صدر الكتاب مؤخراً عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع

"كم صرصوراً يحقّ لك أن تقتل؟".. مشهد من «حقل الفخاري» لمنذر مصري

2017-07-01 11:18:00

(عن الهوس البشري في إبادة الصراصير!؟)

النص عبارة عن مشهد واحد، هو المشهد الأخير، يعتمد، أساساً، على حوار بين شخصين اثنين لا ثالث لهما، إضافة لكتابات تظهر وتختفي، ويمكن اعتباره تحقيقاً أو محاكمة. إلاّ أنه يأخذ سمات الحلم.

المكان:

دون أي معالم، تعمّه الظلمة، ماعدا حين تتوجه الإضاءة للكتابات التي على الجدران. إلاّ أنه رغم ذلك غرفة تحقيق، أو قاعة محكمة فارغة. 

الإنارة:

مصوبة من الأعلى، تقتصر على شخص2، يصل شيء منها، طرفها في الجهة اليمينة إلى شخص1، على أنه لا يظهر واضحاً أبداً. كما تستخدم الإنارة في إضاءة الكتابات حيث يجب أن تكون مقروءة.

الكتابات:

عبارة عن أقول مكتوبة على لافتات من الورق المقوى، إما أن تكون ملصقة على جدارن المسرح مسبقاً، يسلط الضوء عليها ويعتم حسب النص، أو أن تعلق وتبدل ضمن سياق العمل. وهي أشبه بالعناوين، التي قد توضح وتساعد على جعل ما يجري قابلاً للفهم، أو ربما عكس ذلك، أي تقوم بالتشويش على الفهم الأولي للفكرة المطروحة. 

الشخوص:

شخص1، وكأنه المحقق، أو القاضي. ومن الممكن أن يوحى بأنه جالس على مقعد.

شخص2، من يُحقق معه أو من يُحاكم، نراه واقفاً في مكانه طوال الوقت، لكنه قد يتقدم أو يتراجع خطوة، أو ينحني، حين يتطلب الأمر.

المشهد الأخير

شخص1: اقترب. 

شخص2(يقترب ثلاث خطوات ويقف على مسافة معينة).

شخص1: اسمك؟ 

شخص2 (يجيب وجلاً): رحمن.. اسمي رحمن عبد الرحيم. 

شخص1: لكنك لست رحمن عبد الرحيم الشاعر السوري المعروف!؟

شخص2: وهل رحمن عبد الرحيم شاعر معروف عندكم أيضاً حتى أعرف به؟ لم أفكر يوماً أنه سيصل لعلمكم شيء كهذا، نعم يا سيدي، أنا.. أنا هو. كان يحيا في مدينتي أكثر من خمسة أشخاص بهذا الاسم، أحدهم صدمني مرة بسيارته، صدمة خفيفة والحمد لله، فكانت مناسبة أن يتعرف على أختي ويتزوجها. كما كان هناك شخص من مدينة حلب، مطلوب للعدالة، لا أدري لارتكابه أية جريمة، اعتقلت مرة بسببه، وسجنت ثلاثة أشهر، لتشابه الأسماء، رغم عدم تطابق تاريخ ميلادنا ولا أسمي والدينا، إلى أن تبين لهم، بعد أن ألقوا القبض عليه بالذات، أنني لست هو. ولكن في الحقيقة أنا ذلك الشاعر. 

شخص1: وأنت من يقول: عندما قال: "(بعل) غير موجود، خاف أن يكون (بعل) قد سمعه". 

تضاء اللافتة1: [عندما قال، (بعل) غير موجود، خاف أن يكون (بعل) قد سمعه].

شخص2: سيدي، هذا الكلام لا يعبر عني شخصياً، فأنا لم أقل: (عندما قلت.. أنا) بل قلت: (عندما قال.. هو) أي إنني كنت أصور حالة خارجة عني، حالة شخص آخر. 

شخص1: دعك من محاولة التهرب والدفاع عن النفس، ما أطلبه منك ليس الإقرار، بل فقط شيئاً من التفسير، ولا مجال لدينا أن تسهب كعادتك، بل باختصار ما أمكنك، فهناك أناس كثيرون ينتظرون دورهم. أما هذا الكلام بالذات، فلا حاجة لنا لإضاعة الوقت حوله، ذلك أنني فهمته على نحو جيد، ووجدته يتضمن اعترافاً بوجود (بعل)، أكثر من نكرانه، ولو بطريقة ملتوية. ولكن ماذا عن قولك: (بعل) هو الصرصور الأكبر. أ لم تخف أيضاً من أن يسمعك (بعل) وأنت تقوله ؟ 

تضاء اللافتة2: [(بعل) هو الصرصور الأكبر]. 

