عرضها الأخير "جوغينغ" في مهرجان أفينيون (أوف)

حنان حاج العلي: لم أمنع نفسي يوماً عن أي دور (أفينيون)

2018-07-26 13:00:00

حنان حاج العلي: لم أمنع نفسي يوماً عن أي دور (أفينيون)
من العرض، من صورة لـ Pierro Chiussi

لا أعلم إن كنت سأقوم بعمل إبداعي لي بعد ”جوغينغ“ الذي استغرقت عملية ولادته ما يقارب الخمس سنوات.أنا لا أقوم بعمل إبداعي ذاتي إلا إذا تملكتني رغبة جامحة وإلا أحسست أن هناك حاجة قوية  للقيام بذلك. لست من النوع الذي يقوم بعمل فني لأنه يجب أن أكون موجودة على الساحة الفنية طوال الوقت. العمل الفني بالنسبة لي ضروري أن يكون استجابة لمخاض مرتبط بقضايا العيش وغالباً ما يكون عسيراً.

غالباً ما تلعب حنان حاج العلي على حبلي الأمان والخطر في مشاريعها. تعتبر أنه من غير الممكن الذهاب بالتراجيديا إلى أقصاها إلا من خلال تقليب وجوهها المتعددة ومقاربتها من خلال احتمالات معانيها المتراكبة، هذا من حيث التعاطي مع المضمون، أما من حيث الأسلوب فإن اعتماد التهكم والسخرية واللعب فوق فوهة الهاوية على حد الحبل الرفيع ما بين التراجيديا والكوميديا معاً هو ما يعين برأي حنان على تقديم الفجيعة.

ترى في زوجها روجيه عساف المعلم والملهم الأول. يهمها كثيراً العمل الجماعي وتهوى النقاشات الحادة والصدامية. لا تهاب هدم المرتكزات التي تنطلق في العملية الإبداعية مراراً وتكراراً. وهذا ما حصل أكثر من مرة أثناء تشييد عرضها الأخير "جوغينغ" الذي يصول ويجول منذ سنتين. هذا العام وصلت حنان بهرولتها إلى مهرجان أفينيون ”أوف“. وهنا لقاءٌ لرمان مع حنان الحاج علي يبحث في خصوصية هذا العمل وعلاقته مع الجمهور/الجماهير.

 

أذكر أن  المسودة الأولى لـ ”جوغينغ“ والتي حضرها الجمهور كانت في مهرجان ”نحنا والقمر والجيران“ عام ٢٠١٤. وكانت حنان تمارس هرولتها على درج الفاندوم في منطقة مار مخايل... وكان العرض مختلفاً تماماً عن النسخة النهائية له اليوم. أين كانت نقطة الإنطلاق لتكوين فكرة عرض ”جوغينغ“؟

حتى تاريخ  مهرجان ”نحنا والقمر والجيران“ لم يكن ببالي أن أقوم بعرض مسرحي. كنت أنا حنان، كعادتي كل يوم، أركض وأمشي في شوارع بيروت. هناك أمران يجعلاني أتحمل وأواجه وأحيانا أتخطى الوضع المتحول الهمجي في هذه المدينة، هما المسرح والرياضة. كنت وقتها أدوّن انطباعاتي وغالباً ما كنت أركز على تدوين أحلام اليقظة، إلى أن أتى أورليان الزوقي وإيغيك دونيو (من مؤسسي مجموعة كهربا التي تنظم مهرجان نحنا والقمر والجيران)  واقترحا أن نتعاون معاً على القيام بمشروع ما في المهرجان. حينها لم يكن لدي أي مشروع ولكنني قلت بما أننا في مهرجان شارع وفضاءات عامة وهناك علاقة مع المدينة، أعتقد أن هناك بعض المدونات التي تنفع أن يتم مسرحتها. وحين اطّلع  إيغيك على بعض المدونات أعجب كثيراً بالفكرة. وهكذا بدأنا. عملنا  لمدة شهرين، ضمن أوقات متقطعة على النص. ومنذ بداية الفكرة  كنت أود أن أُدخِل في سياق العرض آله الهرولة وكان بالنسبة لي الغرض الوحيد الذي سنستخدمه في السينوغرافيا… وبدأنا مرحلة التمارين على تلك الآلة التي قمنا بتفكيكها خلال البروفات حتى لن يبقى منها في نسخة ”نحنا والقمر والجيران“ سوى هذا الدولاب المطاطي الدائري ذات الخط الأبيض الذي يوحي أننا نمشي في شوارع المدينة.

