قناص الجوائز العالمية مهدي فليفل ... العالم يرانا

2017-04-24 01:00:00

قناص الجوائز العالمية مهدي فليفل ... العالم يرانا
من فيلم «عالم ليس لنا»

في كل مرة تصل إلينا الأخبار بأن مهدي فليفل يقوم بتحضير فيلمه الجديد، تتملكني تلك الغصة الممزوجة بسؤال "شو شكل الوجع هالمرة؟". فليفل المخرج العربي الوحيد الذي سينافس فيلمه القصير «رجل يغرق» على جائزة السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير في المسابقة الرسمية في الدورة الـ 70 من مهرجان كان السينمائي الدولي. اعتاد على ما يبدو أن يصنع أفلاماً لا تمر مرور الكرام فحسب بل هو الطامح بالمزيد دائماً لأنه ببساطة يدرك قيمة ما يقدمه من مزج بين الحنكة في إيصال المبتغى من قصة الفيلم المتناسقة بشكل ساحر، واللقطات التصويرية التي يديرها مع شخصيات يختارها بعناية ويغلب عليها طابع الكوميديا، هو الذكي ببناء الوجع بشكل تسلسلي لا يبرح مكانه، فالوجع الآتي من ضحكة على مشهد ما لا يمكن نسيانه. 

منذ لحظة تتويج «عالم ليس لنا» بـ "جائزة السلام" في مهرجان برلين السينمائي  وحصوله بعدها على جوائز مختلفة عن الفيلم ذاته، وما حدث أيضاً العام الفائت في مهرجان برلين السينمائي حيث حاز على الدب الفضي عن فيلمه «رجل يعود»، أدرك المتابع لفليفل أن الرسالة مع أفلامه تصل دائماً، ذلك المخرج الشاب الفلسطيني، الدينماركي الجنسية، المنكوبة عائلته في مخيم عين الحلوة في لبنان هو نفسه المسكون في قلبه المخيم وحكاياته، ردّ يوماً عن السبب وراء أن أفلامه دائماً حول اللاجئين فقط بالقول: "لأنني واحد منهم".

هو ليس "واحداً منهم" فقط، بل هو حالياً يشكّل نقل حالة المخيم عبر أجيال متنوعة، من خلال ثيمة رآها قاعدة لمسيرته في صناعة الأفلام، وهذا التفصيل تحديداً ظهر بقوة في فيلمه التسجيلي الطويل الأول «عالم ليس لنا» ، الغريب أن هذا الفيلم جاء بعد تجربة فليفل في أفلام قصيرة روائية، على سبيل المثال لا الحصر «حمّودي وإميل» في 2004 و «أربعة أسابيع» في 2009، وكان من المتوقع للمتتبع لمسيرة صناعته السينمائية أن يكون العمل روائياً طويلاً، لكن ما تلك الرواية التي ستكون وقعها مثل ما حدث مع كل الصخب الواقعي في فيلمه التسجيلي الطويل، لا يمكن لرواية أن تحكي كل هذا مهما كانت محبوكة بسيناريو قوي، هو أدرك ذلك، عندما عاد إلى أشرطة فيديو كانت مسجلة عن عائلته أيام مباريات كأس العالم، أدرك أشكالهم التي يجب أن تظهر على شاشة كبيرة تجوب العالم، استطاع ببساطة أن يجعل من شخصية أبو إياد لعنة في قلب كل من يدعي الإنسانية وحقوق البشر في عالم أفضل لكنه، أي العالم، ليس لهم على ما يبدو.

يحكي  فليفل قصة السلاح من خلال تلك الأجيال المتعاقبة على المخيم، يحكي التحولات فيه التي تشبه التحولات فيهم، في أشكالهم حتى، هو الذي كان يلهو وهو بعمر 8 سنوات عند زيارته للمخيم بسلاح أعمامه في إجازته الصيفية، كانت تلك الزيارات بالنسبة له أشبه بحلم الذهاب إلى ديزني لاند لما فيها من مغامرات.

أفلام فليفل صفعة على وجه "معاهدة أوسلو" التي تتحمل كل هذا التخبط والألم، تتحمل أبو إياد في فيلم «عالم ليس لنا» الذي يحاكي الجيل الثالث من لاجئي المخيم ، أبو إياد الذي سُمّي تيمناً بالقيادي في منظمة فتح، ولا يُعرف الآن موقعه من الإعراب وهو الذي كان متأهباً دائماً لثورة قادمة للنصر لا محالة، وتلك الصفعة على وجه معاهدة أوسلو من أبو أسامة أيضاً في الفيلم ذاته، الذي لا يزال يحلم بالعودة إلى قريته في الناصرة، صفورية، ولا يريد تصديق الأخبار ويصر على العودة وقد تجاوز عمره الثمانين عاماً، وستتحمل أيضاً ما حدث مع رضا، بطل فيلمه القصير «رجل يعود»، هذا الفيلم الذي يدور في شريط سينمائي مدته 30 دققة. من الصعب أن يغادر ذاكرتك، بل سيظل يزورها كل مدة، وبدون سبب، وهذا هو السحر في ما يقدمه فليفل، فالحكايات ليست هي القوة، لأن الحكايات كلها تتشابه إذا ما اقترنت بمخيم، ولا طريقة سرد الحكاية أيضا هو الذي سيجذبك ويعطي للفيلم ألقه، لأن الرواة عادة ما يجعلونك أيضاً تعود إلى تشبيههم برواة مروا في حياتك، السحر يكمن في اللون الذي يعتمده فليفل في نقل تفاصيل المعاناة، هكذا ستعتقد أنها معاناة، لكنها في الحقيقة باتت واقعاً يمتد ويتمدد ليصبح جزءاً أساسياً في الحياة.

أنت كمشاهد محايد مثلاً ستستغرب أنك أحببت رضا، المدمن على المخدرات، كيف تستطيع أن تحب شخصاً مثل رضا؟ الجواب ببساطة أن ضميرك الذي يجعلك تتحمل مسؤولية ما حدث لرضا بشكل غير مباشر، هو الذي يجعلك تشعر أنك تحبه، أنت كمشاهد محايد تحاول طوال الفيلم أن تهرب من مواجهة عيونه حتى لو كانت الشاشة تفرّق بينكما، لأن كمية القهر في تلك العيون قادرة على أن تصل قلبك وتوجعه، إذا كنت من نوعية ذلك المشاهد المحايد فتأكد أن الأمل ما زال موجوداً، وهذ ما يريده رضا، الذي رغم كل العقبات التي وقفت بوجهه، وفشله في اللجوء إلى اليونان، وما تحمله كلاجئ مما حدث أيضا بعد الثورة السورية، وهو الذي يدرك أنه كفلسطيني يجب عليه تحمل أي قضية تحصل في كل هذا العالم الذي ليس لهم، ومع ذلك يتحملها، لماذا؟ لا توجد إجابة.

كل الحكايات التي يرصدها فليفل من خلال رضا، بين أزقة المخيم، ومرور مشاهد السلاح عبر فيديوهات على اليوتيوب مع مشاركة رضا فيها وهو يجابه الجيش اللبناني هذه المرة، يريد فليفل من خلالها إيصال فكرة عن تحوّل النظرة إلى السلاح كما كانت في فيلمه «عالم ليس لنا». وحتى طريقة غرز الإبر في المعصم، فهي مقدمات لما حدث لاحقاً، فرِضا تزوّج من حبيبته التي قبِلته بعلاته قبل أن يؤكد للمشاهدين أنه سيترك الإدمان على المخدرات على يديها.

ماذا ستقدم يا فليفل، وعنوان فيلمك القادم «رجل يغرق»؟ سنشاهد الفيلم قريباً مع جمهور من كل أنحاء العالم. في حضرة قصة فلسطينية لا يوجد أجمل من رصد ردود الأفعال على الوجوه، حتى لو كانت لحظية، فهي لحظة يريد فليفل وغيره ممّن حمل قضية بلاده عبر أشرطة سينمائية أن نشعر بها.