المدير الفني لـ "أيام فلسطين السينمائية" متحدثاً عن الدورة السادسة من المهرجان (٢-٩ أكتوبر)

حنا عطالله: نحاول، في "فيلم لاب"، إعادة تشكيل الثقافة السينمائية في فلسطين

2019-09-15 13:00:00

حنا عطالله: نحاول، في

هذه فرصة ليشاهد المنتجون والداعمون واقعنا وحياتنا وبالتالي يفهمون خلفيات قصص أفلامنا. هذه التجربة نجحت أيضًا لأننا نقوم بجولة للضيوف في بعض المدن ونعرض أمامهم الحقائق التي تقف من وراء التقييدات والمحدوديات في صناعة السينما الفلسطينية.

تنطلق في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر فعاليات مهرجان "أيام فلسطين السينمائية" بدورته السادسة والذي تنظمه مؤسسة "فيلم لاب - فلسطين". يشارك في المهرجان  أكثر من 60 فيلـماً روائيًا ووثائقيًا من فلسطين ودول عربية وأجنبية.

للسنة الرابعة على التوالي تتنافس مجموعة أفلام ضمن مسابقة "طائر الشمس الفلسطيني" حيث تم اختيار 18 فيلمًا للمشاركة في المسابقة منها 9 أفلام عن فئة الفيلم الوثائقي الطويل، و 9 أفلام عن فئة الفيلم القصير الوثائقيّ والروائي. فيما تقدم 12 مشروعًا لمسابقة الإنتاج. كذلك يتميّز المهرجان وللسنة الثالثة على التوالي بتنظيم "ملتقى صناع السينما" والذي يهدف إلى توفير منصة تعارف وتشبيك لمحترفي عالم السينما الفلسطينيين والدوليين.

جديد المهرجان في دورته السادسة برنامج "لا يعني لا – No Means No" والذي يتمحور حول صورة المرأة في السينما والعنف الممارس ضدها في المجتمع. ويأتي هذا البرنامج لخلق نقاش اجتماعي واسع بين السينما والتلفزيون والمجتمع المدني وصنّاع القرار.

رمّان التقت المدير الفني لمهرجان "أيام فلسطين السينمائية" المخرج حنا عطالله للحديث بتوسع حول تاريخ ونجاح المهرجان وتطوره على مدار ست سنوات، وعن تطوّر وتنوّع مضامين البرنامج واتساع دائرة العروض لهذا العام رغم التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فلسطين.

يستضيف المهرجان أفلامًا من جنسيات عديدة ومتنوعة، لأي مدى يساهم هذا في إثراء الجانب الثقافي والسينمائي لدى المشاهد الفلسطيني؟ 

أحد أهم أهداف المهرجان منذ نشأته إتاحة الفرصة أمام المشاهد الفلسطيني للانكشاف على الأفلام المستقلة والبديلة. للأسف نحن لا نملك دور عرض تقدم هذا النوع من الأفلام، والجمهور الفلسطيني بغالبيته العظمى مرتبط بالتلفزيون، فالفكرة هي عرض أفلام تطرح قضايا سياسية ومجتمعية وفكرية متنوعّة باستخدام اللغة السينمائية والالتفات إلى قوة السينما في مخاطبة الجمهور وإحداث التغيير.

هذا التنوع هدفه تقديم أكبر كم ممكن من الأفلام أمام الجمهور وتنوع المواضيع وخلق فضاءات نقاش حول القضايا المطروحة، فهناك قضايا معروضة تشبه قضايانا وأخرى بعيدة عنا ومن المهم والمثير رؤية كيفية طرح الأفلام لهذه القضايا وإطلاع الجمهور الفلسطيني عليها.

غياب دور السينما -كما ذكرت- يتيح لـ "فيلم لاب" أخذ دور فعّال في ثقافة السينما لا يقتصر على المهرجان فقط.

