«مادوليا» للكولومبي إدواردو أوتالورا، عن دار كنعان

2017-08-08 16:00:00

«مادوليا» للكولومبي إدواردو أوتالورا، عن دار كنعان
عن دار كنعان للنشر في دمشق، صدرت رواية «مادوليا» للكاتب الكولومبي الشاب إدواردو أوتالورا مارولاندا، وترجمها إلى العربية الكاتب الفلسطيني باسل أبو حمدة، في مسعى أدبي يهدف إلى إلقاء بقعة ضوء على تلك الفجوة الفاصلة ما بين عمالقة الرواية في أمريكا اللاتينية وبين كتابها الجدد من الشباب، الذين يبرز من بينهم صديقنا إدواردو، بوصفه صاحب إحدى تجارب السرد الأولى التي تشكل، إلى حد كبير، امتداداً،لا يخلو من أصالة، لمدرسة الواقعية السحرية التي أبدع فيها غابرييل غارسيا ماركيز من بين آخرين، وتلبي شغف جمهور عريض على امتداد العالم بإبداعاتهم الأدبية. 


من شقته في الطابق السابع في مبنى سكني يقع وسط العاصمة الكولومبية بوغوتا، اختار إدواردو لنفسه تحدياً إبداعيا من نوع خاص يحاكي من خلاله تيار الواقعية السحرية، الذي أبدع في ميدانه مواطنه الحائز على جائزة نوبل للآدب غابرييل غارسيا ماركيز، فعلى الرغم من أنه لم يدخل قط إلى بيت للدعارة، وعلى الرغم من حساسيته من البيئة البحرية، إلا أن إدواردو كتب قصة تجري أحداثها في هذين المسرحين على وجه التحديد، وفي زمن لم يعشه قط. أما النتيجة، فجاءت على شكل رواية نشرت في إسبانيا تحت عنوان «ماديولا» (بري- تيكستوس، 136) وحازت على جائزة خوان "مارش سنسيو" للرواية القصيرة 2012، ونقلتها إلى العربية دار كنعان في دمشق، بينما التقط نصها مسرحيون كولومبيون شباب وحولوها إلى عمل مسرحي عرض على إحدى خشبات مسارح العاصمة الكولومبية بوغوتا.


يدرك إدواردو أن النقص في التجربة الحيوية قد لا يكون لصالح الكاتب الشاب، ولكنه يقرر خوض تلك المخاطرة مبرراً ذلك بالقول: «أغذي نفسي مما يمكنني أن أتخيله. لا حاجة لي للعيش فيه». في «مادوليا» يروي الأديب الشاب قصة استثنائية لبائعة هوى متقدمة في العمر يبرعم الحليب في ثدييها مجدداً بعد أن فاتها قطار العمر لإطعام طفلة بعينين يلفهما اللون الأبيض بالكامل وجدت نفسها يتيمة منذ لحظة الولادة الأولى. رواية سوريالية تنطوي على تأثر واضح بأسلوب السرد الأدبي الذي انتهجه العديد من الأدباء الأمريكيين اللاتينيين، وعلى رأسهم صاحب "مئة عام من العزلة". «أردت الإجابة على سؤال ما الذي كان ليفعله -ماركيز- كي يروي حكاية؟» على حد تعبير إدواردو. «المرء يتشكل ككاتب انطلاقاً مما يكتبه الآخرون»، على هذا النحو ولج إدواردو لعبة محاكاة "غابو"، وراح يفك شيفرة بناء عباراته وجمله الساحرة. «بينما كنت أمارس هذه التمارين، لمعت في ذهني شخصية مادوليا، مفسحة في المجال لتقاطع ظاهرتين: حب للغة من جهة وللشخصية الغريبة التي خطرت على بالي من الجهة الأخرى»، كما يتذكر إدواردو، الذي يصف بطلة الرواية بالغريبة لا لشيء إلا لأنها أدخلته في مغامرة حدودها  الخيال، وأقحمته في حالة جامحة من الابداع. 


في حالة "ماديولا"، يجد القارئ نفسه أمام رواية يقطر منها الأبيض مهما كانت زاوية النظر إليه، لكنه ليس بياضاً حليبياً نقياً، بل كثيف يلف الجميع ويدخل الجميع في حالة سكر لحظة ملامسته». 

