رسالة "كان" الأخيرة... على هامش المهرجان، وفي متنه

2019-05-31 17:00:00

رسالة
إن شئت كما في السماء

أحب ألمودوفار، أحب كين لوتش، أحب بعض أفلام ترانتينو لكني لا أحبه (هنالك كلام عن سوء معاملته للنساء في أفلامه، ولكشيش صيت بشع في ذلك أيضاً)، لكن خلال المهرجان كانو كلّهم أعداء ألدّاء لي مقابل فيلم النّاصري إيليا سليمان.

  • ستكون هذه الرسالة، الأخيرة، على شكل نقاط، فتعلّقها معاً بالدورة ٧٢ من مهرجان كان السينمائي لا يبرّر تجاورها لتكون مقالة منسجمة.
     
  • الحقيقة أنّ هذه الرسالة كتبتها من باريس، فقد انتهى المهرجان وعاد كلٌ إلى بيته.
     
  • الرسائل السابقة تعلّقت بالحضور الفلسطيني في المهرجان، والمتمثل في الوفد الفلسطيني وأنشطة "مؤسسة السينما الفلسطينية"، وفي فيلم «أمبيانس» الذي نال الجائزة الثالثة في تظاهرة «سينيفونداسيون»، والحدث الأهم فلسطينياً سينمائياً (سيكون دائماً الفيلم الجديد لإيليا سليمان) وهو "ظهور" فيلم «إن شئت كما في السماء» ونيله تنويهاً خاصاً (هي جائزة) وكذلك جائزة الاتحاد الدولي للنقاد "فيبريسي". ونشرنا أكثر من مادة عن كل من الموضوعين الأول والثاني، ومازال ملفّ "إيليا سليمان" قائماً حتى الأسبوع القادم.
     
  • للمحكّمين دائماً منطقهم وأذواقهم، وهذا ما جعل أفلاماً عظيمة في تاريخ المهرجان (وغيره) لا تنال السعفة الذهبية ولا غيرها، وهذا ما أخرج أسماء كبيرة من هذه الدورة دون سعفات تتظلّل بها، كالإسباني بيدرو ألمودوفار. وطبيعة فيلم سليمان، شكلاً ومضموناً، مقولةً فنّية وسياسية، تجعله أكثر تعقيداً من أن ينال سعفة يريد -غالباً- محكّموها لها خيارات آمنة، وهذا كذلك ما جعله ينال جائزة النّقاد دون غيرها.
     
  • نعود إلى ألمودوفار، هو أحد أفضل المخرجين المعاصرين بالنسبة لي، وبخلاف الكثير من المخرجين الكبار، حافظ على نوعيّة أفلامه الأخيرة وفنّيتها بالمقارنة مع أفلامه الأولى التي صنعت اسمه، وفيلمه المشارك في المهرجان «ألم ومجد» لم ينل سوى سعفة أفضل ممثل لأنطونيو بانديراس، وهو يستحقها بجدارة، لكن ألمودوفار لم ينل شيئاً كمخرج، في حين ذهبت السعفات الأساسية إلى شبه مجهولين (مع إدراكنا أنّها تذهب للأفلام لا لمخرجيها)، وفيلم ألمودوفار كان مستحقاً، تماماً، لإحدى تلك السعفات، تماماً كفيلم إيليا سليمان، وعدم نيل ألمودوفار، المؤلف السينمائي العظيم، أياً منها، هي مهزلة "كانيّة" امتدّت من عام ٢٠١٦ حين لم ينل شيئاً كذلك عن فيلمه العظيم الآخر «خولييتا».
     
  • كلجان التحكيم، هذه النقاط آراء شخصية لا أفرضها على أحد، الفرق أنّ لجان التحكيم تفرض آراء أعضائها الشخصية وأذواقهم، بسلطة الجوائز، على آخرين.
     
  • أسماء كبيرة خرجت كذلك من هذه الدورة دون سعفات: جيم جارموش، كين لوتش، تيرانس مالك، كوانتين ترانتينو، (عدا عن ألمودوفار وسليمان) وأسماء جديدة استحوذت على السعفات الرئيسية: السعفة الذهبية، الجائزة الكبرى، أفضل سيناريو، جائزة لجنة التحكيم (قد أستثني الأخوين داردين الذين نالا سعفة "أفضل إخراج")، وهذا لا أستطيع تلقّيه كصدفة بل كسياسة مقصودة من لجنة التحكيم. لا أقول بضرورة نيل أسماء كبيرة جوائز لأنّها كبيرة (كبيرة بمعنى التجربة السينمائية)، لكنّي أستصعب قبول استبعاد أسماء كبيرة لأنها كبيرة، أو أن عدم نيلها -الأسماء الستّة جملةً واحدة- أياً من السعفات كان صدفة ربّانية.
     
  • كلامي كلّه هذا يأتي بالتوافق مع فكرة أنّ الجوائز تكون للأفلام، لا لفيلموغرافيا صانعيها.
     
  • كنت شاهدتُ الجزء الأول من فيلم عبد اللطيف كشيش العام الماضي «مكتوب...»، كان مملاً وتافهاً مذكّراً بتلك المَشاهد التمهيدية في أفلام البورنو (السّمكري الذي يصل إلى بيت وتدعوه امرأة للدخول، فزوجها في الخارج، الصياغة لسلافوي جيجيك). في هذه الدورة شارك كشيش بالجزء الثاني من فيلمه ونال صفعة (لا سعفة) نقديّة على رداءته، علّها تكون درساً في عدم الاستثمار في الجنس كمحرّك أوّلي يُبنى عليه الفيلم، فمشاهدي السينما ليسوا بالضرورة مشاهدي بورنو!
     
  • استثمار فاشل آخر كان للكندي إكزافييه دولان، صاحب أفلام جيّدة، لكنّه لا ينفكّ يستثمر في ثيمة المثلية، كمادة مربحة بيّيعة سهلٌ استهلاكها وصعب انتقادها (لنلاحظ الهموم الأوّلية لبعض المواقع الصحافية العربية)، إذ يستثمرها أحدهم في عمل فنّي ينجح مرّة فيعيد الاستهلاك والانتهاز، متعاملاً مع المشاهدين بمنطق بافلوفيّ! (هذا حال تعامل الكثير من الأدب والسينما مع القضايا العادلة، كالفلسطينية).
     
  • أحب ألمودوفار، أحب كين لوتش، أحب بعض أفلام ترانتينو لكني لا أحبه (هنالك كلام عن سوء معاملته للنساء في أفلامه، ولكشيش صيت بشع في ذلك أيضاً)، لكن خلال المهرجان كانو كلّهم أعداء ألدّاء لي مقابل فيلم النّاصري إيليا سليمان.
     
  • كي لا أطيل أكثر، السينما الجيّدة لا تتعلّق بالجوائز، وغالباً لا تنالها، وتحتاج وقتاً لتتخمّر، كالنّبيذ، وتنال التّلقّي الذي تستأهله. هذا تماماً ما أراه، من الآن، في فيلم عظيم عالمياً هو «إن شئت كما في السماء»، وهو ما يجعلنا، كشعب لا يصل بتعداده، في كافة أماكن شتاته داخل الوطن وخارجه، سكّان مدينة واحدة من تلك التي أتى منها "الأعداء" إلى المهرجان، هذا ما يجعلنا أصحاب مشروع سينمائي نوعي. السلام عليكَ يا إيليا.
     
  • بصحّتكم.