حتى منتصف آذار

2016-11-12 14:32:33

حتى منتصف آذار
عارية مستلقية، من الخلف . أميديو موديلياني

نيروز مناد

في نهاية تلك الليلة جلستُ أتأمله و هو نائم على طرف السَّرير وجهه لم يخلُ من ابتسامة خفيفة. "آه كم هو وسيم" قلت في نفسي و أنا أنظر إلى لحيته و شعره، يبدو رفض رجلٍ كهذا أمراً في غاية الصّعوبة، في بداية تلك الليلة اتصلت به و أنا أمشي على غير هدى في الطّرقات المبتلة من أثر مطر الصّباح، قال إنّه يصنع قهوة لنفسه و إنّه لا يمانع من وجود مَن يشاركه قهوته، ضحكت في نفسي لأدبه و رقي كلماته، أعني أنا لم أكن لأمانع أن ينتهي بنا الأمر إلى شراكة في السّرير و لكن من اللطيف حقاً أن يدعوني لأشاركه القهوة.

وأنا في طريقي إليه فكرت في كثير من الأشياء، أشياء لم يخطر لي أن أفكر بها قبل الآن، أعتقد أنّ هناك أشخاص يرغمونك على إعادة التّفكير بكل شيء في لحظة ما، بل إنّهم أحياناً يرغمونك على إعادة التّفكير بنفسك أيضاً، من بين جميع الذين قابلتهم في حياتي كان هذا الرّجل هو صاحب الفضل في أي لحظة تفكير مررت بها يوماً ما.... قابلته في الصّيف الماضي، كنت في طريق العودة إلى المنزل حين اتصلت بي صديقتي و طلبت مني إيصال بعض الأغراض التي تعود له، فهي لا تود الاحتفاظ بشيء منه بعد أن افترقا نهائياً، وهكذا دخلت منزله للمرة الأولى، أعطيته كيس الأغراض و أردت المغادرة فسألني :

 _ هل هي بخير! 

_ليست منهارة بقدر ما تعتقد، ستكون بخير يوماً ما.

 نظر إلي بدهشة سببها ربما برودي الشّديد تجاه ما يمران به وقال: ألم تختبري الفراق يوماً ما؟ فأجبته ببرود أقل هذه المرة: دائماً هناك فراق، ليس هناك من أحد سيبقى معنا إلى الأبد، ليس هناك في هذه الحياة إلى الأبد، عليك أن تعتاد مغادرة الآخرين لحياتك في نهاية الأمر ... تنهد قائلاً: حسناً، هل أستطيع معانقتك، أنا بحاجة لعناق.. بشدة اقتربت منه و عانقته ثمّ استأذنت وغادرت .. 

في تلك المرة لم أفكر فعلاً في كيف سيكون شكل الأيام التي سيعيشها محاولاً تخطي فشله في إكمال ما بدأه مع فتاة أنجب منها في قلبه ثلاث أطفال، منحهم أسماءً جميلة و اشترى لكل منهم ثياباً ملونة و ألعاباً رائعة، أعترف أنّي لم آخذ الأمر على محمل الجد كفايةً، فقد بدا لي مجرد كاتب يعشق الدراما، أعني أي انطباع آخر سيتكون لديك عن شخص تعرف عنه أنّ فيلمه المفضل صمت الحملان!  تلا ذلك اللقاء اتصالات كثيرة كنت في أغلبها أشعر أنّه يكلمني وهو خارج لتوه من نوبة بكاء حادة، قابلته بعدها مرتين أو ثلاث مرات، كان خلالها يسمعني موسيقى لموهلر أعني موهلر! من هو موهلر هذا بكل الأحوال!! قرأ لي في كل لقاء مقاطع طويلة من روايات عدة كان آخرها آنّا كارنينا ، أعترِف أنّي وجدت في موضوع تلك القصة مدخلاً لدعوته إلى السّرير و لكنّي فشلت، كما فشلت بعدها حين تلقيت حديثه عن الفراولة في الأدب حول العالم على أنّه دعوة إلى السّرير، فقد قال إنّها ترمز إلى الشّهوة غالباً، أعني كيف يمكن لدماغي أن يستقبلها غير ذلك! لكنّي حينها فهمت الأمر، إنّ هذا الرّجل استثناء، إنّه لا يفعل إلّا ما يريد فعله فقط و ليس لعضوه الذكري سلطة على قراراته و ليس لثيابي المثيرة أي تأثير عليه، إنّه رجل يجعلك تشك في كل لحظة في كونه مثلياً، فهو ينظر إلى عينيّ مباشرةً وحين تخطئ عيناه الاتجاه فتقع نظرة منهما على ساقيّ المكشوفتين تحت فساتيني الملونة فإنّه لا يحرك ساكناً، و حين أنحني لألتقط كوب القهوة ويظهر جزء من صدري لا يعير الأمر أي اهتمام، كنت قد بدأت أقتنع أنّ ميوله الجنسية هي سبب فراقهما لكنّي فهمت:  إنّه ببساطة رجل يرى أن المرأة تملك ما هو أجمل من مؤخرتها و صدرها و ساقيها...