«مادوليا»،التي تنطوي على قصة مثيرة للقلق تلتصق فيها طفلة حديثة الولادة، لغياب الأم، بذلك الثدي السخي لعاهرة تقرر إطعامها، حكاية تجمع بين عناصر عديدة تستقي عوالمها من الرومانسية، والترحال الروحي، والخيال والإثارة والتشرد. رواية قصيرة نسبياً لفتت انتباه أعضاء لجنة تحكيم جائزة خوان مارش سنسيو، وحظيت باحترامهم لاعتبارات تتعلق بـ«جودة جوهرية»، وهو الشرط الحاسم في اختيار الفائزين بهذه الجائزة.


بصرف النظر عن المدارس الأدبية التي ربما تنتمي لها المخطوطات المقدمة لهذه الجائزة، ومعاييرها المستقلة والمتباينة، التي يمكن أن تستوعب آراء لجنة التحكيم، تبقى مادوليا عملاً أدبياً يتمتع بقوة استثنائية من حيث لغة الاستعارة التي تحتضن العمل بأكمله، وكانت بالتأكيد واحدة من أفضل الأعمال المرشحة للجائزة، ذلك أنها بحسب لجنة التحكيم، تتوافق مع شرائع الواقعية السحرية الإسبانية الأمريكية، وتمتلك عنصراً يميز قصة الكاتب الكولومبي الشاب حتى عن الكتاب الكولومبيين الذين تغذى إدواردو على تجاربهم الأدبية مثل الراحل غابرييل غارسيا ماركيز، لأنه ليست هناك حاجة في الوقت الحالي للاستعارة الاجتماعية تقف وراء هذا النوع الأدبي، ما يعني أن هناك واجباً أخلاقياً ومطالبة بإيصال رسالة معينة، ذلك أن الوظيفة التي كانت تضطلع بها مدرسة الواقعية السحرية كقناة تواصل في التاريخ السياسي للقارة الأمريكية من خلال لغة الاستعارة قد انتفت مع وصول الديمقراطية إلى هذه البلدان، حسب آراء بعض النقاد. 


أما الشخصيات في هذه الرواية، فإنها تترك نفسها لتُرى بوضوح لأن إدواردو لا يمتلك ذلك الميل إلى خلق مثل تلك الشخصيات التي حتى لو بقيت بعيدة عن الصور النمطية، إلا أنها قطعاً ليست نقطة الاستناد القوية والوحيدة في الرواية، فاستناداً إلى رؤية مؤلفها، فإن «قوة إغراء العبارات» تكمن في إظهار مدى جرعة الخيال فيها ضمن عملية الإبداع الأدبي اللامتناهية.


«مادوليا» تروي فصول أزمة تعصف في ميناء يمر في أزمة مزمنة أصلاً، أزمة تأتي، تحديداً، عن طريق الوفرة المتفجرة بفضل ظهور طفلة حديثة الولادة تلتصق، بسبب موت أمها، بالثدي السخي لبائعة هوى تقرر تغذية الصغيرة. على هذا النحو يمضي كل حدث في هذه القصة، التي يفيض فيها كل شيء: الزمن، الشخصيات، الأبيض وحتى الأحمر، لكن قبل كل شيء، الكلمات. «مادوليا»، في الوقت عينه، رواية زاخرة بالمحتوى والوفرة، وفرة المعنى والمبنى على حد سواء.

ولد إدواردو أوتالورا مارولاندا في بوغوتا (كولومبيا) عام 1981. عندما أنهى دراساته في الفلسفة، أدرك أن ميله لا يسير باتجاه صرامة البحث ولا صلابة الحجة والبرهان، وهكذا كرس اندفاع الكاتب وزخمه لإبداع مشاريع أدبية. وفي سيرورة سعيه إلى تكوين نفسه بهذا المعنى، عاد إلى مقاعد الدراسة وحصل على درجة الماجستير في الكتابات الإبداعية من جامعة كولومبيا الوطنية، التي تخرج فيها عام 2010، بينما يوزع وقته، حالياً، بين الكتابة والعمل مدرساً جامعياً ومعداً لبرنامج أدبي إذاعي، بينما تعد رواية «مادوليا» باكورة أعماله الروائية.