Author Name

كاتب فلسطيني سوري

للكاتب/ة

نشر تقريرًا بعنوان "أول صوت عربيّ يدوي من داخل سور القمع والارهاب في إسرائيل" فيهِ نشر الجزء الرابع "التمييز العنصريّ" من المذكرة، مما يشير على أن الفعل السياسيّ كما الفعل الثقافيّ وكتابة الشعر تجاوزت الحدود، وساهمت في استعادة ثقافة فلسطينية في حيفا. من المهم التأكيد على الدور الكبير لكنفاني في بناء هذه العلاقات، خصوصًا عند تناولهِ الإنتاج الأدبي والشعر والغناء الشعبيّ للفلسطينيين الباقين.

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

13/07/2025

تصوير: اسماء الغول

محمد قعدان

كاتب فلسطيني سوري

محمد قعدان

وباحث مستقلّ. درس ماجستير في جامعة كوليدج دبلن، برنامج "العرق، الهجرة ودراسات نزع الكولونياليّة" في قسم علم الاجتماع. يكتب الدراسة والمقالة الفكريّة، السياسيّة والتاريخيّة في عدد من المنابر العربيّة.

أرمي في هذا المقال إلى إعادة التفكير في تاريخ الفلسطينيين تحت الحكم العسكريّ بوصفهِ تاريخًا عالميًا، من خلال مناقشة المذكرة القانونية التي أرسلتها حركة الأرض عن أحوال العرب في إسرائيل بتاريخ 23 حزيران عام 1964 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وما زال العرب الفلسطينيين قابعين تحت منظومة الحكم العسكري. تجاوز هذا الفعل تقاليد الفعل السياسيّ آنذاك حيث أنّ إسرائيل هدفت إلى عزلهم عن المحيط العربيّ أولًا والعالم ثانيًا، حققت حركة الأرض بهذا الفعل قوةً سياسية وقانونية في ظل انعدام منصات دولية لشرح أحوال العرب في إسرائيل وعدم القدرة على سرد معاناة الفلسطينيين الباقين تحت الحكم العسكريّ وسياسة نهب الأرض وانعدام حريات وحقوق الأنسان، مثل الحق في الحركة، العمل والصحة وغير ذلك.

إضافةً إلى النشاطات والإنتاج الثقافي السياسيّ الذي امتاز في ربط المحليّ بالعالميّ، التي ساهم بها شعراء المقاومة، ونضالات الشيوعيين. التي برزت أساسًا في مكاتب مطبعة الاتحاد، التي نشرت جريدة الاتحاد، وأيضًا ومجلة الجديد الثقافية، مما ساهم في تعزيز الروح النضالية والثورية ضد الاستعمار والتحالف الغربيّ الرأسماليّ والنشاط الثقافي في منشورات المدعومة من قبل حزب مابام، من خلال شخصيّات مؤثرة عربية داخل الحزب التي شكلت منصات مثل جريدة المرصاد ومجلة الفجر وساهمَ فيها كلّ من رستم البستاني، راشد حسين وفوزي الأسمر وغيرهم. 

حيفا: شعر، ثقافة ومقاومة 

مؤخرًا، تحدثت مع المفكر القانوني رائف زريق حول محمود درويش، أحد أوائل شعراء المقاومة الذين حظوا باهتمام كبير من غسان كنفاني. توسّع حديثنا إلى مواضيع أخرى، منها بحثي للدكتوراه حول الأبعاد العالمية لنضال البقاء تحت الحكم العسكري في الخمسينيات والستينيات، في ظل تصاعد الحرب الباردة.  أشار زريق إلى نقطة بالغة الأهمية ما زلت أتمعّن فيها: ضرورة فهم تأثير البعد العالمي على الشيوعيين في فلسطين، خصوصًا في سياق قرار التقسيم. فقد تشكّل وعي قيادات مثل إميل حبيبي، توفيق طوبي، وإميل توما في إطار الحركة الشيوعية العالمية، من خلال ارتباطهم بقيادات خارجية ودراساتهم بالخارج—كحالة توما في بريطانيا. هذا الانفتاح ساهم في تبنيهم تصورًا لليهود كضحايا اضطهاد عرقي منظم، ما أنتج فهمًا سياسيًا مغايرًا للقيادة الوطنية الفلسطينية، التي رأت في اليهود مهاجرين استيطانيين ينفذون مشروعًا استعمارياً في فلسطين.