في آخر مرة قابلته فيها كان قد قدم لي هدية غريبة نوعاً ما، فقد أهداني كتاب رسائل دوفوبوار و سارتر، على الرّغم من كوني من عشّاق القراءة إلّا أنَّ أيّاً من الرّجال الذين عرفتهم في حياتي لم يلحظ ذلك يوماً. جميع الهدايا التي تلقيتها منهم كانت تخدمهم بقدر ما يفترض أن تفرحني، فقد أهداني أحدهم ذات يوم ثياباً داخلية مثيرة. وآخر قدم لي عطراً صاخباً يليق بفتاة ليل، أمّا الهدية الأكثر غرابةً ووقاحةً فقد كانت واقياً ذكرياً بطعم البرتقال مغلفاً بورق الهدايا ومرفق ببطاقة كتب عليها: ليكن أنيسك في غيابي .. 

هديته جعلتني أفكر في الأمر بطريقة مختلفة فهو يهديني شيئاً لن يستفيد منه أحد سواي، أعني لم أكن أكره تلك الهدايا و لكن من الرّائع حقاً أن تقابل رجلاً قد يمارس الجنس معك و لكنّ ذلك لا يمنعه من الاهتمام بعقلك حتى لو بدوت للوهلة الأولى من اللواتي لا يمتلكن واحداً .. توقفت الأفكار دفعة واحدة حين خطوت أول خطوة باتجاه باب منزله، وقبل أن أطرق الباب فتح لي بابتسامة شهية جداً قائلاً: هذه هي أحد فوائد الكعب العالي، إنّه منبه جيد لوجود أحدهم خلف الباب، علقت بابتسامة إحداهن، ضحك لتعليقي مادحاً ملاحظتي اللغوية الدّقيقة، جلست على طرف السّرير أمّا هو فقد جلس على كرسي خلف طاولة في زاوية الغرفة، في الحقيقة منزله كله عبارة عن غرفة واحدة، فيها طاولة صغيرة خلفها كرسي و بجانبها مكتبة بجانب المكتبة سرير فوقه شباك مغطّى بستائر وردية خفيفة، وهناك مدخل للحمام و آخر للمطبخ. أعترف أنّ أجمل ما في غرفته المكتبة، و هو ما يعد أمراً غير متوقع فأنا من اللواتي يلفت انتباههن غالباً السّرير، لكنّ مكتبته ملونة بشكل رائع و مرتبة جداً.. 