شخص2 (في حالة اضطراب شديد): لا أذكر أنني قلت هذا، أقصد، لم أقله حرفياً!. وأعتقد أن ما قلته، مهما كان، لم أكن أعني به هذا الذي يبدو عليه الآن. أذكر أنني كنت وقتها في إحدى مواجهاتي المتكررة مع أولئك المتدينين المتشددين الذين كانوا يحاربونني ويضيقون علي، باسمك، متحججين بأقوالك وقوانينك، الصحيح منها والمختلق، فقلت إن كان (بعل) كما تقولون عنه وكما تصورونه، فهو إذن على شكل صرصور كبير، أو هو الصرصور الأكبر، لا أذكر.. كنت في حالة غضب شديد، وقلت ما قلته من باب مناكدتهم وتحديهم. 

شخص1: الجيد في الأمر، انتبه إلى أنني أحاول فهمك دائماً على نحو جيد، أنك قلت إنه صرصور كبير، وهذا يعني أن لا أحد يستطيع أن يدوسه بحذائه. وإن كمية صغيرة من غاز لا تكفي لأن تؤدي به إلى حتفه. ما رأيك بهذا الاستنتاج؟؟

شخص2: هذا يا سيدي، أنت تعلم، أبعد شيء عن تفكيري. 

شخص1: ولكن ليس أبعد شيء عن أحاسيسك، ولا عن أفعالك. لن أسألك من أين لك كل هذه القدرة على القسوة وأنت شاعر، فقد عرفت شعراء كثيرين لا يملكون الحد الأدنى من الرحمة، تجاه أي شيء، ولا حتى تجاه عشيقاتهم، ولكني أفكر كيف يمكن لإنسان اسمه رحمن، ولقب عائلته عبد الرحيم. واسم أبيه، وهذا نادراً ما يحدث، أيضاً، رحمن، ألاّ يحمل من كل أسمائه هذه أي نصيب!؟.

شخص2: بالنسبة لاسمي، يا سيدي، تعلم أن أبي قد توفي خلال حمل أمي بي، فأطلقت علي عند ولادتي، اسم رحمن، إبقاء لذكراه، وليبقى هناك، على حد قولها، من تناديه باسمه، خلال حياتها. أما بالنسبة للرحمة.. 

شخص1 يقاطعه: كانت، رحمها (بعل)، من أوائل المعلمات في المدينة. وما زال هناك، بعد ثلاثين سنة على وفاتها، الكثيرون ممن يتذكرونها ويترحمون عليها. سمعتك تقول هذا مرات كثيرة، ولكن أنظر كيف تتسلسل وتترابط الأشياء، كنت أسألك عن قولك: (... الصرصور الأكبر)، تصور، أنا نفسي لا أستطيع تكرار الجملة كاملة، وعن أن اسمك واسم أبيك ولقب عائلتك هو (رحمن عبد الرحيم)، في حين أنك لم تظهر في حياتك أي نوع من الرحمة تجاه الصراصير.

شخص2 (مستغرباً): الصراصير سيدي!؟. 

تضاء اللافتات3 و4 و5: [الصرصور روح العالم] و[قسّم (بعل) الأرض، بين البشر والصراصير] و[كي تنجو عليك أن تتمتع بروح صرصور].

شخص1: نعم، الصراصير الصراصير. أفهم، أنك، أنت الذي تدعي أن موهبتك تكمن في رؤيتك للأمور دائماً من زاوية نظر مختلفة، تتقزز من الصراصير بكونها كريهة ومقرفة، كالجميع، وبدورك تعتقد أن (بعل) خلقها، فقط، لتقوم أنت وأمثالك، المصابون بما يمكن أن نطلق عليه: (هوس إبادة الصراصير)، بدعسها وسحقها، في أي وقت وفي أي مكان وجدت. ليس فقط حين ترتكب تلك الهفوة، ذلك الخطأ الجسيم، تلك الجريمة النكراء، والتي غالباً ما تكلفها حياتها، فتظهر لك وأنت تفتح خزانة الثياب، أو وأنت تسحب أحد أدراج المطبخ، أو عندما تشعل الضوء فتفاجئها وهي تعبر من طرف إلى طرف على أرض الحمام، فحسب، بل لو علمت أنها تحيا، لا علاقة لها بشيء، ولا تتدخل بشؤون أحد، في زاوية من زوايا خزانة في مستودع، أو أسفل أصيص نبتة على الشرفة، أو في تحت بلاطة مكسورة من بلاط الحديقة، أو في جوف بلوعة تحت الأرض، فإنك سوف تشمر عن ساعد الجد والعمل، وترش عليها كل لديك من مخزون الغازات الكيمائية المتوفرة في عبوات مضغوطة بخاخة، برائحة الياسمين، أو على هيئة مساحيق متطايرة شديدة السمية، والمديدة الأثر، تريد القضاء عليها عن بكرة أبيها، دون أن تأخذك بكبيرها أو بصغيرها، أو بمئات الأكياس من البيوض، رحمة أو شفقة. 

تضاء لافتات6 و7 و8: [لاشيء يقتل أسرع ويبيد أطول]- [يقتل بمجرد الملامسة]- [يقتل دون رائحة، يبيد دون رحمة]. 

شخص2: نعم، نعم، أظنني كالجميع. أكره وأتقزز من الصراصير، وأتحين الفرص لإبادتها كلما اعترضت، أينما وكيفما، طريقي. ولكني يا سيدي، على ما تعرفه عني من رغبة في إطلاع والمعرفة، لم أقرأ، ولم أسمع، ولم يصل إلى علمي عن أيّ طريق، أن هذا محظور أو محرم أو حتى مكروه بالنسبة للبشر، لا دينياً ولا إنسانياً ولا حيوانياً أيضاً. أعلم أن (بعل) قد حرم علينا تعذيب الحيوانات والإساءة لها، حتى إنه لا يسمح لنا بقتل ما حلل أكله منها، إلا بعد أخذ إذنه، وأنه قد يدخل امرأة في النار بسبب قطة لديها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. وأعلم أيضاً أن البشر بدورهم سنوا القوانين وأنشؤوا الجمعيات للدفاع عن الحيوانات، كما أنهم في أماكن أخرى من العالم أقاموا المشافي والملاجئ للمريض والشريد منها، ولكن يوماً لم يصل إلى مسامعي أن هناك شيئاً من هذا، بما يتعلق بالحشرات، كالذباب والبعوض والنمل و..الصراصير على الأخص. أحدهم لم يأت على ذكرها بخير أو بأي صفة حسنة. 

(يصمت شخص2 منتظراً أن يسمع رداً ما، ولكن شخص1 لا ينبس بحرف، ولا تصدر منه نأمة، وكأنه غير موجود على الإطلاق، يتابع شخص2 كلامه وقد زال عنه بعض خوفه): أما النمل، يا سيدي، فرغم أنني بطبعي أبعد الناس عن التشبه به، من ناحية الانتظام والإنكباب على العمل، ولكني شخصياً لا أكن له أي شعور بالعداء، أو أنني يوماً أبديت تجاهه رغبة بالإساءة، بل بالعكس، أذكر، وأنا أحيا لأشهر عديدة داخل حفرة فردية ضيقة، مردداً بيني وبين نفسي أنها تصلح لي تماماً كقبر، أنني شعرت مرات كثيرة بدبيب النمل على جسدي، فكنت أحرص على التقاط الواحدة منها بأطراف أصابعي، ووضعها بكل لطف، خارج الحفرة، في أبعد نقطة يمكن أن تصلها يدي. كان ذلك خلال الحرب، تصور، وكان هناك من يموت حولي، بينما أنا أهتم بحياة نملة. لا لا.. لست ذلك الشخص عديم الرحمة الذي تريد أن تثبت أنه أنا، ولا أظن أحداً، يعرفني أدنى معرفة، يمكن أن يقول هذا عني.

تضاء اللافتة9:[قالت: مشتاقة لك، ومشتاقة لكل نملة في أشوريا. قلت لها: لكني صرصور مغرد، كما تعرفين].

شخص1: ومع ذلك فقد قتلت من الصراصير ما يزيد عن المائة ضعف من المعدل الوسطي الذي يسمح به للشخص الواحد، من كان يكون. فهناك في أحد التقارير التي كتبها عنك الملاك الذي يقف على كتفك الأيسر، وهو، على ما يبدو، من الدقة بحيث لم يعترض على أية معلومة وردت فيه، ملاك كتفك الأيمن، وها أنا أقرؤه الآن: [في تاريخ 11/11/2011، تقدم المدعو رحمن رحمن عبد الرحيم بمعروض إلى بلدية مدينة اللاذقية، يطلب به أن ترسل عاملاً من قسم مقاومة الحشرات والقوارض، ليرش بالمبيدات الكيميائية المستودع الفارغ أسفل المبنى الذي يحتل بيته الطابق السابع منه. وبعد مجيء العامل المختص، وقيامه برش كميات ضخمة من مركبات الفوسفات السامة، على شكل ضباب كثيف، حاد الرائحة، هبت من أوكارها أعداد هائلة من الصراصير، قدرت من قبل عامل البلدية، بما يقارب ال /1350/ صرصوراً، من مختلف الأجناس والأعمار والأحجام، سوداء وحمراء وبرتقالية، صغيرة وكبيرة، ورقيقة وثخينة، بأجنحة كبيرة وأجنحة ضامرة، وهرعت، وهي على آخر رمق، في كل اتجاه، لترتمي في جميع أنحاء المدخل الواسع، مستلقية على ظهورها، تحرك قرون استشعارها وقوائمها ذات المفاصل، بحركات شبه منتظمة، فترة من الزمن، إلى أن خمد كل شيء، وأسلمت الروح]. 

تضاء اللافتة10: [إنها حقيقة ساطعة، الصراصير تفضل الموت مستلقية على ظهورها، علناً في الأماكن المكشوفة]

شخص2: /1350/ صرصوراً!؟ أظن أنه هناك مبالغة في هذا الرقم. ولكن، نعم، عموماً، هذا ما حصل، كان منظراً مروعاً، لم أر شبيهاً له في حياتي، حتى في أفلام الرعب، ولكن، ماذا تريدني أن أفعل، بعد أن هاجمني صباح ذلك اليوم صرصور كبير منها وأنا أهبط في المصعد؟ 

شخص1: لم يهاجمك، صرصور وحيد لا يفكر أبداً بمهاجمة كائن ضخم مثلك، كما أنني قلت لك وقتها ماذا أريدك أن تفعل.

شخص2: ماذا! أنت قلت لي! متى؟

شخص1: نعم قلت لك. في تلك اللحظة التي نتحدث عنها بالذات، قلته لك في المصعد عندما وقع نظرك على هذا الصرصور يحاول بكل ما أوتي من عزم أن يختفي في الشق الفاصل بين أرضية المصعد وجانبه الأيمن، في الزاوية، ورحت وقتها تفكر في ما إذا كان ينبغي عليك أن تدوس عليه أم أن تدعه يهرب دون أن تلوث به حذاءك وأرضية المصعد معاً؟.. ألا تذكر؟

شخص2: كيف؟ أذكر كنت وحيداً، ولم يصل إلى مسمعي حرف واحد قاله أحد ما. 

شخص1: لا لم تكن وحيداً، على الأقل، كان معك ذلك الصرصور، وقد سمعت ما قلته لك بكل وضوح، لدرجة أنك أعدت ما قلته لك بصوت مرتفع نسبياً، أكثر من مرة، كيلا تنساه.

شخص2: سيدي، أقسم لك إنني لا أعلم عما تتحدث؟ ولكن إذا سمحت، ربما إذا أعدته لي الآن، مرة أخرى، فسوف أتذكره.

شخص1: بل إنك، تتذكره جيداً. وقد دونته في يومياتك، كما حاولت أن تستخدمه في إحدى قصائدك. 

شخص2: آه.. دعني أتذكر.. ربما تعني: [لا حاجة لك لقتل كل صرصور تلتقيه، الصرصور الذي تصادفه خارج بيتك، دعه يمضي في حال سبيله]. أ أنت قلت لي هذا؟ 

تضاء لافتة11: [لا حاجة لك لقتل كل صرصور تلتقيه، الصرصور الذي تصادفه خارج بيتك، دعه يمضي في حال سبيله.]

شخص1: إذا لم أكن أنا، فليس هناك سوى الصرصور. وقد رأيته بأم عينيك. أ وتظنه هو من قال لك هذا. غير أنك وقتها لم تبال ما إذا كان أنا أم هو، وظننت أنها خاطرة جادت بها قريحتك، تصلح لقصيدة ما. ولم تدع الصرصور يمضي إلى حال سبيله. فبعد أن راقبته وهو يستميت محاولاً الاختباء هنا وهناك، دست عليه بالثقل الذي يكفي لتسمع طقطقة قشرته، ثم دفعت به، ومازال فيه رمق من الحياة، في الشق الذي يؤدي إلى جبِّ المصعد.

شخص2: أقسم إنني ما كنت أفكر بقتله، ورغبت لو يستطيع أن يمضي حيث يشاء، لكنه، ما أن يئس من أن يجد مكاناً يختبئ فيه، حتى رأيته يركض مسرعاً، لا يلوي على شيء، ويندس تحت نعل حذائي. فكان أن دعست عليه بحركة لا إرادية، ودونما تفكير. 

شخص1: نعم هذا تماماً ما حصل. وهو يطابق تقرير ملاك كتفك الأيمن، حرفياً، وما قلته كان بمثابة اعتراف كامل بالجريمة التي أنت متهم بها. 

شخص2: جريمة ماذا!!؟ واعتراف بماذا!؟ أقسمت لك يا سيدي إنه هو من اندفع واندس تحت نعل حذائي. وأنت قلت إن هذا مطابق تماماً للتقرير الذي وصلكم عني بخصوص هذه الحادثة المؤسفة. أقول مؤسفة لأني، ولا أظن السيد ملاك كتفي الأيمن قد ذكر لكم هذا، قد شعرت بانزعاج شديد نتيجة لها، حتى إنني كتبت يومها: [ليس من الجيد على الإطلاق أن أبدأ يومي بقتل صرصور].

تضاء لافتة12: [ليس من الجيد أن تبدأ يومك بقتل صرصور] 

شخص1: إذن، أنت لست عدواً للصراصير إلى هذا الحد، ولا كاره لهم إلى هذه الدرجة!؟ فإنك، كما ذكرت لصديقتك، ولو من باب الطرافة، صرصور مغن. 

شخص2: نعم يا سيدي، أنا لست، والدليل.. 

شخص1: لا حاجة لنا، يا صديقي، لمزيد من الأدلة، فما توصلنا له شيء جيد كفاية، وقد استنفدنا الوقت المخصص للقضية، لا بل تجاوزناه كثيراً، ولابد لي الآن من إعلان الحكم، المقرر مسبقاً كما أظنك تعلم، تبعاً لقواعد اللعبة التي لا يستطيع أحد، من كان يكن، الخروج عنها أبداً. وكل ذلك بغية أن نساعدك على أن تتفهم حكمنا وتتقبله. وهو، على أية حال، ليس بالقسوة التي يبدو عليها من أول وهلة. لكنه بالتأكيد تجربة حياتية بالغة الأهمية، إذا عبرتها، سيتغير كل شيء بالنسبة لك، وربما ستكون المنعطف الذي طالما حلمت به باتجاه مصير رائع ينتظرك. ألست القائل: 

تضاء لافتة13: [جاء الصيف هيا أيتها النملة للعمل، هيا أيها الصرصور للغناء]

شخص2: ولكن.. سيدي!!؟؟

 شخص1 بصوت هادئ: يتلخص حكمنا النهائي، وغير القابل للاستئناف أو النقض، بعودتك للحياة على الأرض وفي عالم البشر مرة ثانية، ولكن هذه المرة، على هيئة صرصور، صرصور كامل، شكلاً ومضموناً. أي بجسم صرصور وعقل صرصور، لأننا لسنا من الظلم بحيث نعيدك صرصوراً بوعيك الإنساني ذاته. أو إنساناً يعلم أنه صرصور، ويحياً على أساس أنه صرصور، فذلك أمر غير محمود العواقب، حسب تجربتنا، ولأنه سيكون لا معنى لأي شيء، ولا فائدة أيضاً، إذا لم تخض التجربة بالشروط النموذجية، صرصوراً سوياً، مثالياً.

والآن (يعلو صوت شخص1 ويتضخم):.. عد. 

يختفي شخص2، بإطفاء الإضاءة المصوبة نحوه، فجأة ودون أي تدرج، وتعمّ المكان عتمة شديدة تختفي فيها اللافتات، ولا يميز فيها أي شيء. ثم تعود الإضاءة شيئاً فشيئاً، إلى الحد الذي نتمكن به من رؤية ظلال قرني استشعار كبيرين يتحركان ببطء، يميناً ويساراً، وكأنهما يجوسان المكان..