صدر "ما بين الثورة والدبلوماسية" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

2019-10-15 13:00:00

صدر

أخيرًا، يختتم المؤلف كتابه بحديث مستفيض حول الانزلاق الفلسطيني إلى مسار التسوية الذي بدأ بتولي عصام السرطاوي ومحمود عباس (أبو مازن) مسألة الاتصال بسياسيين إسرائيليين، بدعم وتسهيل من الملك الحسن الثاني في عام 1970، واستمر حتى اتفاق أوسلو في عام 1993.

صدر عن سلسلة "ذاكرة فلسطين" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ما بين الثورة والدبلوماسية للدبلوماسي الفلسطيني السابق خير الدين عبد الرحمن، الذي شغل منصب المفوض السياسي العام ومسؤول دائرة التعبئة الفكرية والتوجيه السياسي في القيادة العامة لقوات العاصفة، وممثل فلسطين وسفيرها في دول عديدة.

ضم الكتاب (375 صفحة بالقطع الوسط موثقًا ومفهرسًا) عناوينَ غلب عليها الطابع المكاني، إذ رُبطت الحوادث بالأمكنة، ونُسّقت في مسار زمني يقدّم سردًا لتجربة المؤلف في العمل الدبلوماسي الفلسطيني، ليرسم من خلاله خطوطًا عريضة لملامح السياسة الفلسطينية وتحولاتها، وما اعترضها من مآزق وإخفاقات، وما حققته من إنجازات ومكتسبات.

مكتب التعبئة والتنظيم

يعرض الكتاب في بدايته الفترة التي عايشها عبد الرحمن في سورية، بعد انتقاله مع أسرته مهاجرًا من قرية لوبيا في فلسطين إلى لبنان، ومن ثم إلى دمشق، حيث تفتّح وعيه السياسي، فالتحق بحزب البعث الاشتراكي فور إعادة تشكيله في عام 1962، وتولى مسؤولية تنظيم الطليعة التقدمية الطلابية في جامعة حلب. كما شهد ثلاثة انقلابات في سورية؛ الأول في عام 1961، والثاني والثالث في عام 1963، ليتفرغ بعد الانقلاب الأخير للعمل الحزبي، ويتولى إدارة مكتب صحيفة البعث في حلب، الصحيفة اليومية لحزب البعث الاشتراكي، إضافة إلى عمله في إذاعة "حلب".

ينقلنا الكتاب إلى مرحلة جديدة من حياة المؤلف، بالتحاقه بصفوف حركة فتح فور إعلان انطلاقتها في عام 1965، ليعمل فيها مراقبًا ماليًا مركزيًا، ثم مشرفًا على تنظيم العمال التابع للحركة، ومسؤولًا عن إذاعة "صوت العاصفة" و"صوت فتح" في القاهرة في عام 1969، ثم مسؤولًا عن إذاعتها البديلة التي كانت تبث من مخيم برج البراجنة في لبنان، ليعود بعد حوادث أيلول/ سبتمبر في الأردن إلى دمشق ويتولى رئاسة تحرير صحيفة فتح التي كانت تصدر هناك.

بدأت رحلة العمل الدبلوماسي لخير الدين عبد الرحمن، كما يروي الكتاب، حين تولى مسؤولية مكتب التعبئة والتنظيم التابع لحركة فتح في عام 1971، فأُسندت إليه في تلك الفترة مهمات دبلوماسية خارجية ترأس خلالها وفودًا فلسطينية إلى ليبيا والجزائر وتونس والمغرب، وعدد من الدول الإسكندنافية وفيتنام والاتحاد السوفياتي. ثم كان أول تكليف له بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية حين عُيّن سفيرًا لها لدى السودان في عام 1973.

العلاقات الفلسطينية – الأفريقية

في سياق تجربة المؤلف، يأخذنا الكتاب في جولة في القارة الأفريقية، ليقدم لنا من خلالها صورة مقربة لطبيعة العلاقات الفلسطينية – الأفريقية، مقابل العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية. ويعرض نماذج للمعارك السياسية التي كانت تخوضها المنظمة في أهم معاقل النشاط الاستخباراتي الصهيوني، كما كان الحال في كل من كينيا وإثيوبيا وزائير وغيرها، ومساعيها المبذولة في سبيل التعريف بالقضية الفلسطينية ومحاولتها كسب التأييد لها.

يعرض الكتاب صورة للتمثيل الدبلوماسي الفلسطيني الخارجي ضمن سياقين؛ الأول يتناول مشاركات الوفود الفلسطينية في المؤتمرات الدولية، منها مؤتمرات القمة الأفريقية، ومؤتمرات القمة العربية، ومؤتمرات أخرى مختلفة، مثل مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في الجزائر (1973)، والمؤتمر التحضيري للتضامن مع الشعوب العربية والأفريقية (1978)؛ والثاني يتناول تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في كل من السودان وإثيوبيا وباكستان وسريلانكا وكينيا، وهي الدول التي شغل عبد الرحمن منصب سفير وممثل منظمة التحرير لديها.

من جانب آخر، يقدّم الكتاب في ثنايا التجربة الخاصة بالمؤلف صورة للنظام السياسي الداخلي الذي ربما فرضه الظرف التاريخي على منظمة التحرير الفلسطينية، فهي من ناحية لها شكل ديمقراطي ينبذ العصبيات المناطقية والقبلية، ويصهر جميع الفصائل في بوتقة نضال واحدة، تدعو إلى الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، وتقدمها على المصالح الفردية الضيقة، لكنها من ناحية أخرى لا تلتزم مبدأ التشاركية في اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات، إذ يستأثر القائد العام بالرأي، ولا يعدو تعيينه المستشارين والمسؤولين سوى إجراء شكلي "لضمهم تحت جناحه" وفرض سيطرته عليهم.

مواقف وحوادث

يورد الكتاب مواقف وحوادث تعكس تقلباتٍ وعدم توافق في الصف الفلسطيني الداخلي، لم تقتصر على التحولات والانشقاقات وحالات التمرد التي شهدتها حركة فتح، وإنما بلغت أحيانًا حدّ ازدواجية التمثيل الخارجي، وتجاهل القرارات الصادرة عن اللجنة التنفيذية للمنظمة، بل بالذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، ثمة إشارة إلى محاولات فصيل دون غيره فرض هيمنته على الساحة، بالإقصاء أو بتوجيه الاتهامات إلى قيادات الفصائل الأخرى بزعم ارتباطها بمخططات وُصفت بـ "المعادية"، وأحيانًا بحماية حركات الانشقاق فيها.

أخيرًا، يختتم المؤلف كتابه بحديث مستفيض حول الانزلاق الفلسطيني إلى مسار التسوية الذي بدأ بتولي عصام السرطاوي ومحمود عباس (أبو مازن) مسألة الاتصال بسياسيين إسرائيليين، بدعم وتسهيل من الملك الحسن الثاني في عام 1970، واستمر حتى اتفاق أوسلو في عام 1993.