أخذت الفكرة حينها صدى كبيراً بحيث أصبح هناك طقس عند أهل الحي الذين كانوا يتابعونا يومياً خلال التمارين. أذكر تحديداً الأطفال ومجموعة من الناشئة الذين كانوا يأتون كل يوم ويحضرون كراسيهم الصغيرة ليتابعوا البروفا.   هنالك يوم اعترضوا حين ألغينا أحد التمارين التي انتهت بحفظهم لمسرحية وبدخولهم في المشهد الأخير أثناء تقديم العرض فكانوا مفاجأة لي وللجميع.. وجدت وقتها أن النسيج الذي حبكه هذا العرض عاطفياً وفكرياً واجتماعياً في المهرجان مع أهالي الحي ومع الناس ومع الصحافيين الذي تواجدوا يستحق  أن أعمل عليه وأن أطوره أكثر. ومن هناك بدأت المغامرة.
 

Pierro Chiussi ©


لتلك المغامرة محطات تشييد للعمل متعددة ومراحل وسلسلة من التعاونات.. أليس كذلك؟

من بين من حضروا المهرجان حينها، كان هناك مدير مؤسسة Moussem محمد إقعوبان وقد أعجب بالعمل الذي لم يتخط النصف ساعة، والذي سرعان ما بدا لنا أنه نواة لعمل مسرحي يستحق التطوير. وصدف أنه من ضمن عمل مؤسسة ”موسم“ تأمين إقامات فنية تتيح للفنان العمل على تطوير مشروعه. فكان أن اقترح علي المدير فكرة تنظيم إقامة فنية لتطوير عرض ”جوغينغ“. استغرق الأمر ما يقارب السنة ونصف كي تتم تلك الإقامة ولكن خلال هذا الوقت كنت قد رتبت ورشة عمل في دوار الشمس في بيروت للعمل على الشكل والإخراج.

تعاونت حينها مع محموعة من الفنانين الشباب المتميزين: المصمم الغرافيكي دافيد حبشي والموسيقي وائل قديح وجواد السنني والأخير هو مغربي/ بلجيكي مبرمج إضاءة على الكومبيوتر حيث قمنا بعمل برمجي ملفت حيث  الإضاءة تتشكل مباشرة من خلال حركة الجسد خلال العرض الحي. ولكننا خضنا نقاشاً أنا وإيغيك الذي أصبح مع الوقت المدير الفني للمشروع حول الهدف الأساسي من هذا العمل: ماذا نريد منه؟ هل نريد أن ندهش فقط؟ الحقيقة أنني أردت أمراً آخر. أردت للمسرح أن يستعيد جوهره كمختبر دائم في علاقة مستمرة مع مجريات الحياة من جهة، وبصفته، من جهة أخرى، فعل مواطنة ومنصة نقاش أي ”الآغورا“ المفتوحة على المدينة والناس... وإذا ما أردت القيام بذلك، لا أريد أن أحصر نفسي في بيروت التي تمتدّ خارجها فنياً وثقافياً شبه صحراء قاحلة. منذ البداية، أردت أن أذهب بهذا العمل إلى المناطق المهمشة، إلى المدارس، إلى المخيمات… ولن أستطيع أن أحضر ياسين السبتي في كل مرة مع معداته وبرامجه. فوضعت كل هذا البحث جانباً.

في الإقامة الثانية بدأت مرحلة العمل على النص، كان ذلك عام ٢٠١٥ حيث انضم عبدالله الكفري إلى العمل كدراماتورج. حينها اقترح عبدالله أن يتم إعادة طرح الحائط الرابع في عملية بناء النص: أي تقديم عمل تمثيلي محض دون أن يكون هنالك أي تفاعل مع المشاهد. لم أكن مقتنعة تماماً بما اقترحه عبدالله إلا أن الثقة المطلقة المتبادلة ما بيني وبين عبدالله وإيغيك دفعنا بأن نذهب بطرحه للآخر مع الحرص على إبقاء مساحة واسعة للنقاش.. عندما أتت الإقامة في بروكسيل بعد سنة ونصف كان عبدالله قد تخلى عن فكرة الحائط الرابع واقتنع بفكرة أنه هذا النص يجب أن يحطم كل الجدران ويجب أن يبني مساحة نقاش مع الناس لنستعيد فكرة ”الآغورا“. وهكذا قمنا ثلاثتنا ببحث مضن حيث بدأنا مجدداً من الصفر ولكن هذه المرة بدا لنا جلياً أن البناء الدراماتورجي والفني يشيد على تصور مفهومي واضح ومتين وأيضاً هنا قام إيغيك، خلال ورشة الإقامة، برسم خارطة لبيروت ما تلبث أن تختفي عناصر منها حتى يبقى منها في النهاية طيف امرأة مع ولديها.