قدم لي القهوة و عاد إلى الكرسي خلف الطّاولة، تحدثنا عن كل شيء، الفن، السّياسة، وحدثني عن والدته المتوفاة و كم كان رائعاً حين غنى لي أغنية كانت تغنيها له والدته قبل النّوم، لم يسبق لي أن عرفت أي معلومة شخصية عن أي رجل كنت معه قبل الآن، وبصراحة لم أكن لأهتم، ولكنّ إخباري ذكريات عن والدته كان أمراً مذهلاّ، سمعته باهتمام وحين أنهى أغنيته ابتسم لي وقال: شكراً جداً على اهتمامك بي في الفترة الماضية .. جعلني قوله هذا أفكر في السّبب الحقيقي وراء ملازمتي له هو بدلاً من الاهتمام بصديقتي التي عانت فراقه أيضاً، بدا لي أنّي أعرف ما هو السّبب الحقيقي فعلاً و لكنّي فضّلت أن أبدو صديقة مخلصة فقط و أنّ أدّعي أنّ ليس للأمر علاقة بكوني اشتهيه منذ رأيته أول مرة مع صديقتي، قال إنّي كنت محقة و إنّه دائماً سيكون هناك وداع، ذكره ذلك بأغنية أندريه بوتشيللي "حان الوقت لقول وداعاً"، غنّى لي مقطعاً منها وبدأ الأمر يصبح تعذيباً حقيقياً، إنّه جذاب و صوته رائع، لم أستطع منع نفسي من تخيل شفتيه في قبلة دافئة في هذه المساء الشتوي البارد.. أنهى المقطع و دخلنا في صمت جنائزي ومحرج بعض الشّيء ولم يكسر صمتنا هذا إلا سؤاله : 

_هل أنت سعيدة في علاقة الحب التي تعيشينها؟ 

_ ولكنّي لا أعيش علاقة حب! ما الذي جعلك تعتقد أنّي أعيش علاقة حب؟ 

_ عندما قابلتك للمرة الأولى، يوم أعطيتني أغراضي وعانقتك تسربت إليّ رائحة رجل، بدا واضحاً جداً أنً على جسدك و ثيابك رائحة رجل مختلطة برائحة تبغ خفيفة.

 "حسناً اقتلني الآن"، قلت في نفسي و أنا أحاول إخفاء احمرار وجهي، لقد كان ما قاله من أكثر الأقوال إحراجاً في التّاريخ، و لكنّي واجهته بالحقيقة، الحقيقة التي غالباً ما تكون محرجة أكثر وغريبة و صعبة التّصديق، حقيقة تثير المزيد من الشّكوك و الأسئلة، نعم من ما أعرفه عن الحقائق أنّك ما إن تبدأ بقول واحدة حتى تصبح مطالباً بقول المزيد، أليس غريباً أنَّ النّاس يكتفون بكذبة واحدة غير مقنعة بينما يطالبونك بقول الحقيقة كاملة؟!

استجمعت قواي وقلت : نعم، في الحقيقة كنت مع رجل، لكنّه مجرد صديق، بإمكانك القول أنّه صديق بمنفعة.. أقابله حين يحاصرني شبقي، نعم إنّه وجبتي المفضلة.. أعتقد أنّه كان لابد من التوقف عند إنّه صديق بمنفعة فالجملتان الأخيرتان جعلتا مني أبدو كعاهرة تماماً، خاصة "إنه وجبتي المفضلة"! أعني من يمكنها أن تقول ذلك! باستثناء مارلين مونرو طبعاً!! آووه كم هي مؤلمة الحقيقة و محرجة و سخيفة.. لا أصدق أنّي قلت ذلك و لكني قلته فعلاً و لا مجال للتراجع بل و يجب عليّ مواجهة سيل الاستفسارات التي لا بد أن تطرحها هذه الحقيقة في ذهنه و هذا ما حدث فعلاً فقد نظر إليّ باستهجان و قال :

_ ألا يحبك

_ لا، أبداً!

_ هل هو متزوج؟ ما الذي يمنعكما من الارتباط؟

_ ليس متزوجاً، و لا يمنعنا شيء من الارتباط سوى عدم رغبتنا بذلك، لقد اتفقنا منذ البداية أنّ تكون علاقتنا حسية فقط 

_ وهل تستطيعان السّيطرة على مشاعركما؟ هل هو شيء نستطيع السّيطرة عليه أصلاً! أشك في أنّ هناك رجل و امرأة يمارسان الجنس معاً لفترة طويلة من دون أن يتورط أحدهما في حب الآخر، الجنس كالجمر ما إن تشعلي جمرته الأولى حتى يصبح من الصّعب إخمادها..

