عن «شارع فرعي في رام الله» لأكرم هنية 

2017-07-20 18:00:00

عن «شارع فرعي في رام الله» لأكرم هنية 
Pixelated Intifada . للفلسطيني عامر الشوملي . 2014

هنا يتذكر المرء قصيدة محمود درويش في المدينة وسطره "مدن تبنى على عجل" ولكنه -أي المرء- سيلحظ وجهة نظر أخرى، فالقاص الذي يختفي وراء المهندس ماجد -وفيه من ماجد الكثير، بل إن في ماجد من القاص الكثير- لا يرى في رام الله مدينة موحشة. إنه يرى فيها مدينة جميلة يمكن العيش فيها.

«شارع فرعي في رام الله» هو عنوان الإصدار الجديد للقاص أكرم هنية. كان القاص أصدر أولى مجموعاته القصصية في 1979 في رام الله تحت عنوان «السفينة الأخيرة… الميناء الأخير» وفيها كتب عن موضوعات تخص العالم العربي وأخرى تقارب الاحتلال، والعلاقة بين الشاعر والسلطة وزيارة أنور السادات الرئيس المصري للدولة العبرية وسخريته من الثوار وموقف هؤلاء من خطوته التي أقدم عليها. واستوحى الكاتب بعض قصص التراث مثل قصة الشاعر النابغة الذبياني وعلاقته بالنعمان بن المنذر ليقول من خلالها ما أراد قوله عن العلاقة الملتبسة مع الحاكم. 

ووظّف في قصصه تلك عنصر الخيال واللامعقول الذي غدا سمة مميزة لقصص الكاتب، سمة ستبرز لاحقاً في مجموعاته القصصية كلها.

المجموعتان الثانية «هزيمة الشاطر حسن»، 1980، والثالثة «وقائع التغريبة الثانية للهلالي»، 1981، تقاربان تقريباً كثيراً من الموضوعات التي قاربها في مجموعته القصصية الأولى، ولكنهما تخوضان أكثر في واقع الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي وتغوصان في حياة أهل الضفة الغربية ومعاناتهم أكثر وأكثر، ولا عجب، فالقاص عاد من العالم العربي واستقر في رام الله  وغدا نشيطاً في الحياة السياسية. 

لم يتخلّ القاص عن التجريب وعنصر المخيلة واللامعقول، وإلى جانب هذا برز الحس التحريضي الدعائي في القصص التي كتبها. كما لو أن الأديب على رأي الماركسيين يحارب من خلال الكلمة. 

البقاء في الأرض ومقاومة الاحتلال ومحاربة الشخصية الفلسطينية السلبية كسمسار الأرض وبائعيها وتمجيد المقاومة، هذه كلها هي موضوعات قصصه وأفكارها، وحتى النموذج النسوي الذي برز في قصصه كان نموذجاً إيجابياً مقاوماً.

سينقطع أكرم هنية عن الكتابة لمدة خمس سنوات وما عاد يصدر كل عام مجموعة قصصية. في العام 1986 ستصدر في قبرص مجموعاته القصصية الثلاث السابقة مع مجموعة جديدة عنوانها «عندما أضيء ليل القدس» ستصدر تحت عنوان هو «طقوس ليوم آخر» وستحضر القدس في قصصه بشكل لافت  وكانت حضرت من قبل في قصة «بعد الحصار… قبل الشمس بقليل»، في المجموعة الأولى. كما لو أن القاص كان يتنبأ بما ستؤول إليه المدينة التي أخذ يتردد عليها يومياً منذ 1979 حتى تاريخ إبعاده في العام 1986، أستثني فترة الإقامة الجبرية التي فرضت عليه في رام الله في 1981 و 1982. 

ستحتل القدس في قصصه مكانة لم تحتلها مدينة رام الله التي ستحضر بقوة وبشكل لافت في قصته الجديدة «شارع فرعي في رام الله»، 2017. نذ إبعاده عن فلسطين لم يكتب هنية القصص لمدة خمسة عشر عاماً، وفي 2001 سيصدر مجموعته القصصية الخامسة «أسرار الدوري» التي تأتي بعض قصصها على حياته في تونس -وإن بشكل باهت- ولكن القاص سيكتب عن مرحلة ما بعد أوسلو؛ مرحلة السلام وما ألمّ بالمجتمع الفلسطيني إثر عودة الفلسطينيين الجزئية إلى الضفة، وهي عودة أثارت إشكال 

لم تستمر فترة الهدوء التي جلبها اتفاق أوسلو فسرعان ما اندلعت انتفاضة الأقصى وبدأت المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسيكون لهذه المواجهات آثارها وعواقبها وسيستشهد الفلسطينيون وسيموتون موتاً سريرياً. لا وقت للحب وسحره فالحواجز على الطرق والجنود الإسرائيليون مازالوا يقيمون الحواجز، ما يدفع الشباب الفلسطيني إلى مقاومتهم. 