لذلك، النظر إلى البعد العالميّ يتيح لنا فهم أعمق للأحداث التاريخية، إقامة الحكم العسكريّ وبداية النضال من أجل إلغاء الحكم العسكريّ بين جماهير الفلسطينيين الباقين قادهُ الحزب الشيوعيّ، من مثقفين وجرايد ومؤسسات وأعضاء كنيست مما عزز قوة الصوت العربيّ ضد الحكم العسكري و"سياسة الاضطهاد القوميّ" وهو مصطلح استخدم في تلك الفترة بكثرةٍ يعبّر عن مصطلحات متداولة عالميًا، لحقوق الأقليّات القوميّة، ومواثيق الأمم المتحدة. 

أصبحت الثقافة جزءاً أساسيّاً من الصراع ضد الحكم العسكريّ، خصوصًا الغناء الشعبيّ وكتابة الشعر ونشر الدواوين، حيث أن كنفاني انصبّ اهتمامهِ في دراسة هذا الشعر منذ ستينيات القرن الماضي، حصل على الدواوين من خلال تهريب أعداد المجلات المختلفة مثل "الجديد" و"الفجر" ومراسلة الشعراء، حيث أنهُ منذ بداية الستينيات قرّر نشر دراسة حول الشعر العربيّ الفلسطيني داخل الأراضي المحتلّة مع مجلّة الآداب ثم نشرت كدراسة منفصلة. بينما نشرت المؤرخة مها نصّار كتابها "الإخوة المنفصلون: المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل والعالم العربي" (نشر باللغة الإنجليزية) وكشفت عن بدايات شعر المقاومة، الشخصيات الأساسية، الأحداث والسياقات العالمية التي أثرت على منتوجهم مثل مسارات نزع الكولونيالية، التحرر الوطنيّ والحرب الباردة في تلك العقود. كشفت لنا عن العلاقة الشائكة بين شعراء مثل محمود درويش، سميح القاسم وراشد حسين مع العالم العربيّ من خلال زياراتهم لمؤتمرات شيوعية/ تقدمية عالميّة في أوروبا. 

أقام الحزب الشيوعي اجتماعات ومهرجانات شعبيّة وبدورها المنصة الأهم لإلقاء الشعر والغناء الشعبيّ وتعميم الفنّ المقاوم، كما نجد في مذكرات شعراء شيوعيين مثل سميح القاسم وحنّا إبراهيم. منذ انتقال محمود درويش إلى حيفا وعمله في مكاتب "الاتحاد"، أصبح درويش فاعلًا محوريًا في الفكر والفنّ اليساريّ الشيوعي. كتب مقالات ناقدة حول الشعر العربي داخل الأراضي المحتلة "رأي في شعرنا"، قدم نقدًا لشعراء كبار مثل جمال قعوار وراشد حسين بوصفهم "شعراء متفرجين"، معتبرًا أنهم أسرى دوائر صهيونية. دعا إلى أدب ثوري يعكس واقع الجماهير المضطهدة، واستند في نقده إلى سجالات أدبية عالمية بين الواقعية والرومانسية، وغير ذلك (أيلول/1961).

كتب درويش عن "صوت الجزائر" في مؤتمر أدباء آسيا وأفريقيا الذي عقد بالقاهرة في شباط 1962، مؤكدًا أن الأدب سلاح في المعركة ضد الاستعمار. استشهد بأقوال من أديب جزائري وشاعر ألماني لتسليط الضوء على الوظيفة السياسية للفن، وكتب: "هذا هو الصوت الذي رفعه وفد الجزائر... صوت الجرح الخامس والأربعين من جراح شعوب آسيا وأفريقيا الثائرة" (الجديد، نيسان–أيار 1962). واصل درويش انخراطه في النقاشات الأدبية العالمية عبر مجلة "الجديد". في العدد الثامن (1962)، ناقش تأثير الصراع بين الشيوعية والرأسمالية على الشعر وجمالياته. وخصص مقالات لشعراء عالميين وعرب مثل ناظم حكمت (العدد السادس، 1963)، نازك الملائكة (العدد الرابع والخامس، 1964)، وبدر شاكر السيّاب (العدد الأول، 1965)، كما تناول قضايا الثورات في العراق ومصر.

