ويشرح لنا ذلك بقوله إن سعر الكتاب بداية يُحدده المصدر، فأسعار الكتب في لبنان أغلى من سوريا ومصر، كذلك هناك أجور الشحن والضريبة الجمركيّة، ويضيف أن ثمن الكتاب قد يكون 2 دولار، وبعد الشحن والضرائب قد يصبح ثمنه 8 دولار، الأهم أن ورد لا يخزن الكتب لديه، كل ما يشتريه يتم بيعه لاحقاً، وهذا ما نراه في بعض العروض التي يقدمها للقراء، إذ نرى حسومات تتعلق بمجموعة من الكتب التي غيّر طالبوها آراءهم أو لم يشتروا كل الكميّة، والسبب الرئيسي ربما، أن ورد يعمل وحده، إذ أنهى دراسته للعلوم السينمائيّة ويجهز لدراسة الطب، وعملُه كـ"ورّاق" حسب تعبيره هو مصدر دخله الرئيسي والعمل الأنسب له في ظل معيشته في ألمانيا.

يخبرنا ورد أيضاً أنه نظّم معارض كتاب متفرقة في أنحاء أوروبا، بلغ عددها 27، وعن مصادر الكتب لهذه المعارض يقول إنه لا ينسق بصورة كبيرة مع دور النشر، بل يبحث عن المصدر الأفضل لشراء الكتب، سواء كان دار الشر، أو مكتبة أو "بسطات الشارع"، أو السوق الحرّة لبعض المطارات، وفي بعض الأحيان فيما يخص كتب الأطفال يلجأ إلى مكتبة في ألمانيا مسؤولة عن وضع المناهج المدرسية للحصول على سلسلة لبيب.

سألنا ورد عن منافسة الكتاب الإلكتروني، الشبح الذي يطارد القرّاء والعاملين في صناعة الكتب، ويعلق على سؤالنا بقوله إنه برغم انتشار الكتاب الإلكترونيّ، مازال للكتاب الورقيّ سوقه وقرّاءه،  ويضيف أنه يمتلك سبباً شخصياً لتفضيله الكتاب الورقي، الذي كبر على قراءته، والموضوع نفسي بالنسبة للكثيرين، وهو يحاول تلبية هذه الرغبة بتوفير كتب يتراوح سعرها بين 13 و15 يورو، من أجل أن يُسهل على القارئ عملية الحصول على ما يريده، والدليل الأهم على استمرار المكتبة، أنها بدأت بحوالي 50 كتاب، أما الآن فهناك 500 عنوان، أي 3 آلاف كتاب.