ستشغل انتفاضة الأقصى تفكير الكاتب وسيكون لها حضور في مجموعته القصصية السادسة «دروب جميلة» 2007، وسيذهب القاص إلى أماكن جديدة وأزمنة لم يكن شاهداً عليها. سيكتب في «دروب جميلة» عن يافا قبل العام 1948 ليدحض مقولات صهيونية تذهب إلى أن فلسطين أرض بلا شعب وأنها أرض قاحلة مجدبة خربة جاء اليهود الصهيونيون ليعمروها. لقد كتب هنية عن يافا وازدهار الحياة فيها وعن الثقافة والسينما والكتب.

شارع فرعي في رام الله: 

منذ «دروب جميلة» لم ينشر القاص أية قصة قصيرة أو أي عمل أدبي إلا ما كتبه في 2008 عن الراحل محمود درويش. لقد عاش كرئيس تحرير جريدة الأيام في الظل، ونادراً ما أجريت معه مقابلة أدبية، بل ونادراً ما شارك في نشاط أدبي. لقد كان شبه منقطع عن الحياة الأدبية فلا مؤتمرات ولا ندوات ولا مقابلات ولا مراجعات لكتب يقرؤها. كما لو أنه اكتفى بعمله صحفياً. 

هذا الشهر فاجأنا بصدور نصه الجديد «شارع فرعي في رام الله» الذي أدرجه تحت دال "قصة". هنا يثير المرء إشكالية التجنيس. هل أخذ القاص يجرب كتابة نص أدبي مبتعداً عن فن القصة القصيرة الذي أخلص له؟ 

«شارع فرعي في رام الله» تبدو قصصا» قصيرة منفصلة عن بعضها البعض. كما لو أنها أجزاء لا صلة بينها ولكن القارئ ما إن ينتهي من قراءتها حتى يلحظ وحدة السارد والمكان وصورة رام الله بين زمنين مختلفين فيها. كما لو أنها رواية. إنها تذكّر قارئ الأدب الفلسطيني بأعمال أدبية فلسطينية سابقة دُرست مرة على أنها قصص قصيرة وثانية على أنها رواية، مثل «سداسية الأيام الستة» لإميل حبيبي و«مقهى الباشورة» لخليل السواحري. أجواء حرب حزيران وما نجم عنها هي المشترك في قصص السداسية، ومقهى الباشورة والقدس وحرب حزيران هي المشترك في قصص «مقهى الباشورة».

هل كان ما سبق حاضراً في ذهن أكرم هنية؟ 

سيكتب أكرم هنية عن رام الله التي ولد فيها وعاش فيها لسنوات طويلة، ثم غادرها إلى الدراسة في القاهرة وعاد إليها وأُبعد عنها لسنوات عشر تقريباً ثم عاد ليستقر فيها منذ 1996 وما زال مقيماً فيها. ستشغل رام الله، لا القدس خلافا للسابق، تفكير الكاتب وسيخصها بكتابه الجديد. 

رام الله في «شارع فرعي في رام الله» ستحضر لأول مره في عناوين مجموعات الكاتب، وستحضر في القصة كما لم تحضر في قصصه السابقة كلها، فحضورها في مجموعاته الست السابقة  كان ضعيفاً وباهتاً أيضاً. ستحضر رام الله بقوة، ومنذ 1997 سيبدأ التركيز على هذه المدينة بشكل لافت حتى أننا أخذنا نكتب عن سرديات رام الله. 
يكتب هنية عن رام الله في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، ويكتب عنها في العقد الثاني من القرن الحالي، ويرصد التغيرات التي طرأت على البشر والحجر. ويختار الكاتب مهندساً معمارياً ولد في رام الله وعرفها حياً حياً وشارعاً شارعاً وسينما سينما، ويكتب عن جيلين، بل ثلاثة أجيال عاشت في رام الله وكانت نظرتها للمدينة وعلاقتها بها شبه مختلفة. 

«شارع فرعي في رام الله» ستنضم إلى سرديات مريد البرغوثي «رأيت رام الله»، 1998، وفاروق وادي «منازل القلب»، 1998، ولكنها تختلف عنهما في أنها ترصد ما ألم بالمدينة في القرن الحادي والعشرين. 

هنا يتذكر المرء قصيدة محمود درويش في المدينة وسطره "مدن تبنى على عجل" ولكنه -أي المرء- سيلحظ وجهة نظر أخرى، فالقاص الذي يختفي وراء المهندس ماجد -وفيه من ماجد الكثير، بل إن في ماجد من القاص الكثير- لا يرى في رام الله مدينة موحشة. إنه يرى فيها مدينة جميلة يمكن العيش فيها.