في هذا السياق تعتبر إيلينا ناصيف، مديرة المورد الثقافي أن الرقابات في المنطقة العربية، ما زالت تقوم بدور وصاية على الجمهور بينما الجمهور عامة والشباب خاصة يستهلكون المنتج الفني والثقافي بشكل متحرر من سلطة الرقيب إما من خلال الأقمار الإصطناعية أو الانترنت أو الأسواق غير المراقبة التي تؤمن منتجات مقرصنة والخ. وبالتالي أصبح من الضروري على السلطة أن تزيل الرقابة وأن تتعامل مع الجمهور كناضجين أسوياء لديهم القدرة على قراءة النصوص بشكل معقد وتحليلها وأخذ الموقف منها.
يقول المنتج النرويجي إيريك هيلستاد أن مساحة حرية التعبير عرضة للتقلص في بلدان عديدة ويبدو له أن مسألة حقوق الإنسان تتعرض لضغوطات في بلاد الديمقراطيات المستقرة حتى كالنرويج. هذا ما دعاه إلى تأسيس KKV (شركة غير ربحية) عام ١٩٧٤ مع مجموعة من الموسيقيين والفنانين والمنتجين وذلك إيمانا منهم بضرورة توسيع مساحة حرية التعبير الفني.
منذ إطلاق مشروع "تهويدات من محور الشر" وهو ألبوم موسيقي تم إنتاجه عام ٢٠٠٢، كرست KKV نفسها لدعم فنانين من الشرق الأوسط والتعاون معهم. فأتى مهرجان ريدزون إحدى نتائج هذا الإلتزام وكان لا بد حينها من بناء شراكةٍ متينة مع المورد الثقافي الذي يحتفي بنسخة المهرجان الثالثة في بيروت هذا العام (٣- ٨ أيار/مايو) حيث تمّ إنتاج خمسة أعمال فنية لفنانين من سوريا ولبنان والمغرب وفلسطين ومصر. بعد تقديم تجهيز "حدائق تحكي" لتانيا خوري عام ٢٠١٦ وإثر تقديم سلسلة أفلام لمخرجين عراقيين كمحمد الدراجي وعباس فاضل، تمّ التركيز هذا العام على أعمال فنية -تنوعت بين المسرح والتجهيز الفني والموسيقى والرقص- تسائل حدود حرية التعبير وتعالج مواضيع الحرب والدين والجنسانية حيث يتم تسليط الضوء على العلاقة الشائكة بين العنف والموت والخوف والتسامح.
أتت تلك التيمات بشكل تلقائي ويبدو أنها انشغال يراود عددٌ لا يستهان به من فناني المنطقة اذ تُرك المجال للمشاركين في المهرجان لإبراز القضايا التي تعنيهم وبالتالي التفاعل مع الجمهور بناء على أولويات غير مفروضة عليهم بل وليدة العملية الإبداعية. وتمت عملية انتقاء الأعمال بناءً على دعوة مفتوحة للفنانين العرب، أطلقها المورد بالتعاون مع مؤسسة KKV بالتقدم إلى منحة إنتاجية استثنائية لدعم أعمال إبداعية في مجالات الرقص والمسرح والموسيقى والفنون البصرية والتجهيزات متعددة الوسائط في أيار 2017 وتم اختيار المشاريع التي حازت على المنحة من قبل لجان تحكيم مستقلة. ترى دانا المهاجر، منسقة الإعلام والتواصل في المورد، أن الموضوعات التي تمّت مقاربتها من خلال الخيارات الفنية والاجتماعية والسياسية للفنانين المشاركين ارتبطت بمعظمها بالحرب. تشكل الحرب انشغالاً مشتركاً لعدد من الفنانين كما تشكل السياق التي تدور فيه الأحداث التي يبحث فيها الفنانون. أي هي واقع ومادة البحث الفني في أربعة من الأعمال التي يتم عرضها حالياً في بيروت. على سبيل المثال، ينقل التجهيز الفني "دخلت مرة في جنينة" لبيسان الشريف، كريستيل خضر ووائل علي، التجارب الجنسية الأولى لبعض الأفراد واكتشاف حميمية الجسد خلال أوقات الحرب كما تبحث مسرحية "الإعتراف" لعبدالله الكفري ووائل قدور في مفهوم الغفران انطلاقاً من شخصيات تعيش راهن وتداعيات الحرب السورية، بينما يبني الفنان التشكيلي محمد المصري، تجهيزه على فكرة إعادة تصنيع الدبابات كنموذج صناعي يعنى بالدرجة الأولى بإعادة انتاج الصراعات والحروب.