"فيلم لاب" مؤسسة صغيرة مستقلة وقطاع السينما واسع ومرتبط بعدة قطاعات لا تقتصر على الثقافة بل هي تجارة وصناعة أيضاً. إذا أردنا بناء صناعة سينمائية تشمل الإنتاج والتوزيع والعرض وتأسيس جمهور مشاهدين، يجب أن يكون هناك دور للقطاع الحكومي والقطاع الخاص اقتصاديًا وسياحيًا وثقافيًا، وسنخصص جلسة نقاش هذا العام لكيفية مأسسة صناعة سينمائية ودور القطاع الخاص في الاستثمار. 

نحن نحاول إعادة تشكيل الثقافة السينمائية من خلال عروض تتم على مدار السنة، ونفعّل مشروع سينما متنقلة تعرض أفلاماً في مناطق مهمشة؛ هذا دورنا كمؤسسة وليس بناء دار سينما. كانت هناك محاولة لمساعدة سينما جنين على الاستمرار في عملها أو تشغيل سينما نابلس التي أغلقت لكن كلتا الحالتين لم تنجح.

في هذا السياق أود الإشارة إلى عامل مهم جدًا وهو عدم وجود قانون يحمي الملكية الفكرية، لذلك فإن قرصنة الأفلام الجديدة تتم بصورة دائمة، وإتاحة الأفلام للمشاهدة المنزلية يُفقد الشباب الفلسطيني متعة المشاهدة في قاعة سينما مهنية.
 


هل  تلمسون التغيير في أوساط الجمهور من ناحية إقبال وتعمّق ومشاركة في النقاشات وتعرّف الجمهور على الفيلم الفلسطيني؟

للأسف الفيلم الفلسطيني معروف في العالم أكثر منه في فلسطين، وهذا يأخذنا لنقاش واسع وحساس: هل الفلسطيني يحتاج لمشاهدة سينما تعكس له واقعاً ومعاناة يعيشها؟ لأن جزءًا كبيرًا من السينما الفلسطينية هي سينما سياسية. على الرغم من ذلك هناك أفلام فلسطينية تتحدث عن المعاناة ونجحت جماهيريا مثل فيلم "المطلوبون الـ 18" لعامر الشوملي. 

المهرجان نجح في استقطاب الجمهور سنة بعد سنة، وفي كل عام نكتشف مدى تعطش الجمهور لعروض سينمائية ومشاركته ودعمه للمقترحات التي يقدمها المهرجان مثل رصد ريع تذاكر لدعم مسابقة "طائر الشمس" للإنتاج.

من ناحية ثانية أجرينا اختبارًا بسيطًا لفحص هوية الجمهور وهل هو نفسه جمهور الفعاليات الثقافية الفنية الأخرى التي تقدم في البلد، فوجدنا أن الجمهور يتّسع ويزداد ويتنّوع في كل عام والأعمار تتنوع. ومع ذلك نحن واعون إلى أننا نقدم عروضاً في 5 مدن فقط -لأن توسيعه ووصوله لمدن أكثر يعني طواقم وترتيبات وميزانيات أكثر- وهذا لا يكفي لسد تعطش الناس للسينما ولكنه يدعو الناس للتحرك والوصول إلى مواقع العروض وبذلك نخلق أجواءً خاصة خلال أيام المهرجان في المدن الرئيسية.

وهذا يقودنا للنقاش: هل يجب أن تصل السينما إلى الناس أم يجب أن يصل الناس إلى السينما.

الفلسطيني الذي اعتاد وعانى من منع التجّول يحق له التحرك بحريّة والوصول إلى كل مكان، ونحن نرى أن لنا دوراً -كما ذكرت سابقًا- في خلق نواة لثقافة سينما. هناك نماذج من الدول العربية يدخل فيها الناس قاعة السينما في ساعات الفجر وفي دول أخرى يحضر آلاف إلى عروض المهرجانات. عامًا بعد عام يمكن أن يعتاد الجمهور الفلسطيني على هذا التحرّك والوصول إلى مدن رئيسية لمشاهدة فيلم وتطوير نظرته للسينما كعامل ترفيهي وثقافي وتربوي، وعامل للتغيير الاجتماعي.