ولكن خلال الإقامة الفنية الأخيرة التي قمنا بها في بيروت اعتمدنا كلياً مبدأ "المسرح الفارغ" حيث تعتمد المسرحية فقط على الممثل والعلاقة مع الجمهور أياً يكن هذا الأخير وعلى استثارة خياله… مثلاً لنأخذ حكاية فيديو شخصية إيفون وهي شخصية مستندة على حدث حقيقي حيث قتلت امرأة نفسها وسممت بناتها ثم سجلت فيديو تشرح فيه أسباب انتحارها.. في البداية كنت مصرة على الحصول على هذا الفيديو لأني اعتبرت أنه سوف يكون مستنَداً مهماً لي ولم أتخل عن هذه الرغبة إلا مرغمة لأن الشريط اختفى، ولكنني مع الوقت اكتشفت أن اختفاء هذا الفيديو استثار مخيلتي كما دفع كل مشاهد إلى أن يتخيل ما يريد أن يوجد في الشريط. وكان أن تولد من ازدواجية الحضور والغياب هذه أحد أجمل وأهم مشاهد عرض "جوغينغ".
 

Pierro Chiussi ©


ماذا عن حكاية هذا الفيديو وكيف قمت بالربط بين ما هو مستند على وقائع حقيقية وما هو مستند على حياة حنان الشخصية وصولاً إلى أسطورة ميديا… لإبراز فكرة العرض الأساسية التي تركز على قتل الأم لأبنائها والأم هنا تحمل أيضاً بعداً رمزياً… كيف قمت بهذه الخلطة؟ 

بعد ثلاث ساعات من اكتشاف الشريط على أرض الواقع، يختفي هذا الأخير. عادةً، من الممكن بطلب رسمي من المحامي الاطلاع على شريط الفيديو. لم أكن أريد منذ البداية الاطلاع على الشريط ولكنني عرفت من مصادر موثوقة أن الشريط تم إتلافه لأسباب عائلية ولكن من اطلع من المقربين على هذا الفيديو حفظ الجملة التالية التي قالتها ايفون وهو اسمها الوهمي: ”أنا قتلت نفسي وأخذت معي بناتي كي لا يعيشوا العذاب الذي عشته لأؤمن لهم مستقبلهم“. وهذه هي نفس الجملة التي قلتها لنفسي في الحلم الذي حلمته أنا وأركض حين وصلت أنا وابني إلى منتهى العذاب أثناء  إصابته بمرض السرطان. كنت دائماً أفكر: ”هل من المعقول أن تقتل أم أبناءها لتخلصهم“ وهنا عاد طيف ميديا مجدداً. كنت أفكر بميديا منذ عام ٢٠٠٩. وأتت لاحقاً حكاية زهرة التي قدمت كل المعنى لوجود ميديا لأنه عندما انهارت كل أفكار تلك المرأة الجنوبية اليسارية وكل عالمها تلجأ إلى الله وإلى التضحية ثم تتمنى أن تصبح أماً لشهيد، فيستشهد ولداها وتصبح فخورة... ولكن المعنى لن يكتمل تماماً إلا عند استشهاد ابنها الثالث في سوريا والذي أرسل لها رسالة قبل وفاته تشرح حيثيات موته. ليس هناك من ميديا واحدة في لبنان… في لبنان، ألف ميديا وميديا.

إلى أي مدى  محرج أو متعب أو حتى مريح أن تستند حنان على تجربتها الشخصية كمثل إصابة ابنك بالسرطان، وتوظيف هكذا حدث في العرض. هل فكرت بالأمر من منطلق أخلاقي؟

على هذا المستوى، كان هناك نقاش مسهب مع روجيه ومع ابني علي… روجيه ليس من النوع الذي يتكلم عن أموره الشخصية والحميمية. أنا تغريني في المسرح خلط الخاص بالعام ولا أتوانى عن الحديث عن بعض حميمياتي ولكنني أقوم بالأمر بطريقتي الخاصة. ولكن يجدر التوضيح أن ما تم عرضه بالنهاية كان نتيجة النقاش والتوافق ما بيننا.