 

 

النصّ والتاريخ: مذكرة إلى الأمم المتحدة

حدثني صبري جريس حول نشأتهِ والحياة اليوميّة تحت الحكم العسكريّ في فسوطة وانتقالهِ إلى المدرسة الثانوية تراسنطا في الناصرة، أخبرني عن التقدّم الكبير للنظام التربويّ في الجليل منذ أيام الانتداب، من خلال العلاقات الكنسيّة الكاثوليكية، والبعثات المسيحية، وهذا بعد يدل على أهمية الأبعاد العالمية لفهم تاريخ فلسطين. وذكر بأن مدرسة تراسنطا هي أشبه بالكليّة، لغة التدريس هي الإنجليزية، وتصل إلى مكتبتها الصحف والمجلات العالميّة، أمريكية وبريطانية مثل "ذي جارديان" و"نيويورك تايمز" من هناك بدأ جريس تكوين عقلهِ السياسيّ.

 ثم درسَ جريس القانون في الجامعة العبريّة التي تقع في غربيّ القدس في عام 1957، وأقاموا هناك لجنة طلاب عرب، وهم فقط 47 طالب، بالإضافة إلى بعض الطلبة العرب في حيفا "معهد التخنيون"، من بين ربع مليون عربي فلسطينيّ في إسرائيل. وهذا نتيجة القمع والاضطهاد تحت الحكم العسكريّ. في الجامعة تعمق جريس في مساقات التاريخ اليهودي والفكر الصهيونيّ. في عام 1958 بعدما تصاعدت إجراءات القمع وسياسة نهب الأراضي في ظلّ الحكم العسكري، قررت القوى القومية واليسارية الشيوعية إلى تأسيس الجبهة الشعبية، تبعًا لذلك خططت للاجتماع في بداية تموز/ يوليو 1958 وفي تلك الأثناء تفجرت الثورة العراقية التي ستصبح مركز الصراعات داخل الجبهة بين النشطاء القوميين والشيوعيين، خصوصًا في ظل عدم انضمام العراق بعد الثورة إلى الوحدة العربية، تحت قيادة جمال عبد الناصر. لذلك لم تستمر طويلًا الجبهة بسبب الخلافات السياسية، ونتج عن ذلك مبادرة القيادة القومية مثل منصور كردوش وصالح برانسي لتأسيس حركة الأرض، وهنا انخرط جريس في حركة الأرض، وتعددت فعاليّات الحركة من اصدار نشرات بشكل دوريّ وتثقيف دائم، بالإضافة إلى نضال سياسيّ قانونيّ وميدانيّ من أجل حقوق العرب تحت الحكم العسكري. 

ثمّ انتقلنا للحديث عن المذكرة التي أرسلتها حركة الأرض إلى الأمم المتحدة، في صيف عام 1964، وهي الخطوة الأبرز التي تجاوزت الخط الأحمر بالنسبةِ للمؤسسة الصهيونيّة، إذ اعتبرت العرب الباقين مجرد قضية داخليّة، والعمل بشكل على عزلها عن محيطها واستهدافها بشكل منفرد، لذا المذكرة قامت في جعلِ قضية العرب في إسرائيل وقضية اللاجئين عمومًا إلى قضيّة ذات بعد عالميّ. كتبت المذكرة بشكلٍ جماعيّ من نشطاء الحركة والقيادات ثم وصلت إلى يد جريس بهدف التحرير والتعديل كونهُ على دراية في الأبعاد القانونية والسياسية بالإضافة إلى اتقانهِ اللغة الإنجليزية. طبع منها ما يقارب الأربعين نسخة تقريبًا، أخذ جميعها إلى البيت. 

تخللت المذكرة وصفًا دقيقًا ورصد لسياسات التمييز العنصريّ والنهب الصهيونيّ، من خلال لوائح عسكرية قوانين وممارسات واقتباسات وشرح كيفية عمل مختلف المؤسسات والهيئات في الدولة والحكم العسكري بهدف القضاء على الوجود العربيّ، حيث أكدت المذكرة بأن هدف إسرائيل النهائي هو إذابة جمهور العرب الفلسطينيين الباقين ومحو هويتهم. في القسم الأول عن الأراضي العربية "دأبت الحكومة منذ قيام الدولة على اتخاذ شتى الإجراءات الرامية إلى مصادرة ما يمتلكهُ العرب من الأراضي في البلاد، فسنت من أجل ذلك مختلف التشريعات والأنظمة، ومارست على نطاق واسع عمليات الترحيل ونسف القرى العربية وتخريب مزروعاتها للحيلولة دون رجوع أهلها إليها". وفصّل التقرير سياسة النهب الأراضي تدريجيًا من عام 1948، ثم شرح القوانين الهادفة إلى سلب الأراضي مثل "قانون الغائبين" و"قانون استملاك الأراضي" وتقديم نماذج وأمثلة عديدة مثل المصادرات الكبيرة، والتطهير العرقي الحاصل في الجليل. 

