"أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس

2018-08-20 11:00:00

 

ومع شتى المحاولات التي بذلتها منال ديب للعودة والاستقرار في فلسطين إلا أنها باءت جميعها بالفشل، وكأن قدر الفلسطيني أن يزين الشتات بلوحاته وقصائده وعبقرية إنتاجه الفني والعلمي والأدبي، ما دام الوطن الفلسطيني محتلاً.

على مرتفع مطل، في حي الشيخ جراح، الفلسطيني الصامد، على مرمى البصر من أسوار مدينة القدس العتيقة؛ اختار أديب العربية إسعاف النشاشيبي إقامة قصره المهيب عام ١٩٢٢، والذي أصبح محجاً لكثير من الأدباء والمفكرين العرب.

يقع قصر إسعاف النشاشيبي في طابقين تبلغ مساحة كل منهما ٢٩٦ متراً مربعاً، ويقع على قطعة أرض مساحتها ١٢١٠ متراً مربعاً. وقد أشرف على بنائه المهندس اليوناني الأصل سبيرو خوري، وينتصب بأحجاره زهرية اللون، قبالة جامع الشيخ جراح على خطوات من مستشفى السانت جون المعروف شعبياً باسم "مستشفى العيون" بالإضافة الى مستشفى السانت جورج المعروف "بالمستشفى الفرنسي". هذا القصر المهيب فقد صاحبه عام ١٩٤٨، وتنقل بين أيدي المؤسسات، لتديره اليوم مؤسسة إسعاف النشاشيبي لخدمة الشأن الثقافي المقدسي في حي يكاد الاحتلال يستكمل تهويده بالاستيلاء على آخر ما يتبقى من مبان عربية فيه.

في هذا البيت العربي الثقافي أقامت الفنانة الفلسطينية الأمريكية معرضها الفني الذي أطلقت عليه اسم "أبعاد ذاتية“، في الفترة ما بين الثاني والتاسع من  ٢٠١٨. تعرض فيه عدداً من اللوحات المعبرة عن ثقافة الفنانة منال ديب، وتوجهاتها، تتميز اللوحات بواقعتيها وألوانها وتحررها المدرسي والفكري، وتظهر بألوانها الداكنة بين الرمادي والأبيض والأسود.
 


الفنانة ديب فنانة فلسطينية تحمل الجنسية الأمريكية، درست الفن التشكيلي ومن ثم علم النفس والعلاج عن طريق الفن، غادرت مدينة رام الله عام ١٩٦٨، لكن جذور عائلتها اللاجئة ترجع إلى قرية دير طريف، على طرف السهل الساحلي الفلسطيني المحتل، وبخصوص ذلك تقول ديب إن ذكرياتها تتشكل بما يجري في وجدانها ومشاعرها نحو فلسطين، إنها محاولة لرسم صورة رائعة للعيش في بيت يغمره الحب.

تعتقد منال ديب أن لوحاتها الفنية تعيدها إلى الناس الذين تحبهم مع رسالة إلى العالم كله، وهو أن كل ما يجري من فوبيا عالمية ضد العرب والمسلمين، ومن صورة مشوهة، لا يمكن أن يمنعها من إعطاء صورة إيجابية عن جذورها وهويتها الثقافية، مع ذلك تصبح الأعمال أحياناً سلوى وهروب، وتؤكد ديب أن واقع الوطن ليس كما تفكر فيه وتحبه؛ لذلك فإنها تحاول خلق وطنها الخاص الموازي في أعمالها الفنية؛ حيث تجد الراحة، والسلوان، ومنطقة آمنة للهروب إليها.
 


في معرض"أبعاد ذاتية" لوحات تضم حروفاً من الخط العربي، وألواناً عدة متناثرة بحريّة على سطح اللوحة. تكرر ديب رسم صورة وجه امرأة في لوحاتها، من المدهش أن تكون هذه الصورة هي صورة وجهها الشخصية في بوتريه جميل، كما أنها تؤكد أن كل لوحة من أعمالها تحمل حكاية تسرد ذاتها، عن الغربة، امرأةٍ تجابه عدواً غاشماً، بالإضافة إلى لوحات مرسومة بتقنية الرسم الرقمي ”الديجيتال“، وقد أشارت إلى أن فكرة الديجيتال تتوالد من وحي الإحساس اللحظي بعد قراءة نصّ كتابي مؤثر كالشعر.

يمكن القول إن منال ديب لا تنتمي إلى مدرسة فنية واحدة بذاتها، فهي تمارس فنها بكل المجازفة من خلال الدمج ما بين التشكيلي والخط والرقمي، وفي بعض الأحيان أدوات أخرى كلحاء الشجر أو قطعة قماش. وتذكر منال أن نقاداً فنيين نقدوا أعمالها تحت بند ”مجازفات فنية“، وهي مسرورة بهذا التصنيف النقدي، وتعبّر عن ذلك بالقول: "كل عمل لدي له قصة وتعابير مجازية، لا يمكن إسقاطها على مدرسة فنية بعينها".

عن ظروف رسم اللوحات وإعدادها لتصل بكامل الأناقة إلى الجمهور، تقول منال ديب إن معظم لوحاتها تخرج إلى النور بعد قراءة قصيدة، تتأثر بها فتقوم بتحويلها إلى لوحة تشكيلية، فتصير لوحتها قصيدة. وتضيف "كلما تأثّرت بقصيدة عن بلادي فلسطين أو عن الغربة، تجدني أحولها إلى لوحة فنيّة.“


سبق لمنال ديب أن عرضت لوحاتها بين 29\11\2012 و11\2\2013 في إحدى معارض مقر الأمم المتحدة في نيويورك، متزامناً ذلك مع رفع مكانة فلسطين إلى دولة غير عضو في الهيئة الدولية، ومع أن مدة العرض كانت أطول مدة لفنان فلسطيني يعرض في تاريخ مقر الأمم المتحدة، إلا أنّ المعرض لم ينل اهتماماً من قبل المؤسسات الثقافية الفلسطينية، مع أنه لفت أنظار بعض المؤيدين لإسرائيل في نيويورك، فنشرت مقالات لاذعة مناهضة للمعرض. 

ومع كامل نجاحاتها، وانتشارها عالمياً وقد أصبح لديها الكثير من المعارض الفنية في أمريكا وأوروبا مع قلة في الوطن العربي، لكن منال ديب تقول إنها ما زالت تتلقى الانتقادات كونها فتاة فلسطينية تدرس الفن بشتى تكويناته وكيفية استخدامه للتعبير بحرية قد لا تلائم الثقافة أو ما تسمى التربية العامة وحدودها.

ومع شتى المحاولات التي بذلتها منال ديب للعودة والاستقرار في فلسطين إلا أنها باءت جميعها بالفشل، وكأن قدر الفلسطيني أن يزين الشتات بلوحاته وقصائده وعبقرية إنتاجه الفني والعلمي والأدبي، ما دام الوطن الفلسطيني محتلاً.

وكأن النوستالجيا طاقة الفلسطيني الجبارة التي تدفع أجمل ما فيه دوماً إلى الخروج حروفاً وألواناً وفناً تشكيلياً؛ يشهد على ذلك مقول الفنانة "الرسم هو ملجأي الوحيد من الغربة" وشهادتها الصريحة حول الغربة حيث قالت " كان للغربة أثر كبير في نفسيتي وشخصيتي وبالنهاية في تكوين لوحاتي.“