Pierro Chiussi ©


أنا ألعب دور محامي الشيطان في سؤالي التالي: في العرض هناك مشهد يتحدث عن علاقتك الحميمية كحنان بزوجك وهناك أثناء العرض إيحاءات الجنسية. هل، لأنك محجبة تحديداً، تميلين لكسر الصورة النمطية للمرأة المحجبة؟

هل من الممكن أن تتحدثي في عرض يتناول كل النواحي التي تناولتها في عرضي دون المرور على هذه الناحية؟ ألإنني محجبة عليّ أن أتلافى فكرة أنه لدي رغبة جنسية… لا أتقصّد لأني محجبة أن ألعب هذا الدور. لم أمنع نفسي يوماً عن أي دور. هنالك دورٌ واحد فقط شكل تحدياً كبيراً لي وحينها رفض  روجيه  تقديم المسرحية المتعلقة به وهو دور ألماسة في مسرحية ”طقوس الإشارات والتحولات“. آنذاك أرسل لنا الراحل سعدالله ونوس نص ”طقوس الإشارات والتحولات“ ولم يكن مطبوعاً بعد. ذُهلت بدور ألماسة... كنت أقول لروجيه "هالمسرحية رائعة لازم نعملها". كان يجيبني حينها: "أنت مجنونة... بدي نعمل هيك مسرحية والعيون مفتحة علينا، لا المسيحيين قابلينا ولا المسلمين قابلينا ولا حدا قابلنا بهالجمهورية. بدك الأمة كلها تقوم ضدنا!". ولكني للأمانة كنت في نفس الوقت وخلال إصراري على روجيه أشعر أنه فعلاً لا أستطيع القيام بهذا الدور: هناك مشهد طويل حيث يتم "تعرية" ألماسة وتحويلها لعاهرة… ولكن اليوم أقول: أستطيع القيام بذلك… أستطيع لعب دور ألماسة إن صممت على الأمر.

كيف يتطور العرض مع جماهير متنوعة ومتعددة؟ إلى أي مدى كانت تجربة الحكواتي حيث كانت الفرقة تجول في المناطق وتبني علاقة عضوية مع الناس والمكان مفيدة في هذا المجال؟

تطوّر العرض أراه أكثر كتطور علائقي. عندما تذهبين مثلاً إلى كلية الآداب في الجامعة اللبنانية في الفنار وتضطرين إلى أخذ المنابر التي يجلس عليها الأساتذة وتجميعها مع بعضها البعض لتشييد منصة مسرحية منها… وبناء علاقة مع المكان والناس من الصفر…

تجربة الحكواتي ومدرسة روجيه عساف والأمثلة المسرحية ضمن هذا التوجه عديدة: هناك أيضاً موليير الذي كان يجول بمسرحه على عربة، وآريان منوشكين أيضاً… عندما تؤدي العلاقة التفاعلية والعضوية مع الناس إلى نتائج غير متوقعة، كأن يقوم عبد اللطيف قطيش من قرية عيناتا الجنوبية، الرجل الذي لا علاقة مبدئياً بالمسرح بكتابة أهم النصوص لتجربة للحكواتي، فهذا الأمر دليل على ضرورة وجودة هذه العلاقة العضوية مع الناس والمكان وعلى أهميتها. حيث كنا نذهب لتقديم عروضنا، كانت العلاقة التي كنا نبنيها فيها هذا القدر من الصدق والغوص في المعيوش وفي الذاكرة الحية الذي يجعلنا نعطي أدواراً فعلية للناس وأصحاب المكان… لم تكن العلاقة شكلية كما هي اليوم… هذه الروح العضوية الحقيقية للعمل الجماعي وكيفية إشراك الناس والاهتمام بالمكان كفضاء حي وكيف من الممكن اختراع المنصة… هذا هو التطور العلائقي الذي أتحدث عنه.

ماذا عن عملية تبدل النص في سياقات العروض التي قمت بتقديمها لجماهير متعددة ومتنوعة؟

