عُرض في ٢٤/٩ في "مسرح المدينة"، ضمن برنامج "أيام فلسطينية" لدار النّمر

«المتشائل» الفلسطيني في بيروت

2017-09-26 10:00:00

«المتشائل» الفلسطيني في بيروت
من العرض في بيروت، ٢٤/٩، في مسرح المدينة

قدم الفنان الكبير محمد بكري عرضه المسرحي الأشهر والأكثر وزناً في التجربة الفنية الفلسطينية ربما، بكى وأبكى بعض الحضور. الدعوة كانت عامة وتقريباً امتلأت مدرجات مسرح المدينة بالكامل، اللطيف في العرض أن بكري تفاعل مع الجمهور ليشكلوا حالة تشكل جزءاً من حالة النص المسرحي والأداء، وليس من باب الترفيه. لا أعلم تماماً، إن كانت الحالة قد وصلت للجميع، ولا أعلم أن إقحام الجمهور العربي بمثل هذه اللعبة يمكن له أن يتناسب وواقعهم الافتراضي اليوم بالتهام القضية الفلسطينية عبر يوميات الاقتحامات والشهداء والأسرى وغيره وغيره.

كتبت مرات عدة عن بيروت وضياعي في شوارعها بحثاً عن أمل كان يتنفس من جدران يتكئ عليها الفدائيون.. لم أجد من ذلك الحلم أي شيء، وبالطبع ظلت بيروت مدينة الحلم خارج الأمل الفلسطيني الملفوف بكليشهات النصر والحصار الممتد من أرضنا إلى أرضنا، ومن درويش إلى أسماء كثيرة فلسطينية وعربية.

هذه الأيام يزور بيروت، محمد بكري، الممثل والمخرج الفلسطيني، صاحب مونودراما «المتشائل» التي قدمها على خشبة مسرح المدينة 24/9، على بعد أمتار قليلة من مكان تنفيذ عملية الويمبي التي نفذها الشهيد خالد علوان ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي في 24/9/1982.

أهي مصادفة أم مفارقة، أم ماذا.. ليس لي علم، ولكن هنالك ما يقودني لأن أقول إنها مفارقة بين مقاومتين، البندقية والفن، وفي ذات المدينة وذات الشارع.

المتشائل أو سعيد أبي النحس، أو محمد بكري، أو إميل حبيبي، حضروا جميعاً بكامل أناقتهم، ونزقهم وامتثالهم لصوت الرحلة المستمرة منذ النكبة حتى اليوم. هل جاء محمد بكري إلى بيروت ليخبر العالم العربي، أن النكبة هناك ما زالت، وما زلنا هناك ننتظركم، وما جئت إلا لأذكركم بنا؟

أتى محمد بكري، وكأن محمود درويش وعلي فودة وإسماعيل شموط وتوفيق عبد العال وغيرهم من الفلسطينيين الكبار حضروا معاً على خشبة المسرح، عادوا معا بصوت واحد، يجدد إخبار من ماتوا ومن رحلوا ومن ذهبوا في غربة راحة الضمير تجاه فلسطين، أن الأرض في الجنوب تلك التي تسمى فلسطين، ما زالت فلسطين، وما زالت تنتظر.

لماذا أربط بينهم، بين مبدعينا؟ قد أسأل نفسي. في الغالب لأن قدوم محمد بكري وآخرين من مبدعينا الكبار، أولئك الذين يرفعون اسم فلسطين، لأنّه يرفعنا، ويحضرون قصتنا التي نجرب سردها كل يوم، بأساليب مختلفة مضحكة ومبكية، مغناة ومرسومة، ومكتوبة شعراً ورواية. نحاول أن نجد لأنفسنا حيزاً من الوجود داخل تيه العالم وفوضاه ومحاولاته نزع الشرعية عنا، ليس لكوننا أبناء فلسطين، أو أعداء إسرائيل، بل لأننا ضعفاء.. لكن ما يجعلني أشعر بالقوة، هو مقاومتنا المستمرة، مقاومة في الأرض ومقاومة في السماء تتمثل بفنانين كبار يفرشون الأرض سحراً قد لا يرسم علم فلسطين، ولكنه يفتح مجالاً لسؤال حقيقي وبارع عن معنى تلك الأرض التي يتحدثون عنها، من محمود درويش لسميح القاسم وإميل حبيبي وتوفيق زياد ومحمد بكري وهاني أبو أسعد ورمزي أبو رضوان والإخوة جبران وغيرهم وغيرهم.

سؤال هذه الأرض، والإجابة البارعة في إبداع كل فلسطين، يؤمن لنا نحن العاديين، إجابة أيضاً عن حلمنا بتلك الغائبة، تلك المسلوبة، والمحقونة بالوجع. لماذا نؤمن بالإجابة، ربما لأن فلسطين معرفة بالتاريخ والصراع عليه، كذلك بتأريخ التاريخ فناً وإبداعاً.

«جنين جنين»

عُرض الفيلم في صالة "دار النمر" (25/9) ضمن فعاليات "أيام فلسطينية"، وكان اللافت أن الفيلم كما هو معروف لغته بسيطة ومطواعة للبسطاء، لن أقول أبناء المخيم، لكن الملاحظة أن معظم الحضور كان من الفئة المثقفة العارفة بنخبوية الوجع الفلسطيني الناطقة باسمه بلغة انكليزية مطعمة ببعض العربية أو العكس.. لا أعرف إن كان «جنين جنين» محضر فقط لهؤلاء، ولا أعلم لماذا لم يحضر أبناء الوجع إلى العرض، وهنا لا أوجه أي لوم للرعاة أو الدعاة، أو حتى محمد بكري، ولكن ألا يدعو مشهد الحضور إلى السؤال عن مأساة القضية الفلسطينية في مقلب آخر، هو الشعب؟

«المتشائل»

قدم الفنان الكبير محمد بكري عرضه المسرحي الأشهر والأكثر وزناً في التجربة الفنية الفلسطينية ربما، بكى وأبكى بعض الحضور. الدعوة كانت عامة وتقريباً امتلأت مدرجات مسرح المدينة بالكامل، اللطيف في العرض أن بكري تفاعل مع الجمهور ليشكلوا حالة تشكل جزءاً من حالة النص المسرحي والأداء، وليس من باب الترفيه.

لا أعلم تماماً، إن كانت الحالة قد وصلت للجميع، ولا أعلم أن إقحام الجمهور العربي بمثل هذه اللعبة يمكن له أن يتناسب وواقعهم الافتراضي اليوم بالتهام القضية الفلسطينية عبر يوميات الاقتحامات والشهداء والأسرى وغيره وغيره.

 أخيراً، "المصالحة" التي نشأت بين أهل الداخل والمحيط العربي، وهنا اللبناني، والفلسطيني المقيم أو اللاجئ، بنيَت على أساس الثقافة والمعرفة، ولا أعلم إن كان الجميع قادراً على التنبه اليومي، للعنصرية الإسرائيلية بحق الداخل الفلسطيني وأهله ممن لم يُهجّروا بفعل التطهير العرقي قبل نحو 70 عاماً.

إن كان حصل فخير، وإن لم يحصل، فثمة محاولة أخرى لمبدع آخر.
 
من العرض في بيروت، ٢٤/٩، في مسرح المدينة