وعن سبب التعاون بين KKV والمورد الثقافي تقول دانا مهاجر أن هذه العلاقة التي بدأت منذ عام 2014 وهي تتسم بالثقة المتبادلة فمؤسسة KKV تبدي اهتماماً بقضايا المنطقة العربية وتعمل مع فنانيها بشكل دائم وليس موسمي وقد بنت شراكات حقيقية مع عدد من الفنانين التي تقوم بإنتاج أعمالهم. وبالتالي اتفقت المؤسستان أن مسألة حرية التعبير وما يرتبط بها من محظورات هي ليست إشكالية مرتبطة بالمنطقة العربية حصرياً بل بالنرويج وأوروبا أيضاً. يثني هيلستاد على هذه النقطة معتبراً أن صراع الحريات هو صراعٌ كوني، وبناءً عليه من المهم دمج الطاقات مع فنانين من الشرق الأوسط حيث التجارب مع الرقيب ومع عقبات تحد من حرية عملية الإنتاج الفني متعددة ومتنوعة. يقول هيلستاد أن بودّ مؤسسته دعم هؤلاء الفنانين كي يستمروا في عملهم الإبداعي الحر ولكي يتم التعلّم منهم حيث يصار إلى خلق زمالة دولية بين الفنانين أنفسهم. وفقاً لهيلستاد حرية التعبير غير موجودة إن لم تعطَ حيزاً وفضاءً ما. سوف تستمر الفنون في نقل حقائق عن الواقع بطرق أكثر عمقاً عما تنقله الأخبار أو النقاشات الشفهية. لذا حرية التعبير وحرية الممارسة الفنية يشكلان عنصران أساسيان للمجال العام.
في هذا السياق تعتبر إيلينا ناصيف، مديرة المورد الثقافي أن الرقابات في المنطقة العربية، ما زالت تقوم بدور وصاية على الجمهور بينما الجمهور عامة والشباب خاصة يستهلكون المنتج الفني والثقافي بشكل متحرر من سلطة الرقيب إما من خلال الأقمار الإصطناعية أو الانترنت أو الأسواق غير المراقبة التي تؤمن منتجات مقرصنة والخ. وبالتالي أصبح من الضروري على السلطة أن تزيل الرقابة وأن تتعامل مع الجمهور كناضجين أسوياء لديهم القدرة على قراءة النصوص بشكل معقد وتحليلها وأخذ الموقف منها.
من الأعمال التي دعمها المورد في السنوات الأخيرة فيلم تامر السعيد "آخر أيام المدينة" الذي لم يعرض بعد في مصر لأنه لم يحصل على إذن الرقابة لكنه عرض في معظم مدن العالم وبالتالي في حالته حرم الجمهور في مصر من مشاهدة عملاً مبدعاً عن مدينتهم يسمح لهم أن يروا أنفسهم بعين الفن.
الحرية قيمة أساسية يحملها المورد الثقافي وهي تصب في صلب رؤيته لحياة ثقافية عربية نشطة ومتنوعة. وتشكل المنح الإنتاجية إحدى السبل التي يتم من هلالها تدعم حرية الفنان بالتعبير وكما تدعم منح السفر حقه بحرية التنقل. كما أن أهم برنامج في هذا السياق هو برنامج كن مع الفن الذي جرى تطويره عام ٢٠١٦ للإستجابة إلى حاجة الفنان إلى الحرية والأمان في ظل واقع متغير وظروف صعبة أدت إلى تهجير عدد كبير من الفنانين إلى خارج المنطقة بينما يعيش من اختار البقاء تحت ظروف صعبة من الممكن أن تؤثر على حياته وفنه.