غالباً ما أدخل عناصر جديدة لها علاقة بحدث طارئ أو بفضيحة جديدة تحصل خاصة تلك التي "بتضبضب وبتتلفلف". كما أنني أدخل بعض العناصر المرتبطة بالبلدة التي أقدم عرضي فيها أو بمكان وفضاء العرض، طبعاً مع احترام الخصوصية… وخلال جولاتي، أتعرض لأحداث ولمواقف فظيعة مثلما حصل في مهرجان ادنبره  المسرحي حيث لم تمنح الحكومة البريطانية تأشيرات عدة فنانين وتقنيين عرب ومنهم المدير التقني لعرض ”جوغينغ“ كرم أبو عياش. في البدء، رفضت الذهاب إلى المهرجان ولكن بتشجيع من روجيه عساف وبسمة الحسيني، ذهبت إلى ادنبره وجعلت حادثة كرم جزءاً من العرض. وكنت أردد اسم كرم أبو عياش كل يوم في مقدمة العرض حيث أثرت مسألة رسائل المنع التي أرسلتها الحكومة البريطانية لحد حضور الممثلة الشهيرة ايما طمبسون في أحد الأيام إلى مهرجان ادنبرة وقامت بمفاجأة الجميع، بمن فيهم أنا، وقراءة رسائل المنع الفعلية لإبراز مدى سطحيتها وإذلالها لمن مُنعوا. كان للأمر صدى كبيراً حينها، وبالنهاية أعطيت الفيزا لكرم، ولاقى العرض استحسانا كبيراً وحصلت على جائزة أفضل تمثيل Vertebra Prize For Best Actor.
 

Pierro Chiussi ©


لقد قمت بجولة في المناطق المهمشة كما قدمت العرض لجمهور المسرح المكرّس في بيروت… كيف اختلفت التجربة، تحديداً عملية التلقي؟

أحياناً  تبنين لنفسك حياة مهنية كاملة ولكن هنالك دائماً محطات استثنائية. بالنسبة لي، محطاتي الاستثنائية هي ”أيام الخيام“، ”جنينة الصنايع“، ”تاهت ولقيناها“ لمدرسة الدرب الأحمر و ”جوغينغ“. هنالك شيء سحري في هذه المسرحيات. عندما أريد أن أعرف أن مسرحيتي ناجحة أم لا أقدمها لجيراني.. حينها أعرف مدى نجاح عملي. أستطيع أن أقول أن ”جوغينغ“ قادرة على استقطاب جمهورها أينما ذهبت. إذ يجد كل جمهور فيها ضالته ولا أتحدث بالضرورة عن نفس الضالة لدى كل الجماهير: هناك جمهور يجد أن هناك  لغة سهلة وعميقة في نفس الوقت قادرة على مخاطبته وهي لغة غير معتاد على سماعها ولكن كأنه يسمعها كل يوم، لغة قادرة على  تحريك أشياء كامنة داخله وهو جمهور يشاهد المسرح للمرة الأولى في حياته. الجمهور المثقف مثلاً، يجد ضالته بالمعنى السياسي ويهمه أكثر المسار الفني والبحثي للعمل والطبقات المتعددة لميديا… ميديا هي بيروت والعالم في نفس الوقت. الفنان الحقيقي بالنسبة لي هو من يضع نفسه في حالة خطر. أتحدث عن الخطر الفعلي من حيث الفكرة والمعالجة والتوجه وكل شيء: إذا لم أخاطر وأقدم هذه المسرحية في النبطية وفي الفرع الأول وفي الفنار، إذا كنت أريد أن أقدمها فقط في المناطق الآمنة، ما فائدة كل ما أقوم به؟ إذا لم أحرك المياه الراكدة وإذا لم  أقم بمساءلة الثوابت العفنة التي ننام عليها، سيخسر الفن برأيي من دوره.

ما هو جديد حنان الحاج علي بعد أفينيون أوف Avignon Off؟

هنالك جولة لعرض ”جوغينغ“ في الأردن والمغرب وفي سنغافورة كما هناك عرض من كينيدي سنتر لتقديم المسرحية في واشنطن.  بعد ذلك، أريد أن أخوض مشاريع تمثيلية مع مخرجين آخرين. هناك مشروع مع المخرجة اللبنانية كريستيل خضر وهناك اقتراح جدي بالقيام بعمل مشترك لبناني أميركي بمشاركة لمارتينا ماجوك الحائزة على جائزة بوليتزر هذا العام. ولكنني غالباً ما أكون حذرة فيما يتعلق بالأعمال المشتركة.

لا أعلم إن كنت سأقوم بعمل إبداعي لي بعد ”جوغينغ“ الذي استغرقت عملية ولادته ما يقارب الخمس سنوات.أنا لا أقوم بعمل إبداعي ذاتي إلا إذا تملكتني رغبة جامحة وإلا أحسست أن هناك حاجة قوية  للقيام بذلك. لست من النوع الذي يقوم بعمل فني لأنه يجب أن أكون موجودة على الساحة الفنية طوال الوقت. العمل الفني بالنسبة لي ضروري أن يكون استجابة لمخاض مرتبط بقضايا العيش وغالباً ما يكون عسيراً.