هل تقدم نفس الأفلام في المدن الخمس أم أن هنالك أفلامًا مخصصة لكل مدينة؟ 

عندما يتم تقسيم الأفلام نأخذ بعين الاعتبار مميزات المكان وجمهوره ونختار الأفلام الملائمة لكل منطقة، ونأخذ بالحسبان عدد الجمهور ونوعيته والخصوصيات السياسية والاجتماعية لكل مدينة.

أعطنا فكرة موسّعة عن مسابقة "طائر الشمس" وأهميتها لصناعة السينما الفلسطينية.

مسابقة "طائر الشمس الفلسطيني" هي منصة للعاملين في قطاع السينما في فلسطين لعرض أفلامهم للجمهور المحليّ نتيجة لغياب دور العرض كما ذكرت، ولنتيح للجمهور المجال لمشاهدة الأفلام ومناقشة مدى تمثيل الفيلم لقصتنا، وهنا ندخل في سياق سرد الرواية الفلسطينية سينمائيًا وخلق نقاش حول رغبتنا في إنتاج المزيد من الأفلام التي تعبر عن واقعنا وتعكس قضيتنا مقابل طرح مغاير يفضّل عدم خوض غمار السياسة والإبقاء على الأفلام بمعزل عنها. كذلك هي خلق مساحة لصنّاع سينما غير فلسطينيين أنتجوا وأخرجوا أفلامًا عن فلسطين، وهذا أيضًا مهم جدًا أن يراه جمهورنا.

في كل سنة تتطور المسابقة وتشمل 3 جوائز عن 3 فئات: الفيلم الوثائقي الطويل والفيلم القصير بأنواعه وفئة الإنتاج. يهم المهرجان إتاحة الفرصة لعرض أفلام تتنوّع من ناحية قيمتها السينمائية، فهناك الكثير من الأفلام المستقلة المهمشة التي يمكن أن يكون مخرجوها صانعي أفلام في المستقبل وهم بحاجة لانطلاقة وانكشاف على الجمهور ونحن نرى في المهرجان أفضل منصة لهؤلاء.

ضمن المسابقة هناك جائزة فئة الإنتاج التي تموّل من بيع التذاكر، ما الهدف والدافع لفكرة كهذه؟

في السنة الماضية قررنا ولأول مرة بيع تذاكر لمشاهدة الأفلام ورصد ريعها لصالح فئة الإنتاج في مسابقة "طائر الشمس". الفكرة تهدف إلى تحويل الجمهور إلى منتج أفلام يرى نتيجة دعمه بعد سنة أو سنتين. هذا المفهوم ينحدر من الثقافة الفلسطينية التقليدية المتمثلة بفكرة "العونة" و "الفزعة" التي تقدّم بشكل عصريّ أكثر مع الإبقاء على مفهومها وقيمتها الاجتماعية.  

ردود الفعل من الجمهور كانت جيدة جداً ومشجعة، ونجحنا في خلق حالة فريدة وتشبيك بين صانعي الأفلام والجمهور.

هذا يرتبط بشكل أو بآخر بقضية شُح التمويل لإنتاج أفلام جديدة.

كلنا نعرف بأن الإنتاج السينمائي المهنيّ مُكلف، خاصة بغياب صندوق سينما فلسطيني وغياب مكانة السينما عن جدول أعمال وزارات الحكومة المختلفة. نحن نعي جيدًا أن الثقافة ليست أولوية لدى صانعي القرار، ونحن نعاني من مشكلة جديّة هنا، فالميزانيات التي ترصد للثقافة شحيحة مع العلم أن الكرت الرابح المتبقي لنا كفلسطينيين هو الثقافة وعلينا المحافظة عليها ودعمها وتطويرها لأنها تُبقي على الرواية الفلسطينية التي تصل إلى العالم عبر السينما والفنون البصرية المختلفة الأخرى وهذا نجاح لا يستهان به للقطاع الثقافيّ. 

