معرض "الجدار/ بيروت"... عندما تستحيل الحياة جداراً والخراب جمالاً (+ صوَر)

2018-09-14 10:00:00

معرض
جوزيف كوديلكا . تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان

والارتباط بين المشروعين يوضح هذه الرسالة، فـ "مشروع بيروت يركز على نهاية مرحلة مأساوية من التاريخ اللبناني، وكانت بالطبع القضية الفلسطينية أحد محاور الحرب الأهلية الأليمة، ومن هاتين التجربتين، استطعنا أن نبرز المعرض كشاهد على التأثير البشع الذي يتسببه الجدار، وتأثير الحرب الأهلية على مدينة بيروت، وتأثير إعادة البناء على مدينة بيروت الذي كان نوع آخر من الهدم".

افتتحت دار النمر للفن والثقافة، يوم 12/ أيلول في بيروت، معرض "جوزيف كوديلكا: الجدار/ بيروت" بالتعاون مع وكالة ماغنوم للصور، فاحتفت جدران الدار بسلسلة من الصور البانورامية التي شكلت مجتمعة نسخة عن جدار الفصل العنصري في فلسطين، بينما كان "بيروت" عبارة عن توثيق لنهاية الحرب الأهلية وحال مركز العاصمة بيروت مُدمراً في نهاية العام 1991.

الحياة كجدار

"ليس لدى الفلسطينيين الكثير من الفرص، وعليهم ألا يفقدوا الأمل"، بهذه الكلمات اختتم المصور التشيكي الأصل "جوزيف كوديلكا" كلمته التي بدأ فيها معرض "الجدار/ بيروت"، وتجلت تلك الكلمات في عدسته التي التقط بها سلسلة من الصور لجدار الفصل العنصري خلال رحلته إلى فلسطين بين عامي 2008 و2012، مختاراً تقنية الصور البانورامية، لتشكّل تلك الصور مجتمعة بجسم واحد ألبوماً مطويّاً بطول ٢٢ متراً يضم ٣٥ صورة تم توليفها في شريط واحد، بشكل يشبه الجدار، فتجول بك تلك السلسة في تفاصيل ذلك الجدار، حتى ترى مدى سطوته وقسوته بحق من يفصل بينهم، وتتلمس الدمار الذي حل مكان البناء، باقتلاعه مساحات شاسعة من الأرض، وتفهم مدى سطوة الموت على الحياة، وفي الوقت ذاته الحياة كرغبة يسعى إليها من وقف وبقي صامداً أمام هذا الصرح المخزي والعنصري. يتخلل الصور الكثير من التفاصيل التي يصعب الحديث عنها، وهذا في صلب ما ذهب إليه كوديلكا عندما قال: "لم أصادف ما يفوق هذا الجدار قوة وتأثيراً، لا في أنقاض وسط بيروت ولا عند تصوير تشوهات طبيعة أوروبا بفعل المناجم، وهذا الجدار يبتر الأرض ويشوهها".

وعن المراحل والخطوات التي أدت إلى وصول هذه الصور وعرضها بالطريقة المعادِلة للجدار نفسه، بعد أن كانت موجودة في كتاب، وقد استغرقت من كوديلكا ثماني زيارات إلى فلسطين، تقول رشا صلاح، المديرة التنفيذية للدار، لرمّان: "من البديهي القيام بمثل هذا المعرض، فدار النمر ملتزمة دائماً بمعارض عن قضايا تخص فلسطين، كما كان العمل مع لاريسا سنسور رائعاً، وكيفية تخيلها للجدار وكيف يمكن أن نتخطاه، وتحدت الاحتلال والجدار والحدود وما وراء الجدار، وكان العمل بطريقة خيالية فنية أنتجت شيئاً عظيماً".

وأضافت أن "للمصوّر كتب ومواضيع ليست عن الجدار، ونحن معنيون بما يخص الجدار من عمله، والصور كانت معبرة معبرة جداً وملهمة، وتبين كيف أن الجدار الإسرائيلي يدمر الأرض ويقتلع الشجر، وكيف يقف الفلسطيني صامداً رغم ذلك".
 

جوزيف كوديلكا ورشا صلاح . تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان
 
 تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان


الخراب كجمال

في الجزء الآخر من ثنائية المعرض، "بيروت"، تتمظهر التفاصيل في صور المدينة المدمرة (ساحة المدفع، شارع المعرض، سيتي سنتر، مقهى السلام، مبنى العازارية)، وكأنها المعادل البصري للذاكرة المثقلة بمرويات الحرب ونهايتها، بيد أنها لا تنتمي للتوثيق وحسب، أي توثيق الدمار وما خلفته الحرب، ففي الصور كل مساحة من مركز المدينة له معناه وتفصيله وقصته، فتحول الدمار إلى آثار شاهدة على الحياة والموت معا، وأضحى الخراب جمالاً امتلأ بالرموز، وانعكس في النفس تارة شعوراً مريحاً في معرفة تاريخ تلك المرحلة، وتارة غير مريح في العمران على تلك الآثار.

