الفصل الأول من رواية «الشاعر وجامع الهوامش» لفواز حداد

2017-04-24 10:00:00

الفصل الأول من رواية «الشاعر وجامع الهوامش» لفواز حداد

عنوان الفصل: الشِعرُ ضرورة

بإيعاز من إتحاد الكتاب العرب، كُلف الشاعر مأمون الراجح القيامَ بجولة أدبية على رأس وفد من الشعراء في محافظات القطْر وبلداته، بهدف توزيع متعة الشعر بالتساوي بين أفراد الشعب، مِن دون تمييز بين سكان المدن الكبيرة وقرى المناطق النائية،  ومع أنَّ الجولة كانت مخاطرة أكيدة في ظروف الحرب الملتهبة التي عمَّت الأراضي السورية؛ فقد روعِيَ عدم خضوع الشعر في هذه الأحوال المضطربة لظرف عصيب قد يطول بعدما مضى على استمرار الحرب ما يزيد عن أربعة أعوام، وسوف تستمرُّ لفترةٍ أطول؛ فالنهاية لا تقترب بقدر ما تبتعد.  

وزارة الثقافة أرسلت لاتحاد الكتَّاب تعليمات حول الجولة الشعرية، أملَت من ورائها الظفر بسمعة مرموقة في الأوساط السياسية والعسكرية لمبادرتها الشجاعة، إذ لم تتهيَّب من النزول إلى المعركة بأسلحة أدبية وإن كانت لا تقتل ولا تجرح، تستنهِض المشاعر الوطنية، وتشكِّل إعلانًا للثقافة عن مساهمتها في الحرب بالشعر؛ وذلك بإطلاق شِعار: الشعر ضرورة كالخبز أو الماء أو الهواء... لم يتفَق عليه، فترِك تحديده للشعراء المشاركين في الوفد. 

لم تكن هذه الجولة الشعرية المحاوَلة الأولى لوزارة الثقافة المهمَلة في الأزْمات الكبرى، للمشاركة في الحرب الجارية، فقد جهِدت مراراً للقيام بدور إيجابي من خلال تعزيز الشعور بأنَّ حياة سكان العاصمة لم تتغيَّر تحت ظلِّ النظام، فهم ما زالوا يمارسون حياتهم الاعتيادية وتساليهم الراقية؛ لذلك افتتح قبل ما يزيد عن عامين برنامج من الحفلات الموسيقية السيمفونية في دار الأوبرا. لم ينتظم لاختراق المسلحين ساحة الأمويين واقتحامهم مبنى الأركان اللذين كانا على بُعْد خطوات منها. بعد زوال الخطر، عادت الموسيقى تطلُّ بين آونة وأخرى ببعض المختارات الكلاسيكية أو منتخبات من أغاني تراث الزمن الجميل، وهو زمن رومانسي أشبه بأفلام الأسود والأبيض، بالإضافة إلى عروض مسرحية وسينمائية وأنشطة أدبية؛ ما أكد أنَّ الحياة الثقافية والفنية على ما يرام، شارك فيها فنانون وفنانات موالون للنظام ملكت قلوبهم محبة الرئيس؛ أيدوا سحق الاحتجاجات الشعبية، كانت برهانًا على إخلاصهم. 

أخذ المكتب التنفيذي على عاتقه ترتيبات الجولة الشعرية في اتحاد الكتَّاب. كان في السعي إلى إطلاقها مجاراة لحيوية الحياة اليومية التي عادت إلى طبيعتها في دمشق، فالمقاهي والمطاعم والأسواق برغم الغلاء الفاحش أخذت تغصُّ بالناس، أغلبهم من المتسكعين في الشوارع للفرجة؛ ما أدى إلى الازدحام؛ فالناس ملُّوا من الحرب، وفرَّطوا بحياتهم برغم قذائف الهاون المتساقطة عشوائيًا مِن دون تمييز على الأحياء السكنية في أحياء القصاع والصالحية والميسات... لا تفرق بين الجنود المسلحين والمدنيين العزل، ولا بين الأبنية السكنية ومقرَّات المخابرات. فشاركت العاصمة في الحرب بتقديم الضحايا، وذلك بالمصادفة البحتة. فقد كانت برغم التشديد الأمني تقع فجأة رهينة المتقاتلين وعدم الدقة في التصويب، خاصة أنَّ مدفعية النظام كانت تخطئ وربما لا تخطئ، وتقصف الأحياء المسيحية لقربها من خطوط التماس، وذلك ما ينكره الإعلام الرسمي؛ لئلَّا تشكِّل إحراجاً للنظام باعتباره حامي الأقليَّات بحسْبِ بياناته، فلم يكن مردودها عليه سيئاً بالكامل ما دام لا يعترف بمسؤوليته عنها سواء كانت سهواً أو عمداً. كانت إشعاراً للمسيحيين بأنهم مهددون من الجماعات الإسلامية المقاتلة، لو أنها اجتاحت أحياءهم لهدمت الكنائس وما أبقت صليباً، ولا كاهناً يتلو صلاة أو عذراء.      

ضمن هذا السياق، كانت الجولة رسالة قوية للداخل والخارج، تؤكد أنَّ المناطقَ الموالية للدولة تنعم بالأمان، بينما المناطق الثائرة تعيث فيها الفوضى، وتعاني من النهب. أما في دمشق، ومع أنَّ أصوات القصف الرهيبة لم تنقطع عن الهدير ليلاً ونهاراً، فقد اعتادها الأهالي، لكن العويل غير المسموع على الأطراف كان يؤرقهم.   

جولة الوفد ستتيح للشاعر مأمون - مع أنه لم يعد شاعراً - زيارة مغربال ضيعة أستاذه. آخر مرة زارها قبل ثماني سنوات. ستكون المحطة الأولى في الرحلة، يتوقف الوفد فيها لإحياء أمسية شعرية. ثم يغادرها إلى المحطة التالية مدينة طرطوس، ومنها إلى المدن والبلدات المجاورة فيما إذا كانت الطرق سالكة. 

هذا الترتيب غير المألوف، وهو أن تبدأ الجولة بقرية مغمورة برغم ما شهدته من توسُّع وعمران لم يكن من اقتراح الاتحاد أو وزارة الثقافة، فالجولة خُطِطَت هكذا، وليس بالمستطاع تعديلها، أمنيًا لا يجوز. 

اقترح المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب توسيع مهمة الوفد، فأضيف إليها الدعوة إلى تجميع الصفوف وراء القيادة الحكيمة، وتوعية الناس بحقيقة الهجمة الارهابية والمؤامرة الكونية التي يتعرض إليها البلد من الجماعات الإسلامية المتطرفة. أُضِيف إليها عشية التحرُّك من دمشق بتوصية من الحزب، تشجيع الشبان للانضمام إلى اللجان الشعبية للدفاع عن قراهم وبلداتهم، وحثُّهم على الالتحاق بالجيش بعدما بات يشكو من تناقص أعداده، فالاشتباكات اليومية استنزفت زهرة شبان الوطن؛ ما دفع المطلوبين للخدمة العسكرية للفِرار إلى لبنان والدول المجاورة واللجوء إلى بلدان الغرب. أما أبناء المسؤولين الكبار فهم آمنون في بيروت ومنتجعات الخليج في رحلة استجمام طويلة. 

في الساعات الأخيرة، بدا أنَّ الجولة لن تمضي كما خطِطَ لها بعدما أبدى الاستاذ مسعود في اجتماعه مع رئيس المكتب التنفيذي الأستاذ منذر احتجاجَه على إسناد رئاسة الوفد إلى الاستاذ مأمون، وطالب بتنحيته عنه لأسباب تقنية بحتة، فقد كان فيما مضى شاعرًا ثمَّ انتقل إلى الكتابة في صفحات الرأي في الصحف والمجلات في داخلِ سورية وخارجِها، ولم تعد له علاقة بالشعر لا من قريب ولا من بعيد.

 إذا كان الشاعر مسعود قد اعترض، فغيرة على الشعر من موقعه كشاعر، وإن كان مقلًا، فشعره اقتصر منذ سنوات على المناسبات الوطنية. كان ضابطًا ثمَّ استقال من الجيش لأسباب صحية بعد تحقيقات في عمليات اختلاس أدَّت إلى تسريحه. كتب خلال فترة توقيفه عدداً من القصائد الشعرية مستوحياً محنته التي أصدرها في كَراس صغير، أهداه إلى الرئيس الراحل والخالد، وابنه الأكبر الفارس الشهيد، وابنه الرئيس الحالي محبوب الشعب، وزعه إلى المعارف والأحباب، ثم انتسب إلى اتحاد الكتاب، وبما أنَّ الشعر لا يسمِن ولا يغني من جوع؛ كُلِف من قبل أحد الأجهزة الأمنية بمهمة دائمة في الاتحاد؛ فكان ضابط أمن الادباء. بعدها فارقه الالهام الشعري واقتصر على ما يلهمه به فرع المخابرات من مهمات.

اعتراض الشاعر مسعود كان وجيهاً، فمن الخطأ الجسيم أن يعهد بالوفد إلى أديب طلّق الشعر، بينما أعضاء الوفد شعراء، والجولة شعرية.

... أليس لدينا شعراءٌ كباراً؟ أصلاً ما الذي تفوَّق به عندما كان شاعراً على شعرائنا النابهين؟ الدعاية صنعته. الأولى القول إنه غيرُ كفء لهذه المهمة الوطنية، لا أحداً من الأدباء يجهل آراءَه الرجعية وإن لم يصرح بها. في الحقيقة أقلع عن الشعر؛ لئلا يكتُب قصيدة في مديح الجيش حامي الديار.

لم يقصد مسعود بالشعراء النابهين سواه، فالأمر يعنيه. وافقه الأستاذ منذر، لأنه لا يستطيع إلا أن يوافقه، فهو يساير الجميع، لكن الأمر ليس بيده، تعليمات تشكيل الوفد حولت إليه من وزارة الثقافة. غمغم قائلاً:

"لا تلم الأستاذ مأمون، لقد اعتذر عن المهمة قبل يومين للسبب نفسه؛ كونه شاعراً سابقاً، لا يخوِّله ترأسَ وفدٍ من الشعراء". 

أرسل الأستاذ منذر رسالة إلى الوزارة لتعيين غيرِه. وقد تلقَّى البارحة اتصالًا من أحدهم، أعلمه بأنه إذا لم يتراجع الأستاذ مأمون عن اعتذاره، بوسعه التصرُّف؛ فانفرجت أسارير الشاعر مسعود.

... لكنه لا يتوقع استجابة. الرجل الذي تكلم معه أردف قائلاً، سيحضر الأستاذ مأمون صاغراً شاء أم أبى لتأكيد قبولِه المهمة. فسأله عن الجهة التي تصرُّ على هذا الأمر فلم يبح بها، لكن يمكن معرفتها. 

أشار الأستاذ منذر بأصبعه الى النافذة، وكان الاتجاه إلى حيث يربض مبنى الحزب: أسألهم فالوفد جرى تشكيله هناك. ثم أشار الى إلاتجاه المعاكس أي إلى حيث يربض مبنى الأمن السياسي وقال: بموجب توصية من هؤلاء.  

نحو الساعة العاشرة صباحاً، جاء الأستاذ مأمون، لم يعتذر عن رئاسة الوفد، قبِلَ المهمة على مضض. جهِد الأستاذ منذر في إخفاء دهشته، كيف بكاتبٍ لم يعلن عن موقفه من الحرب الكونية، تصرُّ الجهات الأمنية على اعتماده ليمثل الشعب السوري في المعركة ضد الارهاب؟

اللقاء لم يكن ليأخذ أكثر من دقائق، لكنه امتدَّ لمناقشة الشِعار الذي سيرفعه الوفد ويتجوَّل تحت ظله.  الأستاذ مأمون الذي جلس متنبهاً تارة، وشارداً تارة أخرى لم يكن رائق المِزاج، هناك ما يشغل بالَه. شذا لم تتصل به منذ بضعِ أيام، غيابها ليس عادة ليوم أو يومين في زيارة لإحدى صديقاتها داخلَ البلد، أو خارجَها في بيروت، والبارحة أيضاً أثار شكوكه لقاؤه مع مدير إدارة الأبحاث الاجتماعية. 

عندما تكلم أبدى انزعاجه من القصف الذي كان مسموعاً بشدة ويقطع أفكاره، بينما بدا على الأستاذ منذر كأنَّ لا شيءَ يعكِّر صفوه، ولا الهدوء المخيم في الغرفة مع أنَّ الأرضَ كانت تهتزُّ تحت أقدامهما. 

كان القصف العشوائي يستهدف كالمعتاد بلدة داريا، كأنَّ الأهالي لا وجود لهم، بينما الخوف يهيمن على سكان منطقة المزة القريبة فقد تسقط قنبلة فوق أحد الأبنية، في حين ما كان يتردد بين جدران الاتحاد لا يزيد عن لغط متسارع وخافت يدور خلف الأبواب المغلقة مصدره تقاطر الادباء لتسديد اشتراكاتهم السنوية وملاحقة ما حلَّ بمعاملات معاشاتهم التقاعدية، وتذمُّر موظفين لا علاقة لهم بالأدب إلَّا على أنه مخطوطات ترَاقب، وتعبئة استمارات، وأوراق ترسَل...

نفث الأستاذ مأمون عن حنقه:

 "الشعر ليس ضرورة. الأكثر ضرورة هو الخبز والماء والكهرباء".

 وأفلت العَنان لغضبه؛ الرغيف يعاني من الغلاء، وإذا كان متوافراً في العاصمة، فهو نادر في الأرياف، وفي حال أُفلِح بتمريره من خلال حواجز الجيش النظامي والفصائل الإسلامية، فبمبالغَ كبيرة فوق طاقة الأهالي. مات الكثير من الأطفال الصغار والرجال الكبار في السن لصعوبة تأمينه، الوضع أسوأ في المناطق المحرَّرة، الحصول على الخبز مخاطرة مميتة، الأفران تقصف عند تجمع الأهالي أمامها.

لم يكتف الأستاذ مأمون، انتقد الحصار الذي ضربه الجيش على أهالي المناطق الثائرة وتخييرهم بين التجويع أو التركيع.

 "نعم نجح الجيش في تجويعهم، لكنه نادرًا ما نجح في تركيعهم".

أحسَّ الأستاذ منذر بالحرج، إذا كان للحيطان آذان فالصمت لن يشفع له. علَّق بأنَّ الأهالي المحاصرين يشكلون البيئة الحاضنة للمسلحين. وأردف شاكيًا من باب المشاركة في الشقاء بأنه يتحمَّل مثلهم، فالماء مقنَّن في العاصمة وأحياناً لا يتوفر إلَّا ساعتين أو ثلاث في حالِ توفُّره، والكهرباء كذلك. بالإضافة إلى الغلاء الرهيب. لم يزد... احتاط فهو موال للنظام، يجب ألا تزيد شكواه عن التململ، وإذا كان الأستاذ مأمون معارضاً، فربما كانت معارضته تمويهاً. من يدري؟ ربما كان يستدرجه.

اقترح الأستاذ منذر أن يكون الشِعار: "الشعر ضرورة كالهواء". قالها وندم فالهواء أيضاً لم يعد آمناً، القصف اليومي قلب حاله ولم يعد صالحاً للتنفس، لاسيَّما بعد الضربة الكيميائية في غوطة دمشق. علق الأستاذ مأمون :

"إذا كان الهواء تسمم، فهل سيسلم الشعر؟".

تابع ساخراً، لو أنَّ الأمرَ عائدٌ إليه لألغى الجولة لعدم توفُّر الشعار الملائم. 

"تعلم جولة بلا شعار ليست إلا شعاراً بلا جولة".

 اقترِح اعتماد الغموض، الشعر في طبيعته يحمل الغموض، ليبقى الشعار مختصراً: "الشعر ضرورة". 

لم يدعْه الأستاذ منذر يخرج من مكتبه إلَّا بعدما نصحه بألا يشطُّ في انتقاداته، لئلا يساء فهمه، في هذه الظروف لا أحداً مستعد ليتفهم حسن نواياه.

اتخذ مأمون دربه صوب الدرج، فلمح َالشاعر مسعود يتمشَّى متوترًا جيئة وذهاباً في الممرِّ الضيق. كان ينتظر خروجه ليدخل، تجاهله قبل أن يستوقفه ويتطفل عليه ويوجِّه له أسئلة لا تقلُّ عن تحقيق.

 الشاعر مسعود تجاهله أيضاً، وسارع لمعرفة ما جرى في الداخل. فاجأه الأستاذ منذر بانه لا جديد على ما قاله البارحة، وذكَّره بالروتين المعروف في إدارة الدولة: 

الحزب لا صلاحيات له في تشكيل الوزارات ومثلُها الوفود، ليس الآن فقط، بل منذ سنوات، لم يطرأ عليها أيُّ تعديل، ما زالت من اختصاص المخابرات، ترسَّخت بشكلٍ شامل بعد اندلاع الحرب.

أحسَّ الأستاذ مسعود بالخزي من الحزب القائد، وعذر النظام على اعتبار الحزب مشبوهًا، باتت سمعته سيئة بعد إقدام بعض أعضائه في الأرياف على تمزيق بطاقات عضوياتهم الحزبية والانضمام إلى الثورة، سقطة لم تغفر للحزب مع أنه تبرَّع بالكثير من أعضائه لقمع المظاهرات وانضمام الكتائب الحزبية إلى قوات حماية العاصمة.

تجاوز الأستاذ مسعود خيبته، وتوعّد كلَّ مَن كان مسؤولًا عن هذا القرار بالمحاسبة، سيبطل مفعول تشكيل الوفد على هذه الصورة المسيئة للاتحاد والشعر معاً، لديه الدليل على موقف الشاعر السابق المحابي للثورة العميلة وتعاطفِه مع مثيري الشغب، إذا كان لم يعلن عن تأييده للنظام فالمفروغ منه وقوفه مع المتمردين، وهذا كافٍ لإبطال ليس رئاسته للوفد فقط، بل وإبطال عضويته في الاتحاد، مع فتح تحقيق لن ينجو منه.  

انطلق مسعود من مبنى الاتحاد مسرعاً قبل أن يدهمه الوقت، وقد تشكَّلت في رأسه خريطة تحركاته المتتالية. وكانت على مستويات فاعلة؛ سيتَّصل بقريب للرئيسِ مسؤول عن شؤون التشبيح، وعميد رئيس الفرع 415، ومحقّق في الأمن السياسي. سيستقبله أحدهم بالتأكيد ويستمع إليه. صباح الغد ولو انطلق الباص بالشاعر السابق، ستدركه مكالمة على جهاز اللاسلكي توقفه عند أحد الحواجز المنتشرة على الطرقات؛ ليتولى قائد الحاجز إنزاله، ليس بالحسنى، بل سيصفعه ويشده من شعره. وإذا لم يضربه، ففي انتزاعه من الباص إهانة تفوق طردَه من رئاسة الوفد.  

على الرصيف، بينما كان الأستاذ مأمون ينتظر سيارة أجرة، طاب له تخيُّل ضابط أمن الأدباء محبطًاً، لن يستطيع ايذاءَه برغم أحقاده الأدبية والسياسية المسعورة. لم يحاول التكهُّن بما يحيكه له، اية قصة يحاول اختلاقها، لا جدوى منها. هناك قصة أكبر على وشك أن تبدأ، لن تضع ضابط أمن الاتحاد في سياقها مع أنها تعثرت به، لا دورَ له فيها على الاطلاق. 

كان الاجتماع المثير الذي سيق إليه البارحة، وإن كان مرعباً، كفيلاً بأن يُفشِل أية محاولة لإحباط رئاسته للوفد، وقد ينتزَع الشاعر المخبِر من سريره ويُساق إلى التحقيق فيما لو ورّط جهة ما باعتقاله.