 أردت أن أقول له أنّ هذا غير صحيح، على الأقل ليس في حالتي فأنا محاطة بعشرات الرّجال الذين لا يجمعني بهم سوى شبقي و شهواتهم، ولكنّي فضّلت الصّمت، فما الفائدة من الخوض في تجاربي مع رجل يبحث عن إمرأة تشاركه شغفه بالموسيقا و الأدب و القهوة، إمرأة تأتيه برائحة المطر لا برائحة رجل آخر .. ابتسمت ببلاهة واحتفظت بأفكاري لنفسي .. عاد الصّمت المحرج ليخيم على المكان إلى أن قال بحماسة: أخبريني بيوم ميلادك و يجب أن نحتفل به معاً في حال بقينا على اتصال، أجبته ببرود: عيد ميلادي بعيد جداً ولا أعتقد أنّنا قد نظل على اتصال حتى ذلك الوقت ... جلس إلى جانبي على حافة السّرير و قال بحزن : من المؤلم حقاً كيف يختفي الأشخاص من حياتنا فجأة، و من العبث حقاً أن نصدق أنّ علاقة أخرى قد تنجح، ندخل علاقة جديدة ونحن نهمس لأنفسنا: ستنجح هذه المرة، ثمّ نكتشف أنّها خيبة أخرى .. أمسكت يده وقبلتها كما فعلت كييرا نايتلي في فيلم "كبرياء وتحامل"، تلك القبلة في المشهد الأخير وكانت مهمة صعبة فأنا لا أجيد هذه القبل الرّزينة الحذرة، مررتها على وجهي ثمّ وضعتها على صدري كما فعلت كوزيت عندما أرادت الاعتراف لماريوس بحبها، بدا هذا المشهد أقل صعوبة فهو يناسب مزاجي، نظرت في عينيه و قلت: هل تشعر بنبض قلبي؟ إنّه ينبض فعلاً مع أنّ ليس فيه أحد، إنّه ينبض لأجلي أنا، لحياتي أنا، و هكذا قلبك أنت لن يوقف هذا القلب فراغه و لن يقتل هذه الرّوح اشتياقها مهما بدا قاتلاً، غرفتك مليئة بالألوان و الموسيقا و الكلمات وكذلك روحك وقلبك وحياتك. لا تستسلم ففي نهاية الطّريق لك من تبحث عنك في هذا العالم و لكنّها مثلك تمضي وقتها مع الشّخص الخطأ و قريباً ستجد طريقها إليك، لا تقلق و لا تستعجل .. ستأتيك

لم أصدق أنّ هذه الكلمات خرجت مني فأنا لا أؤمن بالحب و لا أبحث عنه ولكنَّ وجعه ألهمني بشدة، و من جهة أخرى فإن دفء إحساسه وجاذبيته تكاد تفتك بي، نظر إليّ بوادعة شاكراً إحساسي ممتناً لكلماتي ثمّ طبع قبلة على جبيني فاقتربت منه وقبلت شفتيه فابتعد معتذراً: لا أريد استغلالك، أقدر صداقتك و لا أريد لها أن تنتهي

.. _ حسناً ولكنّك لا تستغلني، أنا أشتهيك منذ قابلتك أول مرة وأريدك، ولن يؤثر هذا على صداقتنا أبداً، أنا أعرف كيف أكون صديقة لرجل وثق بي و أعرف كيف أحافظ على هذه الصداقة بعد أن يجمعنا الجنس

_ يجمعنا! و هل نحن مفترقان؟

_ أنت تعلم، لا بد أنّك تعلم نحن من عالمين مختلفين تماماً، أنت تبحث عن الحب، تقرأ الكتب وتسمع الموسيقا، تلبس الأسود و الرمادي، تكتب كما لو أنَّك تتناول البيتزا و تحتسي القهوة كما لو أنّك تعاشر أودري هيبورن، أنا عكس هذا تماماً، نحن نسير في خطين متوازيين ولن نلتقي إلّا إذا كان في نهاية هذين الخطين سرير، أنا أريد فقط أن نقضي وقتاً ممتعاً، لن يكون هناك ضغوط أو جرح أو تفكير بما بعد اللحظة، سندخل الغرفة صديقين و سنغادرها صديقين أيضاً.. _ حسناً أنا لا أشعر بشيء، أعني لست مثاراً، لا أعتقد أنّ شيئاً قد يحدث أنا آسف.

