أبو عرب… حادي العودة، والفدائيين

2017-02-28 03:00:00

أبو عرب… حادي العودة، والفدائيين
أبو عرب

خصصت قناة الجزيرة الوثائقية فيلماً بعنوان "أبو عرب - حادي العودة" من إنتاجاتها الأخيرة عن أيقونة فلسطينية محفورة في وعي ووجدان الفلسطينيين على اختلاف أعمارهم وامتداد رقعة تواجدهم.  

"لم يكن أحد قادراً على إنجاز ما استطاع رجل واحد إنجازه على مدار أكثر من ستين عاماً، أرّخ قضية فلسطين بموهبة شعر شعبي عبقرية ومن قلب الشتات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين"، بهذه الكلمات يفتتح صوت راوي فيلم "حادي العودة" إبراهيم محمد صالح علي مطر الملقّب بأبو عرب، لنشاهد بعدها خمسين دقيقة عن سيرته الذاتية، إنه الهائم الذي تشكل سيرته الذاتية درباً من الآلام يمتد لعشرات السنين. 

شارك عدد من الأشخاص بشهادتهم عن أبو عرب في الفيلم، منهم حسن لوباني الباحث في التراث الشعبي الفلسطيني، نجيب صبري الشاعر والباحث في التراث الذي قال إن أبو عرب كان يرسم بشعره وأغانيه الكل الفلسطيني بكل مكوناته، أسعد كعوش صديق أبو عرب، ابن أبو عرب وابنته وغيرهم.

ولد أبو عرب في 6 إبريل عام 1931 في قرية الشجرة شمال فلسطين، وعاش جميع مراحل التغريبة الفلسطينية. عاش ثورة 1936 ضد الانتداب البريطاني التي سمّي جده الشيخ علي الأحمد أثناءها شاعر الثورة، تركت الثورة آنذاك أثراً بالغاً على وعيه، إلا أن الحدث الأبرز في حياته ككل الفلسطينيين كان عام 1948، عام النكبة. حصل على شهادة التعليم الثانوي في الناصرة، كان لمّاحاً نشيطاً، أتقن اللغة الانكليزية بسرعة كبيرة، إلا أن النكبة لم تتح له إكمال دراسته، هجّرت عائلته وعائلة ابن عمته ناجي العلي بعد أن استشهد عمه وأبوه أثناء مقاومتهم للصهاينة، اتجهوا بادئ الأمر إلى عكا ومن ثم انتقلوا إلى لبنان، عاشوا ستين يوماً تحت أوراق الشجر، وانتقلوا بعدها إلى مخيم عين الحلوة، لم يطل بقاؤه في عين الحلوة أكثر من ثلاثة شهور إذ ذهبت عائلته إلى مخيم العائدين في مدينة حمص السورية فلحقها. 

في مخيم العائدين كان أبو عرب يحيي الأفراح والمناسبات دون مقابل، كان يكتب ويلحن ويغني باستمرار، عام 1951 توظّف في معمل سكر حمص وعمل مترجماً، رشّح نفسه للانتخابات النقابية في شركة سكر حمص وفاز لخمس أو ست مرات على التوالي، كان لنشاط العمل الحزبي وازدهار التيار القومي في الخمسينات أثراً حاسماً على توجهه الفكري، انتسب للحزب العربي الاشتراكي الذي انضم لحزب البعث فيما بعد، قاد عدداً كبيراً من المظاهرات التي خرجت في الخمسينات مطالبة الحكومات العربية بتحرير فلسطين، حقق شهرة كبيرة في الأوساط الفلسطينية والسورية ولقّب حينها لعروبته بأبو عرب.

عام 1958 توجه إلى القاهرة بعد تلقّيه دعوة فنية، استدعي إلى صوت العرب في القاهرة إلى برنامج "أهازيج ومكاتيب" وحققت أغانيه انتشاراً كبيراً وعاد إلى حمص أكثر شهرة، كان له دور اجتماعي بارز، تأتي الناس إليه لحل مشاكلهم العائلية أو لتقديم خدمة ما في دوائر الدولة.

سُجن سياسياً عام 1959 أيام الوحدة المصرية السورية، وسُجن بعد انقلاب حافظ الأسد وصلاح جديد ورفعت الأتاسي، وتعرّض للتعذيب لمدة ستة شهور في سجن تدمر، استقال بعدها من حزب البعث. في الستينات أطلق عليه لقب شاعر الثورة، كان الهم الفلسطيني محور أغانيه وشغله الشاغل، دخل في صمت مطبق جرّاء النكسة وعاش بعدها 11 عاماً متنقلًا بين سورية ولبنان والأردن، استدعي إلى لبنان ليرأس ركن الغناء الشعبي في إذاعة صوت الثورة الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقدّم برنامج "غنّى الحادي" برفقة الشاعر يوسف حسون، سجّلوا آنذاك أكثر من 104 حلقة وسجلّوا الكثير من الأغاني والأهازيج، إلا أن الإذاعة ستغلق بعد قصف إسرائيل لها، وسيعود أبو عرب إلى حمص ليؤسس فرقة "فلسطين للتراث الشعبي" التي لقيت نجاحاً كبيراً وتنقّلت في الكثير من دول العالم. 

فُجع أبو عرب عام 1982 باستشهاد ابنه مع الفدائيين أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وباغتيال ابن عمته ناجي العلي عام 1987، أصدر ألبوماً غنائياً لناجي العلي، وغيّر اسم فرقة فلسطين للتراث الشعبي، مورست عليه ضغوط كي يغني لياسر عرفات بعد اتفاقية أوسلو ورفض كما رفض أن يغنّي لأي زعيم آخر. 

بعد عمر مديد مليئ بالمآسي، زار بعد 64 عاماً على تهجيره من فلسطين بلدته الشجرة، حيث لاقى حفاوة وترحيباً حاراً من أهلها، قرأ الفاتحة على قبر أبيه وزار عدداً من أقربائه… توفى أبو عرب عام 2014 تاركاً إرثاً فنيّا كبيراً، سيبقى محفوراً في ذاكرة ووجدان الفلسطينيين ما بقي الفن الفلسطيني.