محمد و"جِنينهُ" في أروقة المحاكم

2020-02-06 14:00:00

محمد و
Copyright Wayna Pitch

في لقائه مع الجمهور في الناصرة قبل اسبوع، وخلال شرحه حيثيات حربه ضد منع عرض الفيلم، ومحاكماته ميدانيًا وقضائيًا وجماهيريًا، صرّح بكري عن شعوره بالخذلان من المؤسسات الفلسطينية التي لم تقف الى جانبه في معركته من أجل حرية التعبير ومن أجل حرية العمل الفني ومن أجل حق مخيم جنين وضحاياه.

تعقد اليوم الخميس، ٦ شباط/فبراير، محاكمة المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري بسبب فيلمه الوثائقي "جنين جنين" المُنتج عام 2002 ويوثق فظائع ومجازر الاحتلال ضد سكان مخيم جنين في العدوان المسمى "السور الواقي".

من لم يتسنَ له مشاهدة فيلم "جنين جنين" فليتحلّ بالكثير من الجَلَد قبل مشاهدة ما وثقته عدسة بكري بعد العدوان، مساحات واسعة من خيام المشردين، أطفال يتامي، أمهات ثكلى، مصابون، ومظلومون، وأطباء ومسعفون مشغولون وعاجزون!

يستند بكري في فيلمه الى شهادات الأحياء، أوصاف تستحضر مجازر أخرى نجى منها الفلسطينيون بأعجوبة في أماكن أخرى ليست ببعيدة عن مخيم جنين، لكنها تركت فيهم الأثر نفسه... الإحساس بأن الله ترك هذه البقعة من العالم لتعيش كل ما يخطر ببال الإنسان من شر: قتل، قصف بالطائرات، هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، قنص من يحاول النجاة، اعتداء وسرقة، وتنكيل بالجثث!

إسرائيل تُعلن الحرب على بكري!

بدأت حرب المؤسسة الإسرائيلية ضد بكري - بدعم وإجماع الجمهور الإسرائيلي الواسع- من خلال منع عرض الفيلم داخليًا، أي لا في دور العرض ولا في قنوات التلفزة، بأمر من الرقابة لما فيه من كشف عورات الجهازين العسكري والسياسيّ الإسرائيليّ وفضحٍ لممارسات جيش الاحتلال في مخيم جنين. بعد صدور الفيلم قام خمسة جنود إسرائيليين بتقديم دعوى قضائية ضد بكري بحجة التشهير بهم من خلال الفيلم، ومؤخرا قدم أحد الضباط دعوى جديدة ضد الفيلم ومخرجه بحجة ظهوره في الفيلم أيضا.

كهذا وعلى مدار 18 عامًا، لم تتوان السلطات والمؤسسات الاسرائيلية وحتى الأفراد من نبش كل دقيقة في الفيلم وإيجاد الذرائع لملاحقة بكري ومحاكمته سياسيًا ومن ثم السعي لشطب الفيلم من قناة يوتيوب، والايعاز بحظر عرضه في دور العرض والمؤسسات الثقافية في معظم دول العالم. ورغم ترجمته الى عدد من اللغات، ومع وجود عدد كبير من مؤسسات مناهضة الاحتلال والتضامن مع الشعب الفلسطيني، إلا أن عرض الفيلم خارج حدود فلسطين لم يتم سوى في لبنان وكتالونيا... لقد تجنّدت مؤسسة كاملة تراقب بدقة تحركات بكري وفيلمه، ترصده وتمتد يدها لتمنعه من رؤية النور، وتمنع بذلك واحدة من أهم قصص مجازر الألفية الثانية من الوصول إلى أعين وآذان العالم وسط صمت فلسطيني وعربي ليس بالغريب!

محمد معاتبًا!

في لقائه مع الجمهور في الناصرة قبل اسبوع، وخلال شرحه حيثيات حربه ضد منع عرض الفيلم، ومحاكماته ميدانيًا وقضائيًا وجماهيريًا، صرّح بكري عن شعوره بالخذلان من المؤسسات الفلسطينية التي لم تقف الى جانبه في معركته من أجل حرية التعبير ومن أجل حرية العمل الفني ومن أجل حق مخيم جنين وضحاياه. يعاتب مؤسسات المجتمع المدني على انقطاعها عن الناس، ويقول أن مصدر قوته هو الناس وتعاطفهم. هو راضٍ تمام الرضى عن الجمهور الذي يشاطره الهمّ و "زعلان" من مؤسسات لم تقل كلمتها ولم تقف في صف العدالة وانصاف الفيلم وأبطاله.

يقف الفلسطينيون في الداخل الى جانب بكري ويتضامنون معه ويتصدون لمحاولات إسكاته، يتداولون قضيته، يشاركون في أمسيات دعمه المعنوي ويوقعون على عرائض تنادي بوقف ملاحقته التي لا تؤول إلا الى إنصاف المجرم على حساب ضحاياه. لكن هل تنصف المحكمة الاسرائيلية بكري وفيلمه أم ستتذرع في حكمها بحق هؤلاء الجنود في أداء "واجبهم الوطني" دون أن يتم المس بهم وبسمعتهم؟ وهي جزء من نظام قضائي لم ينصف في الماضي القريب الشهيد عبد الفتّاح الشريف، وأطلق يدي قاتله المجنّد بذرائع واهية وسط تهليل جماهيري وسياسي غير مسبوق!