 مثلت هذه المذكرة نقطةً مفصليّة في تاريخ الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة عمومًا، بسبب أن المذكرة هي نتاج عمل مكثف ونشاط ثقافيّ ممتدّ منذ عام 1948 إذ ساهمت المذكرة في التركيز على العامل السياسيّ الاستعماريّ لدولة إسرائيل حيث لم يعد وجود لقضيّة فلسطين إلا باعتبارها أزمة إنسانية كما أن صدور المذكرة في العام ذاتهِ لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينيّة يكشف لنا عن أهميتها في سياق صعود المشروع السياسيّ الفلسطينيّ.

وصلت أخبار المذكرة إلى جمهور الفلسطينيين اللاجئين، إذ أن غسان كنفاني بدورهِ رئيس تحرير ملحق فلسطين لجريدة "المحرر" خلال عملهِ ونشاطهِ الدائم لتغطية أخبار الأراضي المحتلة أي أحوال الفلسطينيين الباقين تحت الحكم العسكريّ. نشر تقريرًا بعنوان "أول صوت عربيّ يدوي من داخل سور القمع والارهاب في إسرائيل" فيهِ نشر الجزء الرابع "التمييز العنصريّ" من المذكرة، مما يشير على أن الفعل السياسيّ كما الفعل الثقافيّ وكتابة الشعر تجاوزت الحدود، وساهمت في استعادة ثقافة فلسطينية في حيفا. من المهم التأكيد على الدور الكبير لكنفاني في بناء هذه العلاقات، خصوصًا عند تناولهِ الإنتاج الأدبي والشعر والغناء الشعبيّ للفلسطينيين الباقين.

بعدما أعد جريس نسخ المذكّرة، دعا نشطاء الحركة من المثلث والجليل، بهدف إرسالها إلى سكرتير العامّ الأمم المتحدة، نيويورك. من خلال مختلف فروع "البريد الإسرائيلي" القريبة من القرى العربية، كلّ ناشط يتحمل مسؤولية أكثر من نسخة، ويتم تغليفها بطرق متنوعة وتواريخ مختلفة. سألتهُ ما هي أهمية هذا الإجراء أخبرني بأنه لو أرسلوا نسخةً واحدة في غالب الأمر سيتم ضبطها ومنع إرسالها، لذلك من أجل ضمان وصول على الأقل نسخةً واحدة. قال لي "بأنهُ لحسن حظّنا، دخل مندوب دولة الجزائر المستقلة حديثًا على السكرتير العامّ حينما وصلت المذكرة، وأطلعهُ عليها، ثم مندوب الجزائر أخد نسخة من المذكرة وقام في إعداد عشرات النسخ وتوزيعها على جميع المندوبين في الأمم المتحدة. مساندة مندوب الجزائر للمذكرة، تأتي في سياق البرقيات والمذكرات العديدة التي أرسلتها حركة الأرض إلى سفير فرنسا في إسرائيل، وإحداها أرسلت عام 1960 بتوقيع كلّ صالح برانسي عن القوميين العرب، وصبري جريس عن لجنة الطلبة العرب في الجامعة. جاء فيها رفض واضح للاستعمار الفرنسية والعنف المكثف ضد الشعب الجزائري وقمع إرادتهِ بالتحرّر (من أرشيف - مجموعة محمد ميعاري).

تبعًا لذلك، هدفت الحركة لتصبح معترف بها رسميًا كحزب والانضمام إلى الانتخابات التشريعيّة الكنيست القادمة في عام 1965. وهكذا لم تسمح لها السلطات في التحوّل إلى حزب رسميّ، بل شددت عليها الخناق والحصار وملاحقة القيادات، وبالتأكيد المذكرة اعتبرت أحد أهم الأسباب لهذا القرار التعسفيّ والقمع، إذ أصبحت قضية العرب في إسرائيل، جزء من النضال العربيّ القوميّ ضد الاستعمار، والنضال العالميّ. منذ نشأة إسرائيل روجت لخطاب الديمقراطية واندماج "الأقلية العربية"، بالإضافة إلى تعميم خطاب "التحديث والتطوير" الذي يعتبر القرى العربية نموذج ناجح لخطط التنمية الإسرائيلية. لذلك إرسال المذكرة من قبل حركة الأرض قام في ضرب خطاب المؤسسة الإسرائيلية في المنصات العالميّة.

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع