علي حسن سلامة… الأمير الأحمر

2017-03-27 01:00:00

علي حسن سلامة… الأمير الأحمر

شكّلت عملية ميونخ التي نفذتها مجموعة "أيلول الأسود" في أولمبياد ميونخ الصيفي عام  1972، مفصلاً مهماً في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، حيث هزت العملية الكيان حديث النشأة، كونها شدت أنظار العالم الذي كان يتابع دورة الأولمبياد بترقب وقلق كبيرين.

كان للعملية أثرٌ عميقٌ على إسرائيل، وأراد الفلسطينيون من العملية مبادلة الرهائن بـ236 معتقلاً في السجون الإسرائيلية ولفت أنظار العالم إلى قضيتهم، وبسبب رفض اللجنة الأولمبية مشاركة الوفد الرياضي الفلسطيني في الأولمبياد. استطاعت مجموعة من الشبان الفلسطينيين التسلل إلى مكان إقامة الرياضيين واحتجازهم كرهائن رغم قوة الموساد ونفوذه في أوروبا.

وبسبب سوء التخطيط للوصول إلى صفقة بين الخاطفين وإسرائيل لرفض جولدا مائير التفاوض، قُتل اللاعبون الأحد عشر وخمسة من الخاطفين، فأبدت جولدا مائير رغبتها في الانتقام من منظمة "أيلول الأسود" التي شكلتها حركة فتح عام 1970، وعلى رأسها مؤسسها علي حسن سلامة الذي سبق ولقبته جولدا مائيير بالأمير الأحمر لوسامته وأسلوب حياته المترف. من هنا بدأ الموساد بمطاردته في كل مكان محاولاً اغتياله، وكان أبرز المحاولات الفاشلة حادثة مدينة ليلهامر النرويجية عام 1973، والتي أدت لمقتل نادل مقهى مغربي عن طريق الخطأ، يدعى أحمد بوشيكي، ظناً بأنه أبو حسن.

في هذا الفيلم الوثائقي الذي ينتمي لأفلام السير الذاتية (البيوغرافيا)، من إنتاج الجزيرة الوثائقية 2016، وقد عرضته القناة مؤخراً، يعيد مخرجه رامي قديح تصوير سيرة حياة القيادي في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية علي حسن سلامة، معتمداً على إعادة بناء المرحلة بتقنية الصور المتحركة (الأنمي) والمشاهد التمثيلية الموظفة في خدمة السيناريو الذي يدور ما بين الواقع وإرهاصات الشخصية الرئيسية والجدل الكبير الذي دار حولها منذ اغتيالها عام 1979 وحتى اليوم . ولتقريب المشاهد من تلك الفترة التاريخية ومحاكاة الواقع الذي عاشه سلامة. بالإضافة للمقابلات مع بعض الشخصيات القريبة منه، من أصدقائه وعائلته ورفاقه، للوقوف على شخصيته التي بقيت ولوقتٍ طويل مجهولة التفاصيل بحكم عملها الاستخباراتي والعسكري، بالإضافة لبعض الشخصيات الإسرائيلية التي روت كيف سعت إسرائيل وجهازها الموساد للوصول بعد سنوات طويلة للأمير الأحمر وقتله في بيروت. 

من هو أبو حسن سلامة، الأمير الأحمر؟

والده حسن سلامة من قرية قولة قضاء اللد، برز من خلال دوره في الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 -1939 حيث كان قائداً في جيش الجهاد المقدس، تنقل بين فلسطين والعراق، وانضم إلى مجموعة من المظليين الذين اختارهم الحاج أمين الحسيني للمشاركة بعملية إنزال عسكرية في غور الأردن بمشاركة ضباط ألمان من الغستابو، لكن العملية فشلت، وقتل معظم المظليين باستثنائه، حيث فرّ إلى جبال القدس، وشارك عام 1947 بتشكيلات الجهاد المقدس تحت قيادة عبدالقادر الحسيني وأستشهد في معركة رأس العين في حزيران 1948 وكان ابنه علي الذي ولد في العراق لا يزال طفلاً.

تروي أخته نضال حسن سلامة أن شقيقها انتقل إلى ألمانيا وكذلك يروي صديقه غازي عبدالقادر الحسيني الذي التقاه هناك، وعاد لاحقاً إلى القاهرة لينضم عام 1963 لصفوف الثورة الفلسطينية مع مؤسسيها الأوائل ياسر عرفات، خليل الوزير وصلاح خلف، وانتقلوا جميعاً إلى الكويت ليؤسسوا منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1965، حيث تولى منصب مدير دائرة التنظيم الشعبي التابعة لمنظمة التحرير وترأس اتحاد طلبة فلسطين هنالك.

بعد هزيمة 1967 سافر ياسر عرفات لمصر للقاء جمال عبدالناصر الذي كان حينها يبحث عمن يحارب إسرائيل بعد الهزيمة، فقدم عبدالناصر لقيادة المنظمة الدعم المادي واللوجستي والسياسي، وهناك خضع أبو حسن لدورات أمنية نقلته من العمل في التنظيم الشعبي إلى جهاز الرصد أو الجهاز الأمني التابع للمنظمة والذي أسسه أبو أياد صلاح خلف، وبدأ العمل على الساحة الأردنية، وفي عام 1970 تولى المسؤولية الأمنية لياسر عرفات ولاحقاً قيادة العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية في العالم من لبنان بعد خروج المنظمة من الأردن حيث أسس جهاز القوة 17، أمن الرئاسة.

منظمة أيلول الأسود

يشير غازي الحسيني في شهادته أن أبو حسن أبلغه في بيروت عن تشكيل منظمة أيلول الأسود التي هدفت للانتقام من أعداء منظمة التحرير والشعب الفلسطيني، وارتبط اسم المنظمة لاحقاً بالعديد من العمليات النوعية مثل إرسال الطرود الناسفة إلى العديد من عملاء الموساد في أوروبا، وكذلك اغتيال رئيس الوزراء الأردني وصفي التل بالإضافة إلى عملية ميونخ الشهيرة، حيث شكلت هذه المنظمة السرية رعباً حقيقياً للإسرائيليين في أوروبا والعالم.

جاء أول اتهام لدور أبو حسن سلامة في عملية ميونخ من خلال صحيفة ألمانية اتهمته بالتخطيط للعملية باعتباره مسؤولاً لأيلول الأسود، الأمر الذي يشكك فيه صحافيون إسرائيليون وكذلك صديقه غازي الحسيني الذي يشير إلى أن مخطط العملية هو من قادها وقتل فيها مع أربعة من رفاقه.

حياته الخاصة

من خلال عدة شهادات لصحافيين وباحثين أمنيين إسرائيليين، لم تخلُ من الإعجاب بالشخصية ونمط حياتها المترف، يوصف أبو حسن بأنه كان وسيماً وحاسماً بالأمور الأمنية، يجيد عدة لغات أوروبية بطلاقة، رياضي، يمارس السباحة والكاراتيه والفروسية، جاد وناضج بالعمل السياسي والعسكري. تزوج مرتين، في الأولى من الفلسطينية نشروان شريف منصور وفي الثانية من ملكة جمال الكون اللبنانية جورجينا رزق، وأقام علاقات مع عدة أجهزة أمنية غربية وكان صديقاً للأمريكيين.

الاغتيال

بعد عدة محاولات فاشلة، نجح الموساد أخيراً في 22 يناير 1979 باغتياله لدى خروجه من منزل زوجته جورجينا رزق في بيروت بطريقه إلى منزل أخته نضال، حيث فجرت عميلة بريطانية للموساد كانت تسكن في الشارع المقابل لبيته وترصد حركاته، عبوة كانت مزروعة بالطريق أدت لمقتله ومرافقيه، رغم تحذيرات رئيس حزب الكتائب اللبنانية آنذاك بشير الجميل له بضرورة اتخاذ إجراءات سلامة أكثر حزماً وتغيير روتينه اليومي.

لماذا اغتالته إسرائيل وما طبيعة علاقته بالمخابرات الأمريكية؟

بحسب شهادة  الرئيس السابق لحزب الكتائب اللبنانية كريم بقردوني، فإن أبو حسن سلامة وبتفويض من ياسر عرفات، طلب منه التوسط بالاتصال بالسفارة الأمريكية عارضاً خطة أمنية لحماية السفارة التي كانت تقع في بيروت الغربية، وبدأت الاتصالات بينه وبين المخابرات الأمريكية، ولاحقاً وجّه مدير الـ CIA في حينها جورج بوش الأب، دعوة له لزيارتهم ولبى الأخير الزيارة لتبدأ حوارات مباشرة بين قيادة المنظمة والرجل الأول بالمخابرات المركزية الأمريكية، وبدأت المنظمة مرحلة من التواصل الدبلوماسي مع العالم الغربي وبدأ القادة الأمريكان ينظرون للمسألة الفلسطينية من زاوية مختلفة، الأمر الذي أزعج إسرائيل كثيراً وجعلها مصرة على اغتياله لقطع حلقة الوصل بين المنظمة والدبلوماسية الغربية.