هل فكرة ملتقى صنّاع السينما هي أسلوب آخر للتجسير على صعوبات التمويل؟

فكرة الملتقى هي استضافة صناع سينما ومنتجين وممثلي مؤسسات داعمة من مختلف دول العالم يزورون فلسطين خلال المهرجان ويتعرفون على الواقع الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى يكون حضورهم فرصة للتشبيك والتعرف على صنّاع السينما الفلسطينيين. هذا اللقاء يسهل عملية عرض المقترحات السينمائية لأن التوجه بمقترح إلى صناديق داعمة ليس سهلاً كون المنافسة كبيرة، وهناك صعوبة لدى الفلسطينيين في التنقل والحصول على تأشيرات سفر أو على دعوات للمشاركة في مهرجانات.

هذه فرصة ليشاهد المنتجون والداعمون واقعنا وحياتنا وبالتالي يفهمون خلفيات قصص أفلامنا. هذه التجربة نجحت أيضًا لأننا نقوم بجولة للضيوف في بعض المدن ونعرض أمامهم الحقائق التي تقف من وراء التقييدات والمحدوديات في صناعة السينما الفلسطينية.

لقد حقق الملتقى بعض النجاحات على مستوى العلاقات وعلى مستوى المهرجانات والمشاركة بها كأعضاء لجان تحكيم أو كضيوف أو كدعم وإنتاج.

هل هناك ثيمة مركزية للمهرجان بدورته السادسة؟

لم يكن للمهرجان منذ تأسيسه ثيمة مركزية، ولا يحبذ لأن ذلك يُفقد المهرجان التنوع والغنى بالمضامين. لكن هذا العام قررنا تحضير برنامج موازٍ يحمل ثيمة مركزية بعنوان "لا يعني لا" وتشمل 3 جلسات حوارية حول قضايا المرأة والقانون، صورة المرأة في السينما والتلفزيون، وهنا يجب الإشارة إلى الكم الكبير من المسلسلات المتوفرة للمشاهدة والتي تلقى رواجًا كبيرًا وتحمل بسوادها الأعظم صور سلبية عن النساء. إلى جانب عروض أفلام لمخرجات أو أفلام تناقش قضايا المرأة. نحن نرى من واجبنا فتح النقاش حول هذا الموضوع والذي تزامن بالصدفة -للأسف- مع قضية قتل إسراء غريب. نحن نريد أيضاً فتح قناة حوار مع وزارة شؤون المرأة والجمعيات النسائية والنسوية ورفع الوعي لمدى خطورة المضامين التي تستشف من المسلسلات والأفلام، وطرح بدائل لهذه الصور النمطية للنساء.

ستكون هذا العام أيضًا عروض أفلام في الداخل الفلسطيني، هل هذه سابقة للمهرجان؟ وما الهدف منها؟

هذه ليست سابقة، ففي العام 2014 كانت هناك عروض في حيفا والناصرة. "فيلم لاب" مؤسسة صغيرة مع إمكانيات محدودة ولكننا نحاول توسيع دائرة العروض مع الانتباه لعدة عوامل مثل قضية التوزيع وهي قضية شائكة. شئنا أم أبينا؛ عند الحديث عن عروض في حيفا والناصرة يتم توجيهنا من قبل منتجي الأفلام الأجنبية إلى الموزع الإسرائيلي لأن هناك اتفاقيات دولية، نحن نرفض التوجه للموزع الإسرائيلي وفي نفس الوقت لا نعرض أي فيلم لا نملك حقوق توزيعه خلال المهرجان.

هناك أيضا "مهرجان حيفا المستقل للأفلام" ونحن ندعمه ونقدم له الأفلام العربية التي نملك حقوق توزيعها بعد الاتفاق مع المنتج وتوضيح كون الجمهور عربي فلسطيني موجود في الداخل المحتل. هناك أيضًا إشكاليات تمويل لا يمكن تجاوزها تتمثل بحصر التمويل لمشاريع تنفّذ في أراضي  67 فقط.

الموضوع معقد ولذلك نختار عرض أفلام عربية نملك حقوق توزيعها ولا يوجد أي مالك حق لعرضها في الداخل المحتل. ولكن هذا طبعًا يحصر ويقلل إمكانيات اختيار الأفلام لكنه يبقي على موضوع التواصل الفلسطيني – الفلسطيني ووصول المهرجان إلى مدن مركزية في الداخل مثل حيفا والناصرة.