 عاد إلى كرسيه من جديد، نظرت إليه بحب ثمّ قلت بصوت مبتهج؟

 _هل شاهدت فيلم فتاة تمت مقاطعتها؟! إنّه فيلم دراما نفسية، يناسبك بشدة 

_ لماذا تعتقدين أنّه يناسبني!

_ لأنّه معقد، كئيب، ممتع، عميق و رائع، إنّه أنت مكتوباً على ورق

 .. _ سأعتبره مديحاً

 _ إنّه كذلك فعلاً، ضف عليه أنّك ساحر بطريقة مؤلمة ... ثمّ ضحكت ضحكتي القديمة، ضحكة نسيتها مع الوقت فقد طوّرت ضحكة هي بمثابة دعوة إلى السّرير أمّا هذه فقد تلاشت مع الوقت، ظهرت فجأةً مع هذا الكاتب عاشق الدراما، ربما لكوني أعلم أنّ ما من شيء قد يغريه و أنّ الحقيقة هي أفضل ما يحب سماعه، نظر إليّ بسعادة و قال : ضحكتك مضحكة فعلاً.. استغرقنا في الضّحك وقتاً لا بأس به قبل أن انتبه إلى أنّي أمضيت برفقته أربع ساعات و نصف، استأذنته و هممت بالخروج، صافحني فاقتربت منه وعانقته، شمّني بشغف و قال : أنت إمرأة رائعة ....... اقتربت منه و قبلته و أخيراً حصلت على ما أريد ...

أعترف الآن أنّها كانت ليلة مخيبة للآمال، رغم وسامته و جاذبيته فهو لم يكن كما تمنيت، ربما كان يجاريني فقط، أو ربما كان يتخيلني مع الرّجل صاحب الرائحة على ثيابي في ذلك اليوم، أوربما كان يفكر في كل رجل سبقه إلي! و ربما كان يشتاق حبيبته و يتخيلها بشدة في تلك اللحظات! من يعلم بماذا كان يفكر و لكنّه كان مشوشاَ بشكل واضح، و لكنّي أعترف أنّه يمنح القبل الأشهى في تاريخ القبلات على الإطلاق، كما أنّ رائحته رائعة، رائحة جلده أطيب من رائحة ماء الورد..كم هو كامل ولو أنّه ليس همجياً و بدائياً في السّرير بما يكفي. عندما انتهينا قبلني تحت أذني و وضع رأسه على صدري ثمّ قال: أعتذر ولكنّي لا أستطيع أن أقاوم النّوم بعد الجنس، سامحيني... ابتسمت له و أنا أفكر في نفسي كم هو مهذب! لا أعتقد أن رجلاً في تاريخ البشرية قدم اعتذاراً لشريكته لكونه يريد أن ينام بعد الجنس، الرّجال مخلوقات وقحة وأنانية خارج السّرير وهي وقحة و أنانية أكثر في السّرير، سريعو الشّبع وينامون بلا استئذان، إنّه رجل من الحقبة الفيكتورية و لكني لا أعتقد أنّ رجال تلك الحقبة كانوا مهذبين في جميع جوانب حياتهم حتى السّرير. فكرت بعد اعتذاره ذلك كيف كان رجال العصر الحجري يمارسون الجنس؟ أعني كيف كان شكل الجنس بين أول رجل و امرأة! كيف أصبح الفرنسيون الأروع في هذا المجال؟ متى و كيف عرفت أول إمرأة أنّها ليست بحاجة لرجل لتصل النّشوة؟ كيف عرف الرّجل الأول أن شريكته بلغت النّشوة وكيف عرف أنّها لا تمثّل؟ أم نساء ذاك العصر لم يكن يمثلن النّشوة؟!! قررت أن لا أغادر المكان قبل الحصول على إجابات لتلك الأسئلة، أو على الأقل إجابة واحدة فقط .. تأملته وأنا أتخيل شكل المرأة التي قد تستطيع هجره، ما الذي قد يجعلها تفعل ذلك؟ إنّه مراع للآخر بشكل مثالي، أعني من يسأل إمرأة خلال علاقة حميمة هل تتألمين؟ هل أنت مستمتعة فعلاً؟ ماذا تريدين منّي أن أفعل؟ إنّه رجل بطبع إمرأة، حتى أنّ بعض النّساء لا يكنّ بهذه الحساسية في السّرير، هل هذا ما تريده المرأة؟ قد لا نعرف نحن النّساء ما نريد و لكنّنا نعرف مالا نريده على الأقل، نحن لا نريد رجلاً نبيلاً في السّرير، على الأقل أنا لا أريده نبيلاً في السّرير، توقفت عن التّفكر عند ذلك الحد و قررت الاستمتاع بما تبقى من الليلة فدخلت الحمام لأكمل ما بدأته مع ذلك الفارس النبيل.. خرجت بعد نصف السّاعة تقريباً ونمت بجانبه، اقترب مني و عانقني، كانت تلك المرة الأولى التي أكون فيها بجانب رجل، بجانبه لم أكن فوقه ولم أكن تحته و بالتأكيد لم أكن بين ساقيه. لم أعتد النوم بجانب رجل نائم أبداً، كنت أنهي ما بدأته و أغتسل ثم أغادر بسرعة حتى من دون قبلة وداع، كانت ليلة غريبة جداً. استيقظ قبلي و أعد فطوراً لكلينا، جلس على حافة السّرير، قبّل جبيني وقال: استيقظي لديك موعد في العاشرة، ستتأخرين.. فتحت عينيّ، ابتسمت له وأنا أقول لنفسي : كم هو مثالي، مثالي جداً. 