التوثيق والرمز والمشاعر، ثلاثة أساسات يعتمدها كوديلكا أثناء عمليات التصوير التي يقوم بها، فالصور شديدة التباين في أثرها، موصولة المعاني بما تريد أن تبينه وتوضحه للعالم، فأنت أمام ثنائية، تمثل بداية ونهاية، عن طريق عدسة استطاعت أن تصل بين فلسطين وبيروت، الزمن فقط هو ما يفصل بينهما، بداية من الجدار الذي استحالت معه حياة الفلسطينيين إلى جحيم، ونهاية بالخراب الذي أخذ شكلاً جمالياً، ولم يكن منفراً بسبب أنه تدمير للمكان، وهنا تبرز مشاعر كوديلكا ورمزيته في الصور التي يلتقطها، مبتعداً عن الإبهار البصري بالألوان، معتمداً على الصيغة البانورامية، إذ برزت حميمية اللحظة التي أُخذت فيها الصورة والمعنى الذي أحسّهُ عندما التقطها، واستطاعت أن تحافظ على معانيها وأحاسيسها، فلا تقول "ما أسوأه من تاريخ" بل "ما أجمله من احتفاظ بالتاريخ بهذه الطريقة".

بما يخص هذه الثنائية، حدثنا المسؤول الإعلامي في دار النمر عمر ذوابه بأنه في هذا الخصوص من الجيد الاستعانة بما كتبته دومينيك إدّه "الارتباط المأساوي بين المشروعين والمدينتين"، وأن "مشروع بيروت يتكلم عن هدم البناء بينما الجدار عن بناء الهدم"، مضيفاً بأن "وجود الجدار في فلسطين يدمر التواصل بين البشر ويدمر الحياة ويدمر مشاغلهم والطبيعة، وهذا هو تركيز جوزيف في إبراز تأثير الذنب الذي اقترفه الإنسان بحق الطبيعة والمساحة، وتأثير الجدار على الفضاء الذي يشغله، فالرابط واضح جداً، ونتج عنه هذا الجمع بين الجدار الذي تم تنفيذه بين سنة الـ 2008 و2012، ومشروع بيروت الذي تم في 1991 ونتج عن تصوير بيروت كتاب تم نشره في 1992".

 تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان
 
 تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان
 
 تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان


الانتشار العالمي والوصول بشكل أوضح

يدفعنا المعرض وما حواه من صور لها تاريخها، إلى السؤال عن مدى أهمية هذا المعرض، وكيف يمكن أن يساعد في إيصال حياة من ظُلِموا بأكثر مظاهر التاريخ عنصرية، جدار الفصل العنصري، وهل الفن ما يزال نوعاً من المقاومة غير المباشرة، التي تسهم في تصدير حالة الشعب الفلسطيني وما الذي يعانيه من الممارسات المتواصلة بحقه، يرى عمر بأن الرد على تلك الأسئلة يتمحور حول الدور الذي يجب أن نفعله، فهم كدارٍ تهتم بالفن والإنتاج الثقافي، لهم رسالة وهي: "منح مساحة للفن والإنتاج الثقافي من فلسطين والمنطقة العربية ومن الشرق الأوسط، فبالتالي هذا المعرض هو استكمال للرسالة التي نحاول إيصالها، والجمع بين الجدار الذي آثر على حيوات الناس في الضفة الغربية والداخل".

والارتباط بين المشروعين يوضح هذه الرسالة، فـ "مشروع بيروت يركز على نهاية مرحلة مأساوية من التاريخ اللبناني، وكانت بالطبع القضية الفلسطينية أحد محاور الحرب الأهلية الأليمة، ومن هاتين التجربتين، استطعنا أن نبرز المعرض كشاهد على التأثير البشع الذي يتسببه الجدار، وتأثير الحرب الأهلية على مدينة بيروت، وتأثير إعادة البناء على مدينة بيروت الذي كان نوع آخر من الهدم".

يستقبل المعرض زوّاره حتى ٢٢/١٢/٢٠١٨
 

 تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان
 
 تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان
 
 تصوير: أحمد أبو سالم . رمّان