"لص بغداد"... العرب في السينما العالمية

2019-02-11 15:00:00

يتألف معرض "لص بغداد" من سلسلة ملصقات أفلام، وقصاصات صحفية، وصور فوتوغرافية من مجموعة عبّودي أبو جودة الخاصة، والتي تمتد منذ أكثر من نصف قرن. يدعو المعرض الجمهور لاستكشاف جماليات الملصقات المُنتجة في الغرب بين ١٩١٠ ونهاية القرن العشرين، إضافة لطرق تصوير العرب في السينما الغربية، من خلال أفلام مثل "ألف ليلة وليلة"، و"سندباد"، و"كليوبترا"، و"علاء الدين"، و"شهرزاد" وغيرها.

يعود تاريخ معظم ملصقات الأفلام المعروضة إلى السنوات الفنية لإنتاج الملصقات قبل استخدام تقنيات الطباعة الحديثة، بين تسعينيات القرن التاسع عشر وسبعينيات القرن العشرين، خلال العصر الذي كان فيه الرسّامون حريصين على إغواء الجمهور وخلق عمل جمالي. تفاوتت جودة الملصقات المنتجة حينها، إذ كان بعض الرسّامين قليلي الاهتمام بجودة عملهم، في حين وجود آخرين صنعوا ملصقات جميلة وجذّابة، مثل الرسّامين الفرنسيين والإيطاليين. حاول هؤلاء الرسّامون إغواء الحضور بأجساد مرسومة بإتقان، ومناظر طبيعية جذابة، وألوان نابضة بالحياة تجذبهم إلى عالم من الإبداع والخيال.

على الرغم من وجود أجندة تجارية وسياسية لدى المخرج والمنتج، كان الرسّام يقصد على الدوام ابتكار قطعة فنيّة رائعة، حيث كان هذا الفصل بين الأهداف واضحاً بشدة، مما أثمر ملصقات ذات هوية مستقلّة عن الفيلم. في العديد من الحالات، لم تكشف الملصقات حتى عن محتوى الفيلم، أي أن رسّامي الملصقات ربما لم يشاهدوا الفيلم، لكنهم اعتمدوا فقط على خيالهم وعلى عمل الآخرين. في كثير من الأحيان يقرر رسّام أن يأخذ أجزاءً من ملصق آخر ويضيف تصميمه بشكل جزئي. أدت مثل هذه القرارات الشخصية المصحوبة بمهارات وأهداف فنية متنوعة إلى تنوع ثقافي يكشف عن أوجه التشابه والاختلاف في الجمال والأسلوب والإدراك.
 


"ليتل إيجبت" – تشتت الخيال

نشأت نظرة الغرب نحو العرب – والتي شهدت انتشاراً في المجتمعات الغربية وخاصة في الولايات المتحدة – على إثر العروض الراقصة التي سبقت نشأة الأفلام التجارية بوقت طويل. يروي كتاب "أهرامات ونوادٍ ليلية" للكاتبة ليزا وين هذه الحقبة التاريخية، حين تشكَّل فريق من اثنتي عشرة فنانة تقودهن فريدة مزهر خلال معرض شيكاغو العالمي في عام ١٨٩٣ وقمن بالرقص تحت اسم "ليتل إيجيبت" (مصر الصغيرة) ونلن إعجاب الجمهور الأميركي. تفرقت الفنانات بعد نهاية الجولة في أمريكا. مع ذلك، استمرت كاثرين ديفين – إحدى الراقصات من أصل كندي – بالرقص بشكل منفرد وغيرت اسمها لعائشة وهبي، وهو اسم يحمل وقعاً أكثر "عروبة"، واستمرت بتقديم عروض تحت اسم "ليتل إيجيبت". عام ١٨٩٨، اكتسبت هي ورقصتها "العربية" مزيداً من الاهتمام بعد أن داهمت الشرطة حفلاً باذخاً في نيويورك بسبب شائعات بأنها سترقص عارية، فزاد هذا الحادث من فرص كاثرين، ومهّد الطريق لراقصات أخريات لاستعمال اسم "ليتل إيجيبت" لتحقيق مكاسب مالية. قدّمت فريدة مزهر دعوى ضد كاثرين وشركة مترو غولدوين ماير السينمائية، التي صورت عام ١٩٣٦ فيلم "زيغفيلد الكبير" المستوحى من سيرة "ليتل إيجيبت"، لكن فريدة مزهر توفيت قبل نهاية المحاكمة. برز هذا التصور النمطي للعرب مجدداً من خلال الفيلم الكوميدي "ليتل إيجيبت" الذي صور في عام ١٩٥١ عن أميرة تغوي مليونيراً. لاحقا، تم دمج الخيال في أغانٍ مثل " ليتل إيجيبت" التي أدتها فرقة "ذي كوترز" وأداها أيضا الفيس برسلي عام ١٩٦٤ في فيلم "الحمّال".

السينما العالمية – العرب وصلوا للشاشة الفضية!

مع بداية الحرب العالمية الأولى وانشغال الأوروبيين بها، سيطرت الصناعات السينمائية الأميركية بإمكانياتها المادية وبكثافة إنتاجها على السوق السينمائية في الولايات المتحدة، وبدأت بتوزيع أفلامها على نطاق واسع في العالم أجمع، واستقطبت عدداً كبيراً من الفنانين والمخرجين والكتاب من دول كثيرة، ووصل الإنتاج السينمائي لديها إلى أكثر من ٧٠٠ فيلم في السنة الواحدة.

من أجل استيعاب الطلب على الأفلام السينمائية، بدأ عدد من شركات الإنتاج الحديثة بالاستعانة بمؤلفين لكتابة مواضيع وأفكار تحاكي طلبات رواد الصالات. أعاد هؤلاء المؤلفون تكوين قراءاتهم وتصوراتهم كما يرغب المشاهدون، فكانت الروايات والقصص التاريخية عن الحضارات الماضية والمعروفة على نطاق شعبي مدخلاً إلى رفد الصناعة السينمائية بمواضيع قابلة للانتشار. كان للعرب وصورتهم في مخيلات هؤلاء الكتاب – الذين اكتشفوها في كتابات المستشرقين والرحالة إلى العالم العربي – قسط كبير، كما كان لنجاح فيلم "الشيخ" عام ١٩٢١ (من بطولة رودولف فالنتينو)، دور كبير آخر ساهم خلال عقد العشرينيات بتصوير ما يقارب من تسعين فيلماً تدور موضوعاتها بشكل أو بآخر حول العرب.

إن الصورة المترسبة في ذهن كل متفرج على تلك الأفلام الأولى هي صورة الكائن الهمجي المجبول بالعنف والشهوات، كما في فيلم "بو جست" في نسخه الأربعة (١٩٢٦، ١٩٣٩، ١٩٦٦، ١٩٨٢). غالباً ما تحوّل تلك الأفلام أرض العرب إلى صحراء جرداء، وفيلم "أغنية الصحراء" في نسخه الثلاث (١٩٢٩، ١٩٤٣، ١٩٥٣) نموذج تحولت فيه جبال الريف في المغرب العربي إلى أرض خراب عارية تماماً إلا من كثبان الرمال.

تثير صورة العربي في السينما العالمية أكثر من إشكالية على صعيدي النقد والتحليل، فعلى الرغم من اتساع الموضوع وتشعبه، يمكن تتبع المؤثرات الفكرية الرئيسية التي تسير في ضوئها هذه الصورة الخاضعة للمفاهيم النمطية السائدة التي يحاول الغرب نشرها وترويجها عن العرب. كثيراً ما تخضع هذه الصورة لمقياس استشراقي متعالٍ بعيد كل البعد عن حقيقة العالم العربي، ذلك أن أولئك المخرجين صوروا أفكارهم حول البلدان العربية من خلال كتب الاستشراق الغربية، أو أنتجوا تلك الأفلام ضمن أغراض أيديولوجية وفكرية محددة مسبقاً.
 


الفنتازيا العربية

حاولت صورة العالم العربي الخيالي إثارة حماس المشاهدين من خلال خلق أرض ساحرة تغمرها كنوز وعجائب ويسكنها السحرة والحوريات الغاويات والراقصات الجميلات والشيوخ الشجعان والمخلوقات الضخمة. أحد الأمثلة على هذه الصورة برز في فيلم "لص بغداد" (١٩٢٤) الذي أعيد إنتاجه ثلاث مرات (١٩٤٠، ١٩٦١، ١٩٧٨). تمثل محور اهتمام صانعي الفيلم بالسحر والمغامرات والبساط الطائر والجواري والأجواء الغريبة أكثر من اهتمامهم بالدقة التاريخية لأحداث الفيلم. أما النسخة الثانية التي أنتجها ألكسندر كوردا – وجرى تصويرها على مدار عامين ما بين إنجلترا والولايات المتحدة – فقد كان فيها الكثير من المؤثرات الخاصة – مثل الجنّي الضخم – التي ساهمت في نجاح الفيلم حول العالم، مما دعا إلى إعادة توزيعه عالمياً سنة ١٩٤٤، ١٩٤٨، ١٩٥٦، ١٩٦٥، ١٩٧٧، و٢٠٠٠، وخصوصاً في العالم العربي بنسخة مدبلجة إلى اللغة العربية، وبالإمكان اعتبار هذه الحقبة ضمن المرحلة الأولى لصورة العربي في السينما الأجنبية. مع نجاح نسخة عام ١٩٤٠ من "لص بغداد"، بدأت العودة إلى قصص ألف ليلة وليلة، وأنتج العديد من الأفلام (وخاصة الأميركية منها) المستوحاة من أجوائها مثل "علي بابا والأربعون حرامي" (١٩٤٤) و "ألف ليلة وليلة" (١٩٤٥) و"السندباد البحّار" (١٩٤٧)، ومنها بالهندية "علاء الدين والفانوس السحري" (١٩٥٢) وبالفرنسية "علي بابا والأربعون حرامي" (١٩٥٤) مع فرناندل وسامية جمال، والفيلم الفرنسي التونسي المشترك "جحا" (١٩٥٨) والعديد من الأفلام الأخرى.

أرض الحروب والتجسس

بعد الحرب العامية الثانية وعودة الإنتاج السينمائي إلى أوروبا، كانت الدول العربية محور تصوير عدد كبير من الأفلام عن هذه الحرب وخصوصا المعارك التي جرت بين الإنجليز والأميركيين من جهة، والألمان والإيطاليين من جهة أخرى على الحدود المصرية وفي المغرب العربي، حيث كان للعرب دور ما بين هذين المحورين، مثل أفلام "صحارى" (١٩٤٣)، و"خمسة قبور إلى القاهرة" (١٩٤٣)، و"الطريق إلى القاهرة" (١٩٥١) وأفلام أخرى عن الفيالق الأجنبية في المغرب العربي، الأميركية منها والفرنسية، مثل "الإستيطان في المغرب" (١٩٤٩) و"عشرة رجال طوال" (١٩٥١).

مع بداية الستينيات وظهور موجة الأفلام البوليسية والجاسوسية، صوّر العديد من الأفلام وخصوصاً التجارية منها والمعروفة بفئة "ب" في الدول العربية في مصر ولبنان وتونس، مثل " القاهرة" (١٩٦٣) و"٢٤ ساعة للقتل" (١٩٦٥) و"الجواسيس تُغتال في بيروت" (١٩٦٥)، وقد شارك فيها عدد من الممثلين العرب منهم فاتن حمامة وسامية جمال وجميل راتب وشكيب خوري وإحسان صادق وآخرون. كان لمشاركة عمر الشريف في فيلم "لورنس العرب" (١٩٦٣) شأن كبير في وصوله إلى أدوار أخرى في السينما العالمية.

عرب بلا إنسانية

نتج عن الاستيطان اليهودي وتقسيم فلسطين عام ١٩٤٨ وظهور الكيان "الإسرائيلي" واحتلاله أراضٍ عربية أخرى عام ١٩٦٧ شكل جديد من تنميط صورة العربي في السينما العالمية، وخصوصاً الشخصية الفلسطينية. عمد الإنتاج السينمائي العالمي والأميركي خصوصاً في السبعينيات إلى تثبيت بعض الأفكار في عقول المشاهدين، إذ لم تكتفِ تلك الأفلام بتصوير العرب بأشكال وأنماط تدعو إلى السخرية أو الرثاء، بل ظهر مسعى سياسي واضح أضيفت إليه غاية فكرية مفادها التحذير من العرب وتصوير "إسرائيل" كدولة مؤيدة ومدافعة عن مصالح الشعوب وخاصة عن المصالح الأميركية. بعض هذه الأفلام أصبحت نماذج يحتذى بها في تناول الإرهاب مثل "الأحد الأسود" (١٩٧٧) و"الشبكة" (١٩٧٦) الذي كان أول فيلم يحذر من هجمة استثمارية عربية تحدّ من حرية الإعلام وتستولي على محطاته. قام جاك شاهين في كتابه "العرب السيئون" بتوثيق عدد كبير من الأفلام التي شوّهت العرب وصوّرتهم كأشرار بربريين. لم يخل هذا من أفلام جيدة وإيجابية كفيلم "الرسالة" (١٩٧٦) و"أسد الصحراء" من إنتاج المخرج السوري الأميركي مصطفى العقاد.

في العشرين سنة الأخيرة من القرن الماضي ومع المتغيرات الحاصلة في العالم العربي الداعية إلى إحياء مسائل السلام والتطبيع، ومع بحث "إسرائيل" – في الوقت الذي تدعي أنها تريد مد يد الصداقة بينها وبين الشعوب العربية – عن ذرائع لمواصلة حربها الإعلامية وابتزاز المزيد من المعونات الخارجية، غدت الصورة التقليدية للعرب غير محدّثة، فذاك التشخيص المستنتج من حكايات ألف ليلة وليلة، وتلك الفنتازيات الساحرة لم تعد الغالبة في سوق العلاقة بين الغرب والعرب. المشارك الجديد هو مجموعة من الأفلام الأميركية التي غالبا ما تدعي أنها تريد بحث الموضوع العربي بجدية مثل "هانا ك" (١٩٨٣) و"ثلاثة ملوك" (١٩٩٩) و"المحارب الثالث عشر" (١٩٩٩).

ومع بداية القرن الحادي والعشرين، استمرت أفلام العنف التجارية التي تنتج بأرخص العناصر الفنية في تقديم صورة إرهابيين عرب يشكلون خطراً على سلامة المجتمع الدولي، لكن على الرغم من ذلك ظهر في الغرب من فهم هذه الأفلام لا لسوء مقصدها وافترائها فقط، بل لسوئها من حيث إلغائها للحوار الإنساني والثقافي في العلاقة بين شعوب العالم. تجدر الإشارة أخيراً إلى أن العرب لم يكونوا العرق الوحيد الذي شوهته هوليوود، إلا أن الصورة العربية اتخذت انعطافاً أكثر عنفاً بسبب الصراع العربي "الإسرائيلي".

عبّودي أبو جودة

نشأ عبّودي أبو جودة – الجامع الشغوف للملصقات الثقافية والسياسية – في بيروت حيث غُرس فيه هذا الشغف وهو في عمر الست سنوات من قبل والده الذي كان عاشقاً للسينما. بدأ العمل في النشر بعد إنهائه دراسته الثانوية، وهو اليوم يمتلك دار الفرات للنشر والتوزيع. في نهاية السبعينيات، قرر عبّودي أبو جودة أن يتبع شغفه في الجمع والأرشفة كطريقة يتملك من خلالها أجزاءً حقيقية من الأفلام التي يحبها.

مضى عبّودي أبو جودة في بناء مجموعة مهمة وكبيرة من المطبوعات وملصقات الأفلام القديمة من لبنان والوطن العربي والعالم. حصل على ملصق فيلم "رحلة السندباد السابعة" (١٩٥٨) وهو في سن المراهقة، حيث كان هذا الملصق الأول مجموعة "لص بغداد". منذ حوالي خمس عشرة سنة، بدأ عبودي أبو جودة التركيز على موضوع التصوّر الغربي عن العرب من خلال الملصقات السينمائية بعد أن لاحظ ملصق فيلم "لص بغداد" بأشكاله وأنواعه المتخيلة والمتنوعة عند الرسّامين في العديد من البلدان. منذ ذلك الحين، تراكمت المجموعة لغاية الآن لتصل إلى ٥٥٠ ملصقاً سينمائياً و٣٠٠ صورة ودفتر إعلاني من حوالي ٢٠ دولة. تمثل هذه الملصقات المرسومة لصاحب المجموعة رحلة فنية في عالم الخيال.