غادرت السّرير و أنا عارية تماماً، انحنيت لألتقط ثيابي، فقال بدهشة: 

_ لماذا لم تقومي بلف الملاءات حولك كما تفعل النّساء عادةً؟

_أنا لا أفهم هذه الحركة إطلاقاً، أعني أنت رأيتني عارية فعلاً و فعلت ما هو أكثر إحراجاً من مجرد رؤيتي عارية، فما هو الهدف من لف الملاءات بعد أن مارسنا الجنس فعلاً!! اقترِب وساعدني بأزرار حمالة صدري الغبية هذه، تعال. شعرت بيديه باردتين جداً، أعترف أنّ ارتباكه جعلني ابتسم في سري، و لكنّه فاجأني عندما قبّل كتفي ثمّ لفَّ يديه حول خصري وقال: أنت أروع إمرأة عرفتها في حياتي، وأنا ممتن لتلك الليلة .. استدرت نحوه، قبلته ثم أكملت ارتداء باقي ثيابي و جهزّت نفسي للخروج فقال:

_ سأظل أقرأ لك

_ سأظل أتخيل صوتك تتأوه و تقول كلاماً قذراً بدلاً مما كتبه تولستوي

_ أهذا ما كنت تفعلينه كل الوقت؟!

 _ قلت لك ليلة أمس أنا وأنت لن يجمعنا في يوم من الأيام سوى السّرير

_ لكنّك تحبين القراءة، أعني أنت لست الفتاة الغبية التي تحاولين إدّعائها

_ لكنَّك لا تجعل الأمر سهلاً، أنت مثير جداً. ابتسم ابتسامة أقرب إلى البكاء، بدا ما قلته أكبر خيبة أمل تلّقاها في حياته، أعترف أنّي شعرت بشيء من الخيبة وعلى الرّغم من أنّي سأغادره إلى آخر و آخر و لكنّ شيئاً ما بداخلي أَحبّ ما حصلت عليه خلال الأشهر القليلة التي كنّا خلالها معاً. نظرت إليه بحب و قلت 

_ عيد ميلادي في منتصف آذار، هل تعتقد أنّنا سنظل على اتصال حتى ذلك الوقت ؟

 _ يكفي أن نحاول، ستحاولين أليس كذلك؟